عمدة مراكش كتعلم الحجامة فريوس اليتامى

عمدة مراكش كتعلم الحجامة فريوس اليتامى

- ‎فيرأي
753
0

المنصوري

 

     ابراهيم الفتاحي

يروى أن رجلا من أهل مراكش كان في طريقه إلى مسفيوة نواحي مراكش ليشتغل في البناء، فلقيه شيخ في الطريق، وبعد أن بادله التحية والسلام سأله عن وجهته فأخبره أنه في طريقه إلى مسفيوة ليشتغل في البناء، فسأله الشيخ وهل أنت “معلم”، أجابه الرجل بلا تردد: “لا أنا ماشي معلم أنا غير متعلم”.

فنصحه الشيخ قائلا: إذا قدمت على أهل مسفيوة فلا تخبرهم بأنك “متعلم” فحسب، بل قل إنك “معلم” وتقاضى أجرة “المعلمين”، استغرب الرجل لنصيحة الشيخ متسائلا: ” لكن كيف لي ان أثبت “تامعلميت” لأتقاضى أجرها، ابتسم الشيخ وقال: “اهل مسفيوة كلهم معلمين يكفي فقط أن تهم بفعل شيء حتى يبدأوا عليك بالإرشادات وسيعلمونك دون أن يشعروا بذلك، هكذا ستتعلم أنت وفي الوقت نفسه تكون قد تقاضيت أجرة المعلمين منذ البداية “.

إن هذه الحكاية تنطبق على السيدة فاطمة الزهراء المنصوري، التي بدأت العمل السياسي عمدة لواحدة من أكبر حواضر المغرب وأشهر مدن العالم، لم تعش صراعات في حزب ولم تجهد للحصول على مقعد في مكتب محلي، لم تتعرض للدسائس في شبيبة حزبية، ولم تكن بحاجة للتمرس والاحتكاك الحزبي، وبعده لم تحاول أن تكسب مقعدا في مقاطعة تخفق وتنجح، إنما اكتفت بثقل اسمها العائلي وانتمائها الارستقراطي لتكون ضمن لائحة النساء، وهكذا اقترح عليها دهاقنة السياسة عمودية المدينة ومهدوا لها الطريق بعصا ورثوها من آل موسى، وقالوا لها كوني عمدة وستجدين من حولك العشرات من “المعلمين” ليرشدوك فقط تظاهري “بتامعلميت ولاعليك”، هذا ما كان بالفعل فما إن طفقت السيدة العمدة بعد انتخابها حتى وجدت من حولها جيشا عرمرما من سدنة الهيكل يملون عليها شقشقات التدبير ونمنمات التسيير، بل إن المجلس صار موزاييكا غريبا لا تميز فيه بين أغلبية ومعارضة، الجميع يتغنى “بللا فاطم الزهراء جالسة فقبة خضراء” وآخرين يحركون ما يحركون من خلف الستار، فكانت تقوم بالتدبير المفوض، نيابة عن آخرين يدبرون في الخفاء، “أولي ماعندو سيدو عندو للاه”.

مضت خمس سنوات من مهام “العمدة المتدربة”، واقترب النزال من جديد، وفي هذه المدة تحولت مراكش من مدينة مفعمة بالحركة والنشاط إلى مدينة جامدة، وتحولت إلى “بيتنا الذي لم يتم” حيث الأشغال لا تتوقف، ولا يكاد العمال يجمعون اثاثهم من شارع حتى يعودوا إليه، وصارت الطرق ملأى بكمائن الحفر التي تترصد أصحاب الدراجات على الخصوص، إذ لم ينتعش في عهدها غير “السكالسة” وسيارات الإسعاف خصوصا مع غزو “الشينوا” لسوق الدراجات وزحف c90 على شوارع مراكش وازدياد مستعمليها في المدينة المنبسطة، أما مادون ذلك فقد توقفت عجلته وغادر معظم المنعشين العقاريين، وتراجع الإهتمام بالمناطق الخضراء، أما الملك العمومي فقد تحول إلى ملك خصوصي ترامى عليه الفراشة وأصحاب المقاهي والمحلات، إلى درجة تتحول معها المدينة بعد صلاة العصر إلى أكبر سوق في العالم، ولو فكرت السيدة العمدة جيدا لشجعت السياحة السوقية، سياحة بدأت ملامحها تبرز شيئا فشيئا، حيث صار الأجانب يأخذون نصيبهم من زحامات الشوارع المحتلة بمستوطنات الفراشة وأصحاب الكراريس يقتنون ويتفاضون على الأسعار، أما حراسة الدراجات والسيارات فتلك قصيدة أخرى، حيث تتحول الأماكن العمومية إلى مستعمرات حقيقية لأشخاص بعضهم بعلم السيدة العمدة وآخرون بدون علمها، ولكن بعلم حاشيتها، وصاروا يمارسون “الكريساج”، وما يركن أحدهم دراجته أو سيارته ليقتني علبة “شوينكوم” بدرهم حتى يجد الحارس أمامه يطالبه بدرهمين أو الثلاثة، فصار لهيب الأسعار جهنما بفعل الإتاوات المدفوعة لهؤلاء.

أما أجمل شيء اشتهرت به مدينة سبعة رجال في عهد السيدة المنصوري هو “الثرات الزبالي”، لأن تقادم الأزبال المتراكمة في الشوارع والأزقة حولها إلى موروث تاريخي وجب احترامه، وصارت تذكر المواطنين بنوع الأطعمة المنتشرة والمستهلكة لديهم قبل شهور، إذ يكفي أن تلقي نظرة على “البركاسات” في حي المحاميد مثلا حتى تستنتج نسبة استهلاك ساكنة هذا الحي، ومدى التغيرات الحاصلة في عاداتهم الغذائية خلال السنة، دون إحصاء ولا استمارات، والحديث عن “البركاسات” من باب الاستدلال على الأماكن فقط، لأن هذه “البركاسات” التي من المفروض أنها حاويات أزبال يتم تفريغها في الشاحنات، تحولت إلى جزء يسير فقط من السلاسل الجبلية للأزبال المتراكمة، ونظرا للألفة التي صارت بين أنوف المراكشيين والروائح الكريهة أصبحوا يصابون بالحساسية من العطور، لذا فإني أنصح تجار العطور أن يغيروا عطورهم الزكية بعطور أخرى مستخلصة من الأزبال يسمونها “العطور الزبلية”، فتجد عطرا زبليا مستخلصا من الجبال الزبلية المحاميد، وآخر مستخلص من التلال الزبلية سيدي يوسف بن علي وهلم جرا.

لقد تحولت مدينة سبعة رجال في عهد السيدة المنصوري إلى مدينة سبعة آفات: سيدي الجمود وسيد الزبل وسيد الحفاري وسيدي الفراش وسيدي الخدمة المعاودة وسيدي حبس البني وسيدي “الكريساج”. لكن السيدة العمدة التي ستجتاز مرحلة التدريب وترنو إلى مرحلة الترسيم في العمودية لم تبق في دار غفلون وإنما فطنت لهذه المشاكل وفكرت مليا وبدت منذ منتصف هذه السنة تعلن حزمة إجراءات أهمها تنظيم “الكارديناج” فيما يخص التعريفة نهارا وليلا، والذي لا يحترمه إلا قليل من الحراس، ثم أعلنت خطتها الجهنمية وأنها ستطلق عوامل التعرية ضد الجبال الزبلية بعد أسبوع، قصد إزالتها نهائيا والقضاء عليها، وطبعا فإن السيدة العمدة لا تجهل كتاب “الأمير” لمكيافيلي وقد استلهمته جيدا، حيث سيذكر الناس آخر الخدمات،وهذا ما تفعله على بعد بضعة شهور من الإستحقاقات الإنتخابية، وهكذا تكون السيدة المنصوري قد تعلمت حقا ممارسة العمودية، وتعلمت الحجامة فريوس اليتامى، دون حاجة إلى مدرسة حزبية او تجارب انتخابية، ونتمنى لو أنها مستقبلا تؤلف كتاب ” كيف تصير عمدة في عشرة أيام دون معلم” لعل الأجيال اللاحقة تنتفع به ويتيسر لها التعمد بسهولة.

وكل عمدة والمراكشيون بألف خير.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت