كتاب: الرياضة والسياسة والفلسفة.. حوار بصدد المنشطات( 26

كتاب: الرياضة والسياسة والفلسفة.. حوار بصدد المنشطات( 26

- ‎فيرياضة
1237
0

فلسفة

-8حوار بصدد المنشطات

سؤال : الأستاذ إيڤ ڤارگاس، أنتم تشتغلون بالفلسفة ومتخصصون في جان جاك روسو، فكيف أتيتم إلى الاهتمام بالرياضة والمنشطات الرياضية .؟
جواب : الرياضة عنصر في الثقافة الشعبية، أي أنها عنصر من ثقافة غير نظرية، وإنما لَعِبِية ومرئية وممتعة… والرياضة ترسخ في الأذهان جملة من القيم والأفكار، وتستحوذ على العقليات بكيفية سارة ولذيذة. الفكرة التي كرستها الرياضة في امتداد القرن العشرين هي فكرة التقدم تحديدا. الرياضة هي التقدم في وضعه الخام العيني والملموس، غير أن فكرة التقدم الخالص تفترض أن تكون الرياضة خالصة وطاهرة ونقية: وإذا كان التقدم وسخا ونجسا، فلن يعود تقدما. ونحن نعرف كيف شوهت هيروشيما صورة الفيزياء الذرية وثلمت صيتها. وكي تتبدى صورة الرياضة نقية وخالصة، وجب تطهيرها بإبراز وتعيين قذارة وملاحقتها ومطاردتها بعد ذلك بصخب وعنف وقسوة. فعلى هذا النحو: كانت الكنيسة الكاثوليكية قديما تتمظهر بسمعة طاهرة وطهرية، عن طريق اختلاق بدع تطاردها بعد ذلك بوحشية وفظاظة، وتنزل بأهلها سوط العذاب. وقد طاردت الرياضة أولا المال (الرياضي “الآبق” غير الطاهر أخلاقيا) وهي الآن تلاحق علم الصيدلة وتركيب العقاقير (الرياضي غير الطاهر كيميائيا الذي يتعاطى المنشطات). ويتعلق الأمر أساسا باستعمال تعاطي المنشطات كوسيلة لتنظيف صورة الرياضة وتلميعها.

سؤال: ألا يمكننا – عكس ذلك – أن نتصور أن مفهوم التقدم يُضْفي الشرعية على تعاطي المنشطات.
جواب: في الإمكان بالتأكيد تصور أن تعاطي المنشطات يشكل جزءا من الرياضة، وأن الرياضي في النهائية يمثل زواجا سعيدا بين التقدم التكنولوجي للصيدلة والتقدم في تدريب الجسد. ولكن يجب ضمن هذه الشروط البحث عن قذارة أخرى. ويمثل تعاطي المنشطات وسيلة سهلة لإبراز القذارة، وذلك لأسباب قديمة وحديثة. فمن جهة أولى، تلتبس المنشطات بالمخدرات التي تشكل خطرا حديثا. ومن ناحية ثانية، يحيي ويبعث الفكر القديم المرتبطة بالإبليسيات وعلم الجن والشياطين : إذا أن إبليس هو ذلك الشيء الذي يدخل الجسد ويحل محل الإنسان. فعندما يعشق ترستان إيسولت Iseult، فإن شيطان الخمر هو الذي يكون عاشقا وليس ترستان. وعندما ينجز بين جونسون سباقا متألقا، فإن شيطان الكيمياء هو الذي كان يَعْدُو ويجري. الماضي والحاضر، إبليس والمخدر يجتمعان بالتباس لاتهام وإدانة بعض المواد المنشطة. ولم نقترب بعد من تغيير هذا العامل المنظف بآخر.
سؤال : تعتبر المخدرات غير قانونية، ومع ذلك فالمنشطات غير ممنوعة إلا في عالم الرياضة.
جواب : هناك خلط بين المخدرات والمنشطات غير أنهما في الواقع أمران مختلفان. ذلك أن الذي يتعاطى المخدرات يبحث عن لحظة سعادة نرجسية لا تنتج أي عمل رائع، ولا ينتظر أي اعتراف: ومتعاطي المخدرات ينكمش وينطوي على نفسه. وعلى النقيض من ذلك تماما بالنسبة للرياضي الذي يتعاطى المنشطات: إذ يريد أن يتفوق، أن يحطم رقما قياسيا، أن يُعْتَرَفَ به. ويكون له سلوك متسامي أي متعالي على المجتمع، مختلف كليا عن نفسية مدمن المخدرات. ومن ناحية أخرى، فإن المواد المنشطة، إذا أخذت بجرعات عادية، لا تولد أي سلوك منحرف أو عدوانية أو حماقة وأي إخلال بالنظام المجتمعي، وذلك عكس المخدرات. ولهذا يتناولها الطلبة ورجال الأعمال والسياسيون وسائقوا الشاحنات والجند، بكيفية عادية. وهذه العقاقير التي تنتجها مختبرات صيدلية ولا تباع تحت المعطف: تتيح للجميع التكيف مع إكراهات الحياة الحديثة. إنها شيء جميل بالنسبة للجميع وجريمة بالنسبة للرياضيين.
سؤال: لماذا الأشياء المسموح بها عند سائقي الشاحنات وربابنة الطائرات ممنوعة على الرياضيين. وما الذي يلزم الرياضة بأن تكون نقية وطاهرة؟..
جواب: تحمل الرياضة على كاهلها عبئا ثقيلا: إذا يتعين عليها أن توضح وتبسط الأفكار الأساسية لمجتمعنا: التقدم والديمقراطية الانتخابية. والملاحظ أن المعركة الرياضية تشبه مثل التوأم المعركة الانتخابية: احترام القواعد (القوانين) المواجهة المحدودة في إطار المقابلة (الاقتـراع). تعيين المنتصر أو الفائـز عبـر تعـداد النقـط أو الأهداف (أوراق الانتخـاب). وفي غضون القرن العشرين، كل ديمقراطي هو رياضي يجهل أنه كذلك، أي أنه شخص يعتبر أن من الضروري “ممارسة اللعبة” واحترام القوانين، ولو كان يتوقع الهزيمة والانكسار في النهاية. وقد رسخت الرياضة في الأذهان قوة القانون داخل المقابلات والمعارك، ولكن هذه نقطة ضعفها، لأن الرياضة نفسها ليست شفافة جدا. إذا تتم صناعتها ضمن شروط غامضة تلعب فيها دورا مضطربا الأموال والسلطات الإعلامية والسياسية والمصالح الصيدلية.لا تحب الرياضة الغموض والتستر والكتمان بل تحب أن يكون كل شيء مرئيا، إذا لا تجري المقابلة في الظلام. وإذا كانت المقابلة تجري في وضح النهار أو الأضواء الكاشفة: فقد تم تحضيرها في الظل. في الغموض والكواليس. ومن ثم، من المستعجل إعطاء الانطباع أو الإحساس بإضاءة الكواليس وحق الجمهور في رؤية ومعرفة كل شيء. وبهذا المعنى، فالمطاردة المأساوية – الهزلية للبول المتشيطن أو المتأبلس يمكن أن تخدع. فمنذ مدة زمنية، انطفأ اهتمام الجمهور بالبـول المتهـم أو الظنين، وحينما شرع في الحديث بكيفية متأخرة عن أسرار المخدرات في حجرات الملابس، قصد تفعيل الخلط الذي تم التنبيه عليه آنفا. وإن لم أخطئ، فلن نتأخر في معرفة أن ذلك الرياضي الذي يتعاطى المنشطات ينتمي لطائفة صوفية مزعجة، وذلك قصد التذكير داخل حجرات الملابس بأبالسة القرون الوسطى. وعندما تفقد قصص المنشطات متعتها، أعتقد أن الرياضة ستذهب لمطاردة التعديلات الوراثية. وحينها سيقال لنا إن الكيمياء المنشطة نقية وطاهرة لأنها تحترم البنية العضوية الحميمة للجسد، وأن الجراحة المجهرية والكيمياء العضوية المجهرية رجس من عمل الشيطان. لقد تم إقصاء گي دورت في زمنه لأنه أخد نقودا في حقبة مطاردة الهواة الآبقين. وفي يوم ما حين يصير بين جونسون وزيرا للرياضة في الولايات المتحدة، سيطارد تعديل قانون الوارثة.

يتبع

ألفـــــــه: إيف فارگاس

تــرجمــــة : عبد الجليل بن محمد الأزدي / بلعز كريمة

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت