تعرب المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن ترحيبها البالغ بانضمام دولة فلسطين إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعيد تشكيل البيئة القانونية وإتاحة أدوات جديدة للتصدي لجرائم العدوان والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 5 يونيو/حزيران 1967، ويمنح الشعب الفلسطيني أدوات إضافية في معركته المشروعة لحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كامل أراضيه المحتلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
تأتي هذه الخطوة المهمة بعد فشل مجلس الأمن في النهوض بمسئولياته في ضمان السلم والأمن الدولي عقب فشله في تبني مشروع القرار الفلسطيني-العربي الذي تقدمت به المملكة الأردنية والذي يقضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بنهاية العام 2017، وهو الفشل الذي يرتبط بمواقف الولايات المتحدة وضغوطها على الدول الأعضاء التي أفشلت تمرير القرار.
وترى المنظمة إن الأهمية التي تشكلها هذه الخطوة لا تقتصر على قدرتها على ردع المحتل الإسرائيلي والذي سيكون لأول مرة عرضة للمساءلة والمحاسبة على الجرائم التي يصر على مواصلتها، ولكنها تتكامل مع بعدين رئيسيين:
الأول: فتوى محكمة العدل الدولية في العام 2004 بشأن جدار العزل العنصري الذي تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي إنشائه على أراضي الضفة الغربية المحتلة وعزل مدينة القدس العربية المحتلة عن الضفة، وهي الفتوى التي أكدت على بطلان إجراءات الاحتلال كالاستيطان وعمليات التهويد ومختلف أشكال التغييرات الديموغرافية القسرية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهي الفتوى التي فشلت القوى العربية في استثمارها لصالح الشعب الفلسطيني، وهي بما احتوته من حيثيات وأسانيد توفر الأسس القانونية الكفيلة بملاحقة مرتكبي الجرائم الإسرائيلية، سواء تلك الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان، أو تلك التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفقاً لما هو منصوص عليه في نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.
الثاني: الملاحقات الواسعة والعديدة التي بادرت إليها المنظمات الحقوقية الفلسطينية بجهود منفردة خلال السنوات العشر الماضية عبر نافذة الاختصاص القضائي الجنائي الدولي Universal Jurisdiction والتي خاطبت وتخاطب بضع عشرات من الجرائم الكبرى التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمام قضاء العديد من الدول، والتي صدر بموجبها العشرات من مذ1كرات التوقيف بحق العشرات من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، وجميعها تشكل قضايا تتوافر فيها أدلة الإثبات وعناصر الإدانة حالما تكون موضع نظر، لا سيما وأن دولة فلسطين التزمت بقبول نظر المحكمة الجنائية الدولية للجرائم بـ”أثر رجعي” على نحو يشمل الجرائم المرتكبة سابقاً.
غير أن المنظمة تحذر من أن يتم التعامل مع هذه الخطوة فلسطينياً وعربياً باعتبارها دعوة للاسترخاء، بل على العكس، هي دعوة لتنشيط الهمم والعمل المتواصل من أجل استثمار هذه الخطوة المهمة.
وبالإضافة إلى ذلك وفي السياق ذاته، تناشد المنظمة العربية لحقوق الإنسان الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” تطوير جهوده بالدعوة إلى إحالة تقرير لجنة التحقيق الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في العام 2009 (المعروفة إعلامياً باسم لجنة جولدستون) إلى مجلس الأمن لوضعه أمام مسئولياته والنظر في آليات المحاسبة على تلك الجرائم.
وترى المنظمة أن فشل مجلس الأمن عن النهوض بمسئولياته في تبني مشروع القرار الفلسطيني – العربي هو خطب جلل، ولا يمكن التعاطي معه بمنطق الاعتياد، وإنما لا مناص من التحرك الدولي الجاد عبر الأمم المؤيدة للحقوق الفلسطينية للعمل على إعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945 بهدف إجراء مراجعة شاملة لدور مجلس الأمن وصلاحياته ضمن مسار لإصلاح الاختلالات المفسدة لأهداف نظام الأمم المتحدة وةدورها في صيانة السلم والأمن بعد الحرب العالمية الثانية، وهي جهود حال البدء فيها ستعود حتماً للنظر في توصيات لجان الحكماء التي سبق وأن شكلتها الأمم المتحدة خلال السنوات الست الأولى من القرن الواحد والعشرين للتوصية بالإصلاحات الضرورية على نظامها وعلى نحو يعالج الاختلالات.
وترى المنظمة أنه آن الأوان لعمل جماعي عربي جاد وفاعل لدعم أكثر أثراً للشعب الفلسطيني في معركته من أجل حريته واستقلاله، ويأتي على رأس الأولويات درء الإجراءات العقابية – وخاصة قطع المساعدات المالية والاقتصادية – التي هددت الإدارة الأمريكية وحلفاء الاحتلال الإسرائيلي باتخاذها ضد القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني حال ممارسة الحق في اللجوء للمجتمع الدولي لتفعيل القانون الدولي وإنهاء جريمة الاحتلال المتواصلة، والخروج من شرنقة الدائرة المفرغة للمفاوضات بلا نهاية.
* *