بحث . الوحدتين المركزيتين لتكوين الأطر والبحث التربوي بين الشرعية والمشروعية

بحث . الوحدتين المركزيتين لتكوين الأطر والبحث التربوي بين الشرعية والمشروعية

- ‎فيرأي
352
0

بقلم الدكتور عبد الكريم جلام

أستاذ التعليم العالي مساعد
( شعبة القانون التربوي والتنظيم الإداري)
مراكش
من مميزات النسق السياسي في المغرب الحديث، هناك ميزتان أولهما أن نظام الملكية الدستورية، الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية، يقوم على أسس حضارية ثابتة منها الشرعية والمشروعية، وثانيهما أن الملك أمير المؤمنين الذي هو رئيس الدولة، يتابع عن كثب إصلاح نظام التربية والتكوين، ويبدي ملاحظاته السامية بشكل متواصل بشأنه.
ومن بين الدعوات الجريئة السامية في هذا الموضوع، قول جلالته: ” وفي هذا الصدد، ينبغي إعادة النظر في مقاربتنا، وفي الطرق المتبعة في المدرسة، للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه، مقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين، إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين، وتنمية قدراتهم الذاتية، وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار، فضلا عن تمكينهم من اكتساب المهارات، والتشبع بقواعد التعايش مع الآخرين (…) إن الأمر لا يتعلق إذن، في سياق الإصلاح المنشود، بتغيير البرامج، أو إضافة مواد أو حذف أخرى، وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس نسق التكوين وأهدافه، وذلك بإضفاء دلالات جديدة على عمل المدرس لقيامه برسالته النبيلة”(1).
وبتحليل مضمون هذه الأفكار الحضارية والسامية بامتياز، يتبين أن إصلاح نظام التربية والتكوين في نظرية ” المفهوم الجديد للسلطة “، لا يتحقق بمجرد تغيير البرامج، أو حذف مواد وتعويضها بأخرى، و إنما المقصود كما يؤكد جلالة الملك، هو تغيير نسق وأهداف التكوين الأساسي والمستمر، عبر إضفاء دلالات وقيم جديدة على عمل الأستاذ(ة) [ والمفتش والإدارة التربوية …إلخ ] لتحقيق نتيجة ملموسة تتمثل في تبليغ المدرس رسالته النبيلة إلى الناشئة. إنه تحدٍّ حقيقي يجعلنا مضطرين إلى القيام بوقفة حقيقية مع الذات، وذلك بطرح الأسئلة الآتية: كيف يمكننا تغيير نسق وأهداف التكوين الأساسي والمستمر؟ ومن المسؤول عن هذا التغيير؟ ثم كيف يمكن إضفاء دلالات جديدة على عمل الأستاذ(ة) حتى يتمكن من تبليغ رسالته النبيلة؟ هل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين معنية بهذا التغيير؟ ثم ما هي طبيعة العلاقة بين الوحدة المركزية لتكوين الأطر بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين؟ وكيف يمكننا تقييم دور ومسؤولية “الوحدة المركزية لتكوين الأطر “، و”الوحدة المركزية للبحث التربوي ” من وجهة نظر قانونية؟
إنها أسئلة معقدة ومركبة لا نستطيع الإجابة عنها إلا بالتركيب. وعليه، إذا اعتبرنا ” أن التقدم في حياة الأمم، يكون نتاج تضافر الجهود من مختلف المواقع، ويتنامى بغنى النقاش، الذي يؤمن بالاختلاف، وينهج خيار الإقناع، ويركب الصعاب من أجل نيل المبتغيات، إضافة إلى الوقوف على ما اعترى مسار [ الإدارة في قطاع التعليم] من تعثرات، والتنبه إلى ما لوحظ من نقائص واختلالات، بغية تطويقها مع تدارك والابتعاد عما يزال لصيقا بالإدارة مما لا يقبل كممارسات” كما جاء في الفقرتين الأولى والسادسة من مقدمة التقرير السنوي لمؤسسة الوسيط(2)، فإن التنبيه إلى ضرورة الابتعاد عن كل الممارسات غير المقبولة والتي لاتزال لصيقة بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مما لا يقبل كممارسات، يقتضي طرح السؤال التالي: إذا كانت الشرعية تفيد في الفقه الإداري أن يتوفر مسؤول أو جهاز إداري معين، على الإطار القانوني الذي يخوله اتخاذ قرارات إدارية تكون مقبولة ومعترف بها من قبل المعنيين بتطبيقها، وما يميز الشرعية في هذه الحالة، هو طابعها الوظيفي، وهو ما نسميه بالمفهوم الوظيفي في ممارسة السلطة الإدارية، ويحدث هذا النوع من الشرعية إما بواسطة مرسوم إذا تعلق الأمر بجهاز إداري ( وزارة التربية الوطنية ومديرياتها المركزية مثلا…إلخ)، أو بتعيين مسؤول من قبل السلطة الحكومية المعنية إذا توفرت الشروط اللازمة لذلك، شريطة أن ينشر المرسوم المعني بالجريدة الرسمية ليطلع عليه الجميع. فإن المشروعية بالمقابل، هي الخضوع التام للقانون(3)، ومن ثم، فالمشروعية هي الهيكل النظري المنظم عموديا للعلاقة بين الدستور والقانون التنظيمي والقانون والمراسيم والمناشير والقرارات و” المذكرات التنظيمية ” في إطار مبدإ توافق القاعدة القانونية الأدنى للقاعدة القانونية الأعلى، وعدم مخالفتها شكلا وموضوعا، لأنه في حالة حصول مخالفة يصاب القرار بعيب عدم المشروعية ويدخل ضمن نطاق القرار المعيب.
وبناء على هذه الحقيقة، يمكننا التمييز بين المسؤول الإداري الفعلي، والمسؤول الإداري المغتصب، والجهاز الإداري الفعلي، والجهاز الإداري المغتصب. فالمسؤول الإداري الفعلي، ليس فقط هو المسؤول الذي يتحمل المسؤولية بشكل شرعي، بعد مشاركته في مباراة رئاسة منصب عال معين، ونيله ثقة المسؤولين بوزارة معينة، والذين سيصبحون فيما بعد رؤساءه، ومصدر الأوامر والتوجيهات التي تعطى له إما عبر الهاتف، أو عبر الفاكس، أو من خلال مذكرات ومراسلات مركزية، وإنما المسؤول الفعلي هو الذي يعترف المرتفقون بجدارته، ويشعر المنفذون الذين يعملون تحت رئاسته، بقدرته على الفعل، وعلى حل المشاكل التي تعترض مسار الإدارة التي يديرها. أما المسؤول الإداري المغتصب، هو المسؤول الذي يشعر المرتفقون والموظفون العاملون تحت رئاسته، باغتصابه لذلك المنصب، لأنه رغم نيله ثقة المسؤولين المركزيين، فإنه ” مكروه ” ومنبوذ داخل الإدارة التي عين لتسييرها إما بسبب انفراده بالسلطة، أو بفعل انغلاقه العميق على ذاته، أو نتيجة تشبثه بالمفهوم التقليدي للسلطة.
وبالمقابل، يكون الجهاز الإداري جهازا فعليا، إذا كان يتوفر على إطار قانوني يعترف بوجوده فعليا في الواقع (قانون أو مرسوم إحداثه منشور بالجريدة الرسمية) ويستمد منه شرعيته في اتخاذ القرارات، لكنه في غياب هذا الإطار، فإنه يعتبر مغتصبا للسلطة الإدارية.
ومن قاعدة الشرعية والمشروعية تنطلق عملية ممارسة السلطة الإدارية، فإذا كانت السلطة الإدارية شرعية واتخذت قرارا غير مشروع، يكون قرارها معيبا وفق مبدإ المشروعية، وإذا كانت السلطة الإدارية غير شرعية وقرارها مشروع، يمكن للقضاء الإداري -إذا لجأ إليه موظف متضررا طاعن في ذلك القرار -أن يرفض القرار بدعوى أن السلطة الإدارية صاحبة القرار غير شرعية، ومن ثم، فإن الحالة الطبيعية هي أن تكون السلطة الإدارية شرعية وقرارها مشروع.
إن السؤال الذي علينا طرحه ضمن هذا الإطار: هل هناك علاقة بين تعثر إصلاح منظومة التربية والتكوين بمفهومي الشرعية والمشروعية؟ ولماذا تنظر أغلبية مكونات هيئة التدريس بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بعيون قلقة إلى ” العُدد “، و” الرزنامات ” الصادرة عن ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر” باعتبارها الجهاز الإداري الذي يتحمل أكثر من أربع سنوات، مسؤولية تدبير سياسة الحكومة في مجال التكوين الأساسي والمستمر بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين؟ ثم لماذا هناك شبه إجماع في صفوف الأساتذة العاملين بمؤسسات التكوين التطبيقي والميداني المرتبطة بالمراكز على رفض استقبال الأساتذة المتدربين إلا بعد مفاوضات ماراثونية بين مؤسسات التطبيق ورؤساء الشعب بالمراكز؟ ثم لماذا توترت العلاقة أكثر بين مؤسسات التكوين التطبيقي والمراكز مع بداية أول وضعية تطبيقية خلال السنة التكوينية 2014/2015؟
سبق لنا في مقالة تحت عنوان ” إشكالية الشُّعَب ومعضلة التدبير بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين”، أن عرفنا الشعبة داخل المراكز، بأنها وحدة للتكوين والبحث التربوي النظري والتطبيقي المُمَهْنَنْ Professionnalisant تسهم داخل المراكز ضمن مفهوم الجهوية الموسعة، وتحت إشراف السلطة الحكومية الوصية، في بلورة الإنتاج التربوي والبيداغوجي والإداري الخاص بالأساتذة المتدربين، وبباقي موظفي وزارة التربية الوطنية عبر التكوين المستمر، إضافة إلى كونها تسهر على تنفيذ البرامج حين تنضج تصوراتها وتصبح قابلة للاستهلاك داخل المراكز، أي عندما تبلغ درجة الإصلاح.
وإذا كنا نؤمن بحقيقة تفيد أن إصلاح نظام التربية والتكوين طبقا لمضمون الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2012، يقتضي ليس فقط أن ينظم الجهاز التنفيذي مجموعة من المشاورات، ثم يتم الإنصات إلى مداخلات وملاحظات المتدخلين من أساتذة وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ…إلخ، ثم تجميع تلك الملاحظات في تقارير تعتمد فيما بعد لصياغة ” العدد ” و ” الرز نامات”، وإنما المطلوب أولا وأخيرا، هو الوقوف الحقيقي مع الذات، لإدراك أين يكمن الخلل ومن أين نبدأ وكيف نقوم بإصلاحه؟
إن الخلل من وجهة نظرنا لا يكمن مطلقا في الجهاز التنفيذي (وزير التربية الوطنية والتكوين المهني)، بل يكمن أساسا في الجهاز المنفذ. كيف ذلك؟
كثير من المحللين لأزمة قطاع التعليم، يعتقدون أن إصلاح نظام التربية والتكوين، يجب أن يبدأ من قاعدة الهرم التربوي، أي من مؤسسات التعليم العمومي (المدرسة الابتدائية، والثانوية الإعدادية، والثانوية التأهيلية، ثم الجامعة فيما بعد) باعتبارها بيئة صناعة الناشئة. وهو اعتقاد صحيح وخاطئ في الوقت ذاته، صحيح لأنه يركز على المؤسسة، وخاطئ لأنه يغفل المحرك الأساسي للمؤسسة ألا وهو الأستاذ(ة) والإدارة التربوية من جهة، وهيئة المراقبة التربوية والإدارية من جهة ثانية. ومن ثم، إذا كان الأستاذ(ة) (جمع أساتذة (ات)) هو(ي) المسؤول(ة) عن تمرير المضمون التربوي موضوع الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى التلاميذ (الناشئة) داخل مؤسسات التعليم العمومي والخصوصي ( ابتدائي، وثانوي إعدادي، وثانوي تأهيلي…)، فإن ما يمرره هذا ” الجيش ” من المدرسين ( ما يفوق 300000 أستاذ وأستاذة وما يقارب 8000000 تلميذ وتلميذة سنويا) إضافة إلى أطر الإدارة التربوية (مديرين ونظار وحراس عامين للداخلية والخارجية…إلخ)، وهيئة المراقبة التربوية والإدارية (بمختلف فئاتهم)، تتم صناعته في مراكز التكوين (المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين حاليا، ومركز تكوين المفتشين….). ومن ثم، فإن الأزمة التي تعيشها منظومة التربية والتكوين في المغرب الحديث، تنطلق بالأساس من مراكز التكوين، عبر ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر”، لأن المراكز طبقا لنظرية ” المفهوم الجديد للسلطة [التربوية والبيداغوجية] “، يجب أن تكون مقاولات وطنية لإنتاج المواطنة الملتزمة، وليس العكس. ولكي تكون المراكز كذلك، لا بد أن تتجدد، والتجديد يجب أن يمس وجوبا الأستاذ(ة) المكون(ة) والمؤطر(ة) داخل المراكز، ثم مؤسسات التربية والتكوين العمومي والخصوصي عبر الأساتذة(ات) المتدربين(ات)، ومن خلال أطر الإدارة التربوية، و” المفتشين ” المتدربين!
إن فهم وجهة نظرنا هذه فهما صحيحا، يحتم علينا تسليط الضوء على بعض أهم وسائل الإصلاح ألا وهو مفهوم ” التنفيذ ” داخل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. وهو مفهوم يختلف من حيث الجوهر، ليس فقط على مفهوم التنفيذ الجاري به العمل في المدارس الابتدائية والثانويات الإعدادية والثانويات التأهيلية العمومية والخصوصية، وإنما يختلف عن مفهوم التنفيذ المعمول به في الجامعة. كيف ذلك؟
لفهم هذه الحقيقة التي تبدو شيئا ما مركبة، علينا التمييز بين الجهاز التنفيذي والجهاز المنفذ. الأول نعني به الحكومة عامة ووزير التربية الوطنية والتكوين المهني خاصة، والثاني نقصد به الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية ثم المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية على المستوى المحلي. الأول مهمته إدراك المضمون التربوي والبيداغوجي لنظرية ” المفهوم الجديد للسلطة “، ثم تحويله إلى برنامج حكومي في مجال التربية والتكوين وترجمة مضمونه إلى واقع (قانون، مرسوم، قرار، مقررات، كتب مدرسية، توجيهات رسمية، مذكرات تنظيمية…إلخ)، والثاني مهمته تنفيذ ما توصل به من إصلاحات من قبل الأجهزة التربوية الوطنية والجهوية والإقليمية حسب مهمة كل جهاز.
إن مفهوم التنفيذ في إطار هذه المقاربة، يحتم علينا كذلك التمييز بين علاقة الوزارة الوصية بالأكاديميات والنيابات الإقليمية ومختلف مؤسسات التعليم العمومي والخصوصي في الأقاليم؛ وعلاقة الوزارة ذاتها بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.
بالنسبة لمفهوم التنفيذ في العلاقة الأولى، فإن خاصيته الأساسية هي ” لا اجتهاد مع النص “، ومن ثم فإن الأساتذة(ات) بمختلف مستوياتهم في جميع جهات المملكة، وفي كل المؤسسات العمومية والخصوصية للتربية والتكوين، مقيدون بمضمون التوجيهات الوزارية، وبالكتب والمقررات الدراسية المقررة، لأن المرجعية القانونية والتنظيمية لهذا الشكل من التنفيذ بالنسبة لموظفي وزارة التربية الوطنية العاملين بمؤسسات التعليم الأولي والابتدائي والثانويات الإعدادية والتأهيلية…إلخ، هو ظهير 24 فبراير 1958، والنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية الصادر سنة 2003 كما تم تعديله وتتميمه.
أما بالنسبة لمفهوم التنفيذ في العلاقة الثانية، فإن وضعية ” الشُّعبة ” داخل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، تختلف عن وضعية الموظفين الإداريين في الأكاديميات والنيابات من جهة، وعن وضعية الأساتذة(ات) بمختلف مؤسسات التعليم العمومي بالجهات من جهة ثانية. كيف ذلك؟
سبق لنا أن عرفنا الشعبة بما فيه الكفاية، وللتذكير فقط، سنسلط الضوء على معنى هذه الأخيرة في اللغة، وسنجد في منجد اللغة العربية المعاصرة (طبعة ثانية، 2001، ص:772) أن شُعْبَة: ج شُعَب: فرع. جزء يتشعَّب من أصل شيء، يتفرَّع منه، يتفرق منه، يتوزع منه. وفي روبير الصغير (ص:666)، نجد أن الشعبة = Département من Départir بمعنى التوزيع أو تقسيم إدارة إلى وحدات إدارية تتفرع عنها قصد القيام بنشاط يختلف من وحدة إلى وحدة ضمن الكل الذي تكونه هذه الوحدات. ومن ثم، فالشعبة في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، هي عبارة عن شخص اعتباري يضمن لمكوناته الاستقلالية في التفكير والإسهام عبر عمليتي التكوين الأساسي والمستمر ضمن إطار البحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي، في تزويد موظفي وزارة التربية الوطنية ومدهم بالكفايات والمهارات الضرورية للدفاع عن مشروع الدولة الحضاري وتحصينه.
وبناء على هذه المقاربة، نستطيع التأكيد أن ” الشعبة ” داخل المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، غير ملزمة بتفعيل مفهوم التكوين الأساسي والمستمر موضوع الدعامة الثالثة عشرة من المجال الرابع من الميثاق الوطني للتربية والتكوين بناء على وصفات أو ما يسمى عشوائيا ب ” العدة ” أو ” الرزنامة ” التي تصنع في الكواليس في غياب تام للشُّعَب، لأن المشرع التربوي والبيداغوجي ومن خلال مرسوم إحداث المراكز، وكذلك من خلال القانون رقم 00.01 المنظم للتعليم العالي، لا ينظر إلى المراكز نظرته إلى المدارس الابتدائية والثانويات الإعدادية والتأهيلية، وإنما ينظر إليها على أنها مؤسسات للتعليم العالي، أي أنها مؤسسات تسهم من خلال الشعب، في بلورة التصورات الإصلاحية المرتبطة بمجال التكوين الأساسي والمستمر، وبالبحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي، ثم تعمل على تنفيذها جهويا داخل المراكز .
إن سر ما يميز التنفيذ ويضمن أو لا يضمن إنجاحه في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، يكمن في التزام الحكومة بضمان الاحترام الواجب للقاعدة القانونية في المجالين التربوي والبيداغوجي المرتبطين بالتكوين الأساسي والمستمر، وبالبحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي. ومن ثم، فإذا شعرت ” الشعبة ” داخل المراكز بتقدير السلطة الحكومية الوصية واحترامها لمقتضيات المرسوم المحدث للمراكز، اتخذت المبادرة اللازمة وشرعت في القيام بما يجب عليها القيام به. أما إذا تبين أنها مقصية وتُعامل بكثير من سوء التقدير، انكمشت وشرعت في تنفيذ ” عدة ” أو ” رزنامة ” ترى أنها غير جديرة بالتنفيذ لأنها نزلت من فوق بطريقة غير شرعية.
وليس ” الانكماش ” ردة فعل انفعالية من قبل ” الشعبة “، ولا ينبغي تأويله على أنه رفض من الشعبة لتطبيق ما يسمى بالعدد والزنامات، ولكنه موقف حضاري ينم عن شعور الشعب بالمسؤولية التي ألقاها المشرع على عاتقها، وبالتالي فلا يمكن للشعب ولا ينبغي لها ذلك، أن تتحمل مسؤولية ” خطة “، أو ” تصور” لم تكن طرفا في بلورته، لأنها تؤمن أنه يستحيل بالنسبة إلى أي إجراء يتعلق بالتكوين الأساسي والتكوين المستمر أن ينجح ويحقق النتائج الوطنية المرجوة، ما لم تكن الشعب داخل المراكز طرفا فاعلا في صياغته وجوبا داخل مختبراتها، ومن خلال واجهة البحث العلمي التربوي في شقيه النظري والتطبيقي بالمراكز.
إن تشبت الشعب داخل المراكز بحقها في الإسهام في بلورة الإصلاح التربوي والبيداغوجي المطلوب، يبقى تشبثا مشروعا لأن الفقرات 5 و6 و7 من المادة 3 من مرسوم الإحداث تنص على أن المركز يتولى ” القيام بأنشطة البحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي في المجالات التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية وحكامة المؤسسات، وإنجاز الدراسات والأبحاث في المجالات التي تدخل ضمن اختصاصات المركز أو التي يتطلبها التكوين؛ وإنتاج الوثائق التربوية، وكذا القيام بتبادل المعلومات والوثائق ذات الصلة باختصاصات المركز مع الجهات المعنية؛ ثم اقتراح مشاريع إصلاح وتجديد مناهج وبرامج التكوين”.
وعلاوة على ذلك، تنص المادة 17 في السياق ذاته، على أن المركز يتوفر على مجلس خولته المادة 18 سلطة التقرير عبر قيامه بمهام حددت بدقة في المادة 33 من القانون رقم 00.01 المنظم للتعليم العالي، وهي تحديدا، النظر في جميع المسائل المتعلقة بمهام المركز وحسن سيره، مع إمكانية تقديمه اقتراحات في هذا الشأن إلى مجلس التنسيق؛ واقتراح مشاريع إحداث مسالك للبحث والتكوين؛ ثم إعداد نظام الامتحانات ومراقبة المعلومات الخاصة بالتكوينات المدرسة، ويمارس السلطة التأديبية للأساتذة المتدربين، وكذلك إعداد نظامه الداخلي وعرضه قصد المصادقة على وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بعد استطلاع مجلس التنسيق، إضافة إلى قيامه بتوزيع وسائل العمل على مختلف الهياكل المتواجدة بالمركز، ثم الإسهام باقتراحاته في ميزانية المركز، دون أن ننسى إمكانية المجلس في إحداث لجان دائمة وأخرى خاصة لدراسة قضايا تهم التكوين داخل المركز.
وإلى جانب ذلك، تنص المادة 34 من مرسوم إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، على أن هذه الأخيرة تتولى تطوير البحث العلمي التربوي والارتقاء به من خلال إرساء وتفعيل عمل فرق البحث؛ وملاءمة البحث العلمي التربوي مع أولويات قطاع التعليم المدرسي؛ ونشر نتائج البحوث والتعريف بها واستثمارها في الرفع من جودة تكوين الأساتذة وتأهيلهم؛ ثم التنسيق مع المختبرات الجهوية للبحث التربوي والجامعات، وكذا مع المتدخلين في هذا المجال وطنيا ودوليا؛ وأخيرا تنظيم ندوات وملتقيات علمية في مجال البحث العلمي التربوي.
إن كل هذه الإجراءات التي كفلها المشرع التربوي لمجالس المراكز ضمن الشبكة الوطنية لمؤسسات تكوين الأطر التربوية موضوع المادة 3 من مرسوم الإحداث، لا تقوم بها لا الشعب داخل المراكز، ولا مجالس هذه الأخيرة، و إنما يسهر على بلورتها و إرسالها في شكل ” عدد “، و” رزنامات” إلى المراكز قصد تنفيذها، جهازين إداريين بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني هما ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر “، و” الوحدة المركزية للبحث التربوي “، الأمر الذي يحتم علينا ضمن المفهوم الملكي للمواطنة الملتزمة، أن نسلط الضوء على شرعيتيهما، ومشروعية القرارات التي يتخذاها تنفيذا لسياسة الحكومة في مجال التكوين الأساس والمستمر لموظفي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي التربوي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. وهي المهمة التي سنعالجها عبر أربعة نقاط: أولا في موضوع الشرعية، ثانيا في موضوع المشروعية، ثالثا في خطورة ضرب الشرعية والمشروعية على الأمن التربوي والبيداغوجي الوطني، رابعا بشأن التصور الإجرائي ما قبل الشروع في الإصلاح الحقيقي للتربية والتكوين.
– أولا: في موضوع الشرعية: وفيه سنتطرق إلى شرعية ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر” (1)، ثم شرعية ” الوحدة المركزية للبحث التربوي ” (2).

– 1: شرعية ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر”
علينا التأكيد بداية على أهمية وواجب الثقة في قضائنا الدستوري والإداري الحديث للحكم بشرعية هذا المنتخب أو هذا المسؤول الإداري أو هذا الجهاز الإداري على أنه فعلي أو مغتصب. وتحقيقا لذلك، فإنه بإطلالة سريعة على الاجتهادات القضائية في مجال التربية والتكوين، نجد نموذجا من الأحكام الصادرة في مجال ” قضاء الإلغاء “(4)، تسلط فيه المحكمة الإدارية بالرباط، الضوء على مسألة الشرعية بشكل واضح، وذلك من خلال الحكم رقم 1273 بتاريخ 30/11/2004 – ملف رقم 299/03 غ الذي يتعلق بموظف معين ضد وزير التربية الوطنية.
من حيث الوقائع، كان الموظف المعني يشغل منصب مدير مدرسة ابتدائية بالرباط منذ 01/09/2001، فتم إعفاؤه بطريقة فيها الكثير من الشطط في استعمال السلطة، فاضطر الموظف/المدير إلى الاحتماء بالقضاء من أجل إلغاء قرار الإعفاء مؤسسا طعنه على أربع وسائل: عيب عدم الاختصاص، ومخالفة القانون، والمس بحقوق الدفاع، ثم عيب السبب. وارتباطا بقضية الشرعية، سنركز على الوسيلة المستمدة من عيب عدم الاختصاص، حيث جاء في الحكم أن الطاعن (مدير المدرسة ) يعيب على القرار المطعون فيه اتسامه بعيب عدم الاختصاص، موضحا أن قرار الإعفاء صدر بتاريخ 22/04/2003 عن مديرية العمل التربوي، وأنه بالرجوع إلى المرسوم المتعلق بتنظيم واختصاصات وزارة التربية الوطنية، يتبين أنه لا يتضمن مديرية العمل التربوي ضمن هياكل الوزارة المذكورة، وبالتالي يكون القرار صادرا عن جهة لم تعد قائمة، ولهذا السبب ألغت المحكمة الإدارية بالرباط القرار المطعون فيه، مما يعني أن المحكمة نظرت إلى مديرية العمل التربوي صاحبة القرار، على أنها جهاز إداري غير شرعي، على أساس أنه غير موجود ضمن هيكلة المرسوم المنظم والمحدد لاختصاصات وزارة التربية الوطنية.
وقياسا عليه، إذا عدنا إلى المرسوم ذاته(5)، وبالنظر إلى المعطيات المسجلة بخصوص هيكلة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني(6)، والتي تتضمن إضافة إلى الوزير والمفتشية العامة للتربية والتكوين والكتابة العامة، تسع مديريات، والمركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب في حكم مديرية، ثم قسم الاتصال، نستطيع القول إن ” الوحدتين المركزيتين لتكوين الأطر والبحث التربوي “، غير موجودتان من الناحية القانونية، ولكنهما موجودتان في الواقع! ومن ثم، فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو كيف يمكننا تفسير هذه الظاهرة التي تتعارض من حيث الجوهر مع مفهوم الشرعية في بعدها الإداري؟
من المبادئ العامة في القانون الإداري، أن الإدارة لا تتصرف إلا بناء على أسباب منطقية ومبررة قانونيا، وبالتالي، فبقراءة متأنية في سياق إحداث ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر ” كجهاز إداري تابع لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، لا نجد أي تبرير منطقي لإحداث هذا الجهاز الذي عمَّر حتى الآن، حوالي أربع عشرة سنة، وبالمقابل، يمكننا التأكيد أن النتائج التي عرفها إصلاح نظام التربية والتكوين خلال العشرية الأولى من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لم تكن بالنسبة إلى الملك محمد السادس، نتائج تعكس طموح الأمة المغربية، الأمر الذي جعل جلالته يأمر السلطة التنفيذية باعتماد مخطط استعجالي لتسريع وثيرة الإنجاز في مجال التربية والتكوين(7)، وهو ما جعل الحكومة تعتمد مسطرة الاستعجال، أي اتخاذ التدابير الاستعجالية اللازمة لتنفيذ توجيهات رئيس الدولة في مجال التربية والتكوين. ولكن ماذا حصل؟
إن ما حصل في الواقع، هو إحداث ” أجرة ” عن الخدمات المقدمة من قبل وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي (قسم استراتيجيات التكوين) برسم الأعمال التي تقوم بها لفائدة الأغيار(8)، علما أن وزارة التربية الوطنية آنذاك، كانت تتوفر على قسم استراتيجيات التكوين تابع لمديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر(9). ومن ثم، إذا كانت بعض شواهد الحضور التي تسلمها ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر ” في إطار التكوينات التي تنظمها هذه الأخيرة، ممهورة بطابع كتب بداخله ” قسم استراتيجيات التكوين “. فالسؤال تبعا لذلك، هو أية علاقة بين ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر”، و” قسم استراتيجيات التكوين ” من جهة، وبينهما والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من جهة ثانية؟ ثم أيهما ساري المفعول، هل ” قسم استراتيجيات التكون ” موضوع المادة 27 من المرسوم الصادر بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة التربية الوطنية (2002)، أم ” قسم استراتيجيات التكوين ” موضوع المادة الأولى من مرسوم 27 ديسمبر 2007 المشار إليه سابقا؟ ثم إذا كان ” قسم استراتيجيات التكوين ” التابع لمديرة الموارد البشرية وتكوين الأطر، هو من يقدم الخدمات برسم الأعمال التي يقوم بها لفائدة الأغيار مقابل ” أجرة “، فهل تدخل ” العدد”، و” الزنامات ” التي تبلورها ” الوحدة المركزية لتكوين الأطر ” ضمن الأعمال التي يقدمها القسم المعني؟
– 2: طبيعة شرعية ” الوحدة المركزية للبحث التربوي ”
بقراءة في سياق إحداث ” الوحدة المركزية للبحث التربوي”، نجد أنها انبثقت من ثنايا المخطط الاستعجالي، وأحدثت بواسطة مذكرة وزارية جاء فيها ما يفيد: أنه بناء على الميثاق الوطني للتربية والتكوين لا سميا دعامته الخامس عشرة التي تؤكد على أهمية البحث العلمي في المجال التربوي، وطبقا للمادة الثانية من القانون 00.07 الخاص بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ووفقا كذلك للمشروع E1P8 من المخطط الاستعجالي، وعملا بنتائج الأيام الدراسية المنعقدة بآسفي يوم 27 نوفمبر 2008 ثم بالرباط يوم 14 أبريل 2009 عملت الوزارة على إعداد استراتيجية وطنية للنهوض بالبحث التربوي…وذلك عبر إحداث وحدة مركزية للبحث التربوي، يعهد إليها بمهمة تدبير البحث على المستوى الوطني …إلخ(10). وبالتالي، فالسؤال الذي علينا طرحه تبعا لذلك، هو كيف يمكننا تقييم مكانة ” المذكرة الوزارية ” ضمن تراتبية القوانين كما هي على المستوى الدولي؟ وكيف يعقل إحداث جهاز إداري بواسطة مذكرة وزارية لا يعرف بمحتواها إلا الذين توصلوا بها في الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مهمتها إعداد والسهر على اس

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت