بعد “الثورة” التي أحدثتها رواية “50 ظلا من الرمادي” في عالم النشر، بتحقيقها مبيعات قياسية، تشهد بدورها عمليات الدعاية حول عرض الفيلم المقتبس منها أساليب مبتكرة تستغل أجواء الإثارة الإباحية التي صنعت نجاح الكتاب.
مع اقتراب موعد “عيد الحب” بلغت حملة الدعاية لفيلم “50 ظلا من الرمادي” الذي يعد بمشاهد ساخنة، أوجها. فالفيلم مقتبس من الرواية التي تحمل نفس العنوان والتي حطمت في 2012 كل أرقام المبيعات التي عرفها عالم النشر (100 مليون نسخة) بقصة مغامرات جنسية، يطغى عليها طابع سادي ومازوشي، بين أناستاسيا وهي طالبة في 21 من العمر وصديقها كريستيان غري، الثري والمعروف بانحرافه الجنسي.
وأعد المنتجون، ستوديوهات يونيفيرسال وفوكيس العملاقة، خطة تجارية في حجم الحدث. فبمهارة فائقة، عمل فريق التسويق طيلة ثلاث سنوات كاملة، على خلق جو من الغموض والتعتيم حول درجة الإثارة الإباحية للفيلم. وتستغرق المشاهد الجنسية 11 دقيقة من ساعتين، ويبدو أن الحيلة في كل هذه العملية تكمن في الإيحاء أكثر من الممارسة. ففي فرنسا لم يمنع الفيلم المستوحى من رواية البريطانية إي. إل. جيمس إلا للذين تقل أعمارهم عن 12 سنة.
وكانت الكاتبة نفت بعيد صدور الكتاب في مقابلة مع صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية (18 تشرين الأول/أكتوبر2012)، أن يكون “الهدف من تأليف هذه الرواية المساس بمشاعر الناس عبر مشاهد ومقاطع سادية مازوشية” مشددة على طابع الحب الذي يميزها قبل كل شيء. وتابعت إن قراءها، وغالبيتهم من النساء، “يتمتعون بكامل الحرية لاستغلال الرواية كل لأغراضه وكل حسب ميوله” الثقافية والجنسية.
ففي فرنسا حجزت أكثر من 200 ألف تذكرة على الإنترنت قبل عرض الفيلم في القاعات، وهو ما ينذر بعائدات قياسية. نفس الشيء في الولايات المتحدة حيث تجاوزت المبيعات المسبقة الأرقام المعتادة لأفلام ممنوعة عن الأقل من 17 عاما، ويتوقع ربح 60 مليون دولار في نهاية الأسبوع الأول فقط من العرض، وهو ما يتيح تغطية تكاليف الفيلم المقدرة ب 40 مليون دولار.
ومنعت الصحافة من نشر أي نقد قبل عرض الفيلم في القاعات، واتخذت إجراءات مشددة لمنع التصوير خلال العروض الصحافية وصلت إلى حد مراقبة حقائب اليد ونشر حراس داخل القاعات لترصد أي بصيص محتمل من هاتف نقال يحاول “سرقة” صورة من الشاشة.
ولعب المنتجون على الخط الرابح للترقب الكبير لدى المحبين الكثيرين لـ “50 ظلا من الرمادي”. فمنذ ستة أشهر كثفت نشر لقطات وأشرطة إعلانية مختلفة كاشفة بهذه “اللمسات” الطفيفة والتي تفاقم التشويق شيئا من العالم البصري للفيلم. وفي لعبة الحجب والكشف التجارية محاكاة لمحرك السرد التي تلتقي فيه أناستاسيا مع فانتازما كريستيان الجنسية.
وفي كل مرة نشرت فيها هذه الأشرطة بلغت فيها الإثارة أقصاها، وجنت مئات الملايين من المشاهدات على قناة “يوتيوب” المتخصصة للأفلام. وحصدت صورة للبطلين على فيس بوك عشرات الآلاف من نقرات “الإعجاب” في ظرف ساعات، ومئات التعليقات لمحبين على حافة الإغماء. ونرى في إحدى الأشرطة أنستاسيا تحاور كريستيان في مكتبه الفخم، وفي أخرى نراها تكتشف “الغرفة الحمراء للأوجاع”. وأثبتت دراسات التسويق أن أغلب القراء، وجلهّن قارئات، يهمّهن في المرتبة الأولى نمط عيش البطل…
فالرواية تطرح بصورة غير مباشرة مسألة خضوع المرأة للرجل، أكثر مما تشكل مجرد قصة جنسية بين شابة ورجل منحرف جنسيا، وهو ما قد يخيب الباحثين عن عرض بورنوغرافي سطحي. وأشارت الخبيرة في الجنس كاترين بلان أمس 10 فبراير/شباط لصحيفة لوموند الفرنسية أن “المثير في هذا النجاح هو التناقض العظيم بين الخطاب السائد اليوم والذي يريد للمرأة أن تسبق الرجل في الفعل الجنسي وأن “تلتهم” الرجال وأن تفخر برغبتها وتشهرها وتشبعها بسهولة من جهة، وبين المحركات الإيروتيكية ل”50 ظلا من الرمادي”، حيث تطالب البطلة التي تأخرت في فقد عذريتها أن يدخلها عالم الجنس رجل يجمع كل رموز “الرجولة”، من مال ونفوذ وجسد رياضي وضبط للنفس وتعالي، ومن ثم ذي كفاءة كبيرة في “فن الجنس””. بعبارة أخرى، كانت الأميرة النائمة تفيق على قبلة، فصارت تفيق على ممارسة سادية مازوشية. وهذا التطور هو تطور في السرد لأن الفرق بين الفانتازيا والواقع ما زال قائما، حسب كاترين بلان فبين “التشبع بالخيال والرمز لا يعني بالضرورة تجربته في الحياة”.
أما عن الأساليب التجارية القوية الأخرى التي أحاطت بالفيلم، فقد نشرت النجمة “بيونسي” صاحبة موسيقى الفيلم لشريط إعلاني في يوليو/تموز. وفي نفس السياق، حضت كيم كردشيان بعرض خاص غردت خلاله حول “جودة” الفيلم… وكأن عملية التسويق تجاوزت الخيال أكثر من القصة نفسها.
وحتى لو أجمع نقاد السينما بأن الفيلم لن يرسخ في ذاكرة الفن السابع، إلا أنه سيصنع سعادة هوليوود، خصوصا وأن المنتجين يعتزمون تصوير فيلمين آخرين يتبعانه. وأصدرت العديد من المنتوجات المستلهمة من الفيلم ما ينذر أن الكساد لن يلقي بظلاله على “50 ظلا من الرمادي”
من المنتوجات “المشتقة” من الفيلم
-شاي 50 ظلا من “إيرل غراي”
-مسحوق غسيل “50 ظلا من سورف” ذي روائح تعد بـ”إيقاظ الحواس”
-دب من القماش الرمادي يحمل أوصاف كريستيان (بدلة وربطة عنق وقناع وأغلال)
-عدة من الأغلال “حد أقصى”
-مرهم “50 ظلا” للأرداف يستعمل بعد استخدام السوط
مها بن عبد العظيم/فرانس 24