حرية تداول المعلومات والتحول الديمقراطي

حرية تداول المعلومات والتحول الديمقراطي

- ‎فيرأي
387
0

image

محمد بوبكري

يقتضي البناء الديمقراطي حرية تداول المعلومات، إذ هي أساس حرية الرأي والتعبير. وتتبع الاعتراف بها حريات كثيرة تتصدرها حرية التجمع وغيرها من أشكال التعبير الجماعي عن الرأي وحرية التنظيم السياسي والنقابي والمهني والثقافي…
وبما أن تداول المعلومات والتعبير عن الرأي يتمَّان عبر وسائل الإعلام، فحرية الإعلام وتعدده وتنوعه تعتبر شروطا ضرورية لحرية تداول المعلومات وحرية التعبير عن الرأي… وبدون ذلك، لا يمكن تحقيق أي من الحقوق الأخرى وإحداث التحول الديمقراطي، إذ عندما يغيب الحق في الحصول على المعلومات يكون المواطن غير قادر على التفكير، ما يحرمه من المشاركة في الحياة العامة وتنمية بلاده… لذلك فإن هذه الحرية تضمن الحق في المعرفة وتداولها، كما أنها هي الدافع والعنصر الأساس لإنتاج الأفكار والمشاريع والبرامج، ما يمكِّن المواطن من القدرة على المشاركة في الحياة العامة…أضف إلى ذلك أنها تساعد على التنافس بين المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية…
أغلب الصحف المكتوبة في بلادنا تخضع للسلطة التي تتحكم في وسائل الإعلام السمعية والبصرية، وتراقب استخدام شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). ونظرا لأن حرية المعلومات والإعلام تشكل أحد الشروط الأساسية للبناء الديمقراطي، فإن تحرير وسائل الإعلام من سيطرة السلطة يعد مطلبا ديمقراطيا أساسيا، إذ بدون ذلك سيفشل التحول الديمقراطي في المغرب. لذلك تعد حرية تداول المعلومات حقاً من حقوق الإنسان، كما أنها جزء لا يتجزأ من الحق السياسي في التعبير الذي يدخل ضمنه الحق في البحث عن المعلومات وتلقيها ونقلها وتحليلها بهدف إنتاج معرفة حول أوضاعنا والتقدم بمقترحات لتجاوزها بغية الانخراط في تنمية مستدامة…
لكن ما المقصود بحرية المعلومات؟ يقصد بحرية المعلومات حق الأفراد والجماعات في الوصول إلى المعلومات التي تتوفر عليها مختلف مؤسسات الدولة، إلا إذا اقتضى القانون بقاء بعضها سرية. وتشمل هذه النوعية من المعلومات التي ينبغي أن تبقى سرية مجالات الأمن القومي، والمعلومات التي تهم الحياة الخاصة للأفراد… وينبغي أن يتم ذلك بموجب قانون واضح ومقبول كونيا.
وإذا كانت السلطة تمثل الإرادة العامة، فينبغي أن تعي أنها تحفظ المعلومات نيابة عن الشعب، إذ إن هذه المعلومات لا تخصها وحدها، وإنما هي ملك للشعب بأكمله. لذا يتعين عليها نشر هذه المعلومات حتى في حال عدم طلبها، خاصة تلك التي تتصل بالسياسات العمومية، وأهدافها ومشروعاتها وبرامجها وإنجازاتها والمشاكل التي تعترضها. أضف إلى ذلك أنه يلزم أن يكون من حق العموم حضور الاجتماعات التي يتم التداول فيها في قضايا الشأن العام… كما ينبغي أن تخضع السلطة لالتزام يضمن حصول جميع المواطنين على المعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان…
وتكمن ضرورة المعلومات في كونها “أوكسيجين الديمقراطية”، إذ بدونها لا يمكن للأفراد المشاركة الفعالة في صنع القرارات والسياسات والتشريعات والانتخابات…، كما أنها تمكنهم من اكتشاف الاختلالات والفساد ومساءلة المسؤولين ومحاسبتهم والتقدم باقتراحات ومشاريع وبرامج للخروج من الأزمات…
تبعا لذلك، من الضروري وجود قانون ديمقراطي يحمي حرية المعلومات والحصول عليها، حيث لا يوجد تقدم اجتماعي بدون تغيير في التشريعات… ويقتضي ذلك اعتبار الحصول على المعلومة حقا تكفله الدولة لمن يطلبها، إلا تلك التي تقتضي المصلحة الوطنية عدم تداولها والتي تدخل في نطاق استثناءات محدودة. وينبغي أيضاً إنشاء مؤسسات مختصة لوضع المعلومات رهن إشارة كل من يطلبها من المواطنين. كما يتعين تخزينها بشكل منظم يسهل استخراجها بسرعة، ما يفرض حفظها رقميا. وعلى الدولة أن تنشر ثقافة حرية تداول المعلومات بين مختلف موظفي الإدارات، وتحسِّسهم بأهمية حق الاطلاع عليها، وتمكن المواطنين من ممارسة هذا الحق وتدريبهم على أساليب استخراجها والحصول عليها. لذلك يجب التشديد على أهمية احترام الشفافية والوضوح الشديد، لأن الغموض لا يخدم الوطن، ولا المواطن، ولا الديمقراطية، ولا التنمية… كما يلزم فرض عقوبات على أية جهة تحجب المعلومات، أو تمتنع عن تقديمها لمن يطلبها، أو تقدم له معلومات خاطئة، إذ يعد ذلك نوعا من التمييز، بل يجب أن يُعتبر خرقا للقانون، وخاصة فيما يتعلق بسياسات الدولة في مختلف مجالات الحياة العامة.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت