بوبكري يكتب عن “شباب بدون هوية ولا قضية”

بوبكري يكتب عن “شباب بدون هوية ولا قضية”

- ‎فيرأي
2248
0

 

محمد-بوبكري

محمد بوبكري

عندما يتأمل المرء البنية الديموغرافية لمجتمعنا المغربي وطبيعته، يجد أنه مجتمع شاب ضعيف الخبرة بالممارسة السياسية الحديثة، بل إنه لا يزال، في الأغلب الأعم، يعيد إنتاج نسيجه الاجتماعي وتضامناته الداخلية على أساس قيم الأسرة والقبيلة والطائفة التي تعود إلى زمن ما قبل الممارسة السياسة بمفهومها الحديث، ما يفسر عدم قيام خبرته السياسية على أساس المواطنة…
كما أن الخبرة السياسية الحديثة التي انطلقت من منتصف القرن العشرين لم تتطور ولم تنتقل إلى الأجيال الجديدة، بل تعرضت للإجهاض من قبل السلطة وأعوانها داخل الأحزاب وفي مختلف المؤسسات والتنظيمات الأخرى، وهو ما ساهم في الحيلولة دون حدوث تراكم يفضي إلى بروز مشروع سياسي فعلي يدفع بقوة في اتجاه التحديث والبناء الديمقراطي….
وجدير بالذكر أن الانفجار الديموغرافي الذي عرفه المغرب قد ساعد بدوره على سيادة هذه الأوضاع، حيث مارس اتساع قاعدة الشباب في الهرم السكاني ببلادنا ضغطا قويا على مواردها الاقتصادية والثقافية والتكوينية والتعليمية، فعجزَت السلطة عن إطلاق مسلسل تنموي سليم يمكن بلدنا من النمو بتوظيف موارده الطبيعية والبشرية على نحو يلبي حاجيات المجتمع ويستجيب لطموحاته. وفي المقابل، عمدت إلى إعاقة بروز أي مشروع سياسي ديمقراطي مخافة تهديده لمصالحها. وبذلك، وجد المغاربة أنفسهم اليوم أمام أغلبية من الشباب يفتقرون إلى التأطير الاجتماعي والتربية والتكوين والاندماج المجتمعي، ما يجعلهم بدون أي رأسمال رمزي وثقافي، ولا مبادئ، ولا قيم وطنية، ولا مواطنة، ولا حماس، بل لا توجد لحد الآن أي شروط لتحقيق ذلك… كما أنهم لا يعون ذواتهم، ولا حقوقهم، ولا واجباتهم، ولا طبيعة ما يمكنهم القيام به من أدوار ووظائف… إنهم بدون هوية، لأنهم لا يدركون كيف يفكرون ولا في ما يفكرون، ما يجعلهم لا يعون أفكارهم وتصرفاتهم، ولا يستطيعون إدراك الآخر والانفتاح عليه، بل إنهم يعادونه….
هكذا، أصبح شبابنا غير مؤهلين ليكونوا أعضاء منتجين ومشاركين في التنمية ومتفاعلين مع بعضهم البعض ومع المجتمع، لأنهم فاقدي الأهلية اجتماعيا ومفتقرين للحد الأدنى من التربية على المواطنة، والتكوين السياسي والمدني، فأصبحت لهم فقط مطالب فورية وغريزية قد تكون ذات طبيعة مادية أو معنوية، حيث لا يمتلكون أطرا مرجعية تمكنهم من إنضاج القرارات والقدرة على التفكير على المديين الطويل والمتوسط. وهذا ما جعلهم ضحايا للمجتمع الاستهلاكي الذي تغذيه وسائل الإعلام السمعية البصرية وكذا الإنترنيت. كما أنهم أصبحوا ضحايا للنخب السياسية الفاسدة التي تستغل فقرهم وبؤسهم ورغبتهم في تحقيق الذات لتحويلهم إلى قاعدة بشرية تُستَخدمُ أداة للدفاع عن مصالح هذه النخب وبسط سيطرتها، كما صاروا لقمة سهلة في يد الحركات الإرهابية التكفيرية التي تعدهم بالخلاص بسرعة من معاناتهم من العوز المادي والفراغ الروحي، ومن حرمانهم من الحق في حياة فردية واجتماعية طبيعية خالية من التهميش والإقصاء…
إنهم شباب بدون قضية، أُجبِروا على العيش في صراع مرير من أجل البقاء، وهم بدون حق في الرعاية والأمان، كما لا ينشغلون بأية قضية عامة، ولا يعون معنى الاهتمام بالشأن العام. إنهم منغمسون فقط في إشباع حاجاتهم المباشرة والغريزية، حيث لا يمتلكون أية معايير اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية.
ويعود ذلك إلى افتقار السلطة لمشروع سياسي تنموي واضح المعالم يمكنها من حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتمتين اللحمة الوطنية عبر التحديث والبناء الديمقراطي، ما جعل بلادنا هشة على كافة المستويات، حيث نلاحظ عجزها عن مواجهة الأزمات الداخلية والقادمة إلينا من الخارج. وتكشف البيانات الرسمية عن ارتفاع نسبة العاطلين بالمغرب، ما بين الفصل الثاني من سنة 2013 ونفس الفترة من سنة 2014، بـ 65 ألف شخص، 39 ألفا بالوسط الحضري و26 ألفا بالوسط القروي، ليبلغ العدد الإجمالي للعاطلين 1.114.000 شخص. وهكذا، انتقل معدل البطالة من 8,8% إلى 9,3%، مسجلا بذلك زيادة بـ 0,5 نقطة على المستوى الوطني. وقد ارتفع هذا المعدل بالوسط الحضري من %13,8 إلى 14,2%، وبالوسط القروي من 3,2 % إلى 3,6%.كما بلغ، لدى الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة، 19,2% بدلا من 18,4%، و لدى حاملي الشهادات 16,9% بدلا من 15,8%.(المندوبية السامية للتخطيط).
إضافة إلى ذلك، لقد أدى انحدار المستوى الفكري للزعامات السياسية إلى إصابة الأحزاب السياسية بالجفاف، فأصبحت عاجزة عن التفكير وتطوير المشاريع والبرامج، الأمر الذي جرَّدها من أي قدرة على التأطير، فأصبحت مجرد هياكل جامدة بدون امتدادات مجتمعية. ومن المخجل أن زعيم أحدها أصبح لا هم له سوى اختيار الصور التي ستنشر له في جريدة حزبه متوهما أنه يكفي أن تتصدر صوره صفحات هذه الجريدة لكي يكون له وجود في المجتمع، حيث يتهيَّأ له أن صوره ستغطي على افتقاره لأي مشروع، وعلى جموده وضعفه وعجزه وتزلفه وخنوعه وانبطاحه، وكذا على استفادته من الريع…
فضلا عن ذلك، لقد ساهم فشل نظام التعليم بقسط وافر في هذه الوضعية، ويتجلى ذلك في كونه يُنتج شبابا غير قادرين على بناء معارفهم وقيمهم وذواتهم، عاجزين عن التفكير والإنتاج والتذوق، بل لا يعرف معظمهم حتى القراءة والكتابة، وأنَّى لمن لا يعرفهما أن يفكر، فأحرى أنْ يتعلم وينتج، إذ لا تَعَلُّم ولا تفكير خارج اللغة. فالذي لا يفكر ولا ينتج معارفه الخاصة لا يمكن أن يكون ذاتا ولا إنسانا، إذ بدون القدرة على بناء الذات والقيم عبر بناء المعرفة، لن يستطيع الإبداع ومجاوزة ذاته والانتصار عليها، ما يفقده طبيعته البشرية ويحوله إلى شبه جماد….
وخلاصة القول، إن الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يبدو اليوم، من منظور المبادئ والقيم والمفاهيم السياسية الكونية، قادرا على أن يؤسس لماهية الإنسان بكونه إنسانا سياسيا، أي باعتباره مواطنا حرا ومسؤولا له هوية سياسية تجمعه مع غيره من المواطنين. فعندما يفقد الإنسان الشعور بإنسانيته السياسية، يضطر إلى العودة إلى قيم التعصب الديني والطائفي والقبلي…، ما يؤدي به إلى سلوكات همجية… وهذا ما أصبحنا نلاحظه من مآس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت