مآل زعيم حزبي مستبد

مآل زعيم حزبي مستبد

- ‎فيرأي
241
0

محمد بوبكري

يحكى أن أخوين أحدهما تاجر كبير مرموق، والآخر ضرير فقير. وكان الأخ الثري قد اعتاد الجلوس بباب دكانه يتحدث مع أصدقائه التجار ويتسامر معهم، فيما كان أخوه الفقير الأعمى يمر أمامهم كل يوم يتحسس الأرض بعصاه، مرتدياً أسمالا تعكس حالته المزرية. وعندما تقع أعين الناس عليه يصيبُ الخجل أخاه الغني، فقرر ذات يوم أن يتخلص منه، فاستدعى خدمه وأمرهم بحفر حفرة ليلا قرب باب المتجر ليقع فيها أخوه الضرير وهو في طريقه لصلاة الفجر، ودفنه فيها. حفر الخدمُ الحفرة، وعند الفجر، خرج الرجل الغني من منزله لأداء الصلاة، ومر أمام متجره، فنسي أمر الحفرة، وإذا به يسقط فيها. فلم يتبيَّنه خدمُه، بسبب الظلام، وظنوا أنه الأخ الضرير، فسارعوا بدفنه في الحفرة. في الصباح، وقفوا بباب المتجر ينتظرون قدومه، لكنه لم يأت، فإذا بالأعمى يُقبلُ وهو يتحسس الأرض بعصاه كالعادة، فتبادلوا نظرات مشدوهة، وقال أحدهم: “حفر حفرة لأخيه فوقع فيها”، فسارت هذه العبارة على الألسن مثلا لانقلاب الغدر والخيانة على صاحبهما.
في المغرب اليوم، هناكَ “زعيم حزبي” لا همُّ له سوى التآمر على خصومه وأصدقائه معا. كلما رآهم مجتمعين ظن أنهم اتحدوا ضده، ولا يهدأ له بال ما لم يجد حيلة لبث الفرقة في صفوفهم والكراهية بينهم. وقد ظل يواظبُ على ذلك إلى أن انكشف أمره، وذاع خبره، فانقلبوا ضده. ولكونه يعي أنه سَرق الزعامة منهم، فقد أصبح يعتقد أن الناس كلهم مثله، وأنهم قد يفعلون به ما فعله بهم، فصار لا يثق في أحد، بما في ذلك حاشيته ومن يشتغلون معه، وأصبح يعيش عزلة قاسية، لا يقرأ في أقوال الناس وأفعالهم وقسمات وجوههم سوى رغبة في الانتقام منه لأنه يعي أنه جيء به للزعامة لتخريب الحزب مقابل الاستفادة من الريع وغسل جرائمه القانونية والأخلاقية المتجسدة في توظيف موقعه السياسي في مختلف القطاعات والمؤسسات، بغير وجه حق، لخدمة مصالحه الخاصة، ما جعله يراكم الملايير بين عشية وضحاها، فانحرف عن اختيارات الحزب. ولينجح في مخططه الهدَّام، خلق داخل الحزب مناوئين للثقافة والفكر والفن، وحارب المستنيرين، فبقي في فراغه إلى أن أصبح موضوع سخرية من قِبَل الحزب والمجتمع في آن، بل صار عاجزا حتى عن زيارة دائرته الانتخابية لعدم وفائه بوعوده اللاقانونية إبان حملته الانتخابية، ويخشى الذهاب إلى مجلس المدينة الذي يحتل فيه نيابة العمدة لأن الكل عرف تحايلاته وخروقاته القانونية داخل المجلس للاستفادة المادية الغزيرة اللامشروعة والمفضوحة، إذ نصب فخاخا للاستيلاء على أشياء كثيرة، لكن القناع سقط عن وجهه، فأعرض الناس عن رؤيته ومصافحته، ما جعله يخشى فقدان زعامته للحزب وحرمانه من ممارسة تسلطه وساديته على أعضائه، لأنه يفزع من مجرد تخيُّل حاله بعد مغادرته لزعامة الحزب، إذ يُلحق به ذلك ألما كبيرا.
تشخص مسرحية “الحصان”عن “كاليغولا”، بقلم “يوليوس هاي”، هذا النوع الخاص من العزلة الذي يعانيه “زعيمنا”، إذ تكشف أن المرء لا يمكن أن يكون في عزلة أبدا، وأن الزعيم المستبد أينما حلَّ وارتحل يلاحقه ثقل المستقبل والماضي في آن، ويلازمه الأشخاص الذين قتلهم… إنه يعاني من هذه الوحدة التي يسممها وجود الآخرين، ويتمنى لو يستطيع، على الأقل، أن يتذوق طعم الوحدة الحقيقية التي يشعر فيها المرء براحة ومتعة ولذة…
وبما أن الزعيم المستبد لا يقيم علاقات إنسانية مع محيطه، فقد أصبح “بطلنا” يعيش عزلة تامة، لا يثق في أحد، ولا يرتبط بعلاقات سليمة مع أحد. ولأنه لا يحب حزبه ولا الناس، فهو يسعى لأن يرسم لنفسه صورة إعلامية يتظاهرُ فيها بالتفاني في خدمة الناس، لكن بلا جدوى، إذ اكتشف الجميع أنه لا يلعب دور المعارضة الفعلية، إن كانت “المعارضة” و”الأغلبية” موجودتين أصلا…
وللتدليل على أن الزعيم عدو نفسه وحزبه، فقد تأكد أنه يمتلك عقلية قروسطوية لا تمت للحداثة والديمقراطية بأي صلة. فهو ينظر إلى حزبه نظرة الزوج الذي يغار غيرة سخيفة على زوجته، حيثُ ينشغلُ بما ستفعله حتى بعد وفاته، لذلك يتمنى لو كان خالدا أو لو تموت زوجته قبله.
ثمة نكتة إسبانية تنطبق على نفسية زعيمنا، تقول: لما كان”فرانكو”على فراش الموت، سمع جلبة فسأل: ما الأمر؟ فقالوا له إنه الشعب الإسباني يودعك، فقال: وإلى أين ينوي الشعب الأسباني أن يذهب؟!
يعي الزعيم أن الخلود مستحيل، فخطر بباله أن يفعل بالحزب ما فعله الذي أشاعَ بين الناس أنه مريض بـــ “السيدا” لكي لا يتزوج أحد من زوجته بعد موته. ولو استطاعَ الزعيمُ لقتل الحزب لكي لا يتركه لأحد من بعده، كما فعل ديك الجن الحمصي بجاريته التي قتلها حتى لا يمسها أحد بعد وفاته.
يعيش الزعيم دواما كابوس تخلي حاشيته عنه باقتراب موعد نهاية زعامته للحزب، لذلك كلما فهم من ردود فعل حاشيته أنها قد تنصرف عنه أغراها بتلبية طلباتها ورغباتها وزعمُ أنّه قادر على ذلك لأنَّه محمي دواما من جهات نافذة… لذلك نجده مستعدا لقتل العالم من أجل البقاء على رأس الحزب، حيث يضع نفسه فوقه لأنه يتوهم أنه مالكه وأنه لم يُؤسَّس إلا لخدمته، عوض أن يكون هو في خدمته وفي خدمة الوطن…

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت