سنة 1967 دخل موشي ديان الى الضفة الغربية واصفاً انجازه بالنصر الإلهي.
ومنذ ذلك التاريخ تتعرض مدينة القدس ومحيطها لبرنامح مدروس، من التقسيم والاستيطان والتهجير ، الى القتل بدم بارد شنقاً أو حرقاً، بهدف افراغ الارض من اهلها.
لقد طُوِّقت المدينة المقدسة بالعوازل، وأقيمت “الغيتوات” العنصرية التي جرى وصلها في ما بينها من خلال مصادرة أراضي المقدسيين، وجرت الاتفاقات بين المستوطنين و”الحكومة” لاقامة مستوطنات جديدة، لا تبعد أكثر من مئات الأمتار من منزل الرئيس محمود عباس.
الهدف واضح وجلي، يتمثل بتحويل الوقائع المادية على الارض الى وقائع قانونية، تفرض في ما بعد على المجتمع الدولي في ظل العجز العربي والاسلامي المهين، بحيث لن يطول الزمن الا وقد استفاق المسلمون والعرب، على كابوس تاريخي، يكمل ما بدأه المشروع الصهيوني منذ نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مروراً بانشاء الكيان الغاصب سنة 1948. أما العرب والمسلمون مشغولون بمعارك جانبية، تستنزف طاقاتهم وثرواتهم وتدمر معالم البنيان والاجتماع الذي تأسس على مدى عقود من الزمن.
يروي الصحافي محمد حسنين هيكل، أن وزير الخارجية الاميركية الأسبق (اليهودي) هنري كيسنجر كان حين يلتقيه يقول له:” حدثني عن المستقبل لا عن الماضي، دعني من القومية العربية وهذه الشعارات الماضوية”، ويضيف كيسنجر قائلاً: لماذا تتمسكون بمدينة القدس؟ نحن في اميركا نهدم مدناً أكبر من مدينة القدس ونبني أكبر منها، وإذا تخليتم عن القدس فنحن مستعدون لأن نبني لكم مدينة أكبر منها في منطقة ” أبو ديس” المجاورة لمدينة القدس.
يتبادر الى الذهن سؤال مركزي يقول: هل أن الادارة الأميركية بدعمها للكيان الصهيوني تتصرف طائعة أو مختارة؟
تكمن الاجابة على هذا السؤال في الكتاب المتميز الذي اصدره كل من د.ستيفن والت – عميد كلية كنيدي في جامعة هارفرد، – ود. جون ميرشايمر، – برفوسور العلوم السياسية في جامعة شيكاغو – بعنوان “اللوبي الاسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية” : هذا الكتاب يتحدث بمرارة عن سيطرة اللوبي الاسرئيلي على مفاصل القرار الخارجي الأميركي بحيث يعتبر الكاتبان فيه ” ان اسرائيل أصبحت عبئاً على أميركا يجب التخلص منه”… دون التخلي طبعاً عن دولة اسرائيل، بوجودها وتفوقها وديمومتها”.
لقد روَّج الكاتبان لكتابهما على الغلاف بجملة تقول: “بعد المقالة التي
هزت العالم بجرأتها”
يروي الكاتبان ص -11- ان الرد على المقالة جاء حابساً
للأنفاس، فبحلول تموز يوليو 2006 سجل موقع كلية كيندي 275 ألف قراءة أو تصفُّح للمقالة وتلقينا طلباتٍ بترجمة المقالة أو إعادة طبعها، وولَّدت المقالة كما هو
متوقع، زوبعة نارية من الانتقادات من مجموعات نادرة وأفراد في “اللوبي”، ونددت بنا “الرابطة المناهضة للتجريح” كما ندد بنا كتَّاب مقالات الرأي في عدد من الجرائد، بوصفنا مُعادين للسامية.
يقول الكاتبان ص (26): ” يصعب الحديث عن تأثير “اللوبي” في سياسة أميركا الخارجية،من دون اتهامك بمعاداة السامية، أو بأنك يهودي يكره نفسه”.
ويضيف الكاتبان ص (95)…قائلين:
” ويعطي الردُّ على كتاب الرئيس الاسبق جيمي كارتر “السلام لا الفصل العنصري” مثالاً كاملاً على هذه الظاهرة، ففي حين يدافع كارتر “عن حق اسرائيل في الوجود في وسط آمن وسلمي، وبرغم ذلك، وبسبب انه أوحى ان سياسات اسرائيل في الأراضي المحتلة تشبه نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا” فقد شنَّ عدد من هذه المجموعات حملة تشنيع قبيحة ضده، واصفين إياه بانه معاد للسامية و”كاره لليهود”، بل ان بعض النقاد اتهموه أيضاً بانه متعاطف مع النازيين”.
يروي الدكتور محمد ابراهيم كامل وزير خارجية مصر الأسبق أيام مفاوضات
“كامب ديفيد” التي أدارها أنور السادات ” بعظمة بالغة” كما يقول الكاتب ساخراً، انه خلال تفاوضه مع وزير خارجية “اسرائيل” في القدس آنذاك دخل عليهم “مناحيم بيغن” وخاطب وزير خارجيته قائلاً: ” لماذا تضيعون وقتكم مع هؤلاء” ثم التفت الى محمد ابراهيم كامل قائلاً له :” هل انتم مجانين لتطالبوا بالضفة الغربية أرض أبائنا وأجدادنا؟… هل طلبنا اليكم يوماً أن تنسحبوا من القاهرة، وهل نحن مجانين حتى نقبل بمناقشة هذا الطلب”.
ان تخلي العرب والمسلمين عن فلسطين والقدس، وضع المقدسيين أمام مصيرهم، فإمتشقوا اجسادهم غير هيابين بالموت، معلنين انه بين الشهادة والموت البطيء قهراً أو في المنافي، فالشهادة أشرف وأنبل وأفعل.
لم تكن عملية غسان وعدي ابو الجمل الأخيرة في القدس فعل يأس، أو إيذاناً بنهاية مرحلة، فالمقدسيون الذين استشعروا الخطر باكراً، قدموا من التضحيات طوال عقود من الزمن ما يصح ان يكون نموذجاً للمقاومة بكل اشكالها، متوسلين معادلة بسيطة
تقول:” منا الصمود ومنكم الدعم”.
اما ” الأقصى” الذي اسرى الله بعبده اليه/ والذي بارك حوله وفيه وحوله يقاتل المقدسيون/ فهو طي النسيان من الآف “المجاهدين” الأجانب، الذين اضاعوا البوصلة غفلة أو الذين استُقدموا لتحرير بيت المقدس، فإذا بهم في شوارع درعا وحمص والرقة وحلب وعرسال وطرابلس وصيدا وسائر انحاء العراق… هذا الأقصى له رب يحميه.
تحدث الاسرائيليون في بدايات مشروعهم بكل وضوح وثقة على لسان سياسيين وبحاثة، ونخب فكرية وقادة ألوية عسكرية، وخبراء في الأمن الاستراتيجي.
تحدثوا في العلن وجاهروا بالفكرة، وحاربوا من أجلها.
فشلوا حيناً وانتصروا أحياناً، وجاءت حرب تموز فتحدثوا بكل وضوح وعدم ثقة.
تحدثوا عن أزمة وجودية أحدثتها هذه الحرب أو اية حرب أخرى قد تنشأ، وهم محقون بذلك.
ونتساءل اليوم عن ماذا يتحدثون تعليقاً على ما يجري في بلادنا من احتراب ومحاولة الغاء وتهديم لكل مقومات العيش الواحد.
بيروت في:2-12-2014
هاني سليمان
رئيس لجنة المبادرة
لكسر الحصار عن غزة