كتاب:الرياضة والسياسة والفلسفة..تأملات بصدد تعاطي المنشطات(25

كتاب:الرياضة والسياسة والفلسفة..تأملات بصدد تعاطي المنشطات(25

- ‎فيرياضة
1637
0

canal-plus-formule-1-2013-droits-TV
المشهد الثالث : السياسة الصحيحة
يجب القول إن أزمة الديمقراطية انتقلت بين الحين والآخر ولم تعد ترتبط بالأصول المجتمعية للمنتخبين. وتم القبول بأن السياسة يجب أن يمارسها السياسيون وليس الطباخات (كما كان يأمل لينين) لكن طُولِبَ أن يكون هؤلاء السياسيون نظيفون وغير مشكوك فيهم من ناحية سيرتهم الأخلاقية. ومنذ نهاية الستينيات، بصم شريط سينمائي إيطالي ولادة هذه العقلية الجديدة: ذلك أن شريط نهب المدينـة Main basse sur la ville صور آلية الفساد البلدي في مجال التعمير وآثاره المأساوية في حياة وموت الناس. وقد انتشرت هذه الموجة الأخلاقية بالولايات المتحدة خلال السبعينيات. إذ شرع في نبش الحياة الخاصة للأعيان والوجهاء، وفي طفولتهم وشبابهم، فحلت واترغيت محل فيتنام. وفي الثمانينات، استطالت هذه العقلية الجديدة إلى عموم الحياة المجتمعية في البلدان الغربية ولم يكن حزب الأغلبية جمهوريا ولا ديمقراطيا، لا اشتراكيا ولا ليبيراليا، وإنما كان طهريا. وقبل سنوات من اكتشاف داء فقدان المناعة (SIDA) شُنَّتْ حملة عالمية بخصوص الأمراض المنقولة جنسيا (MST) بهدف تلميع قيم العفة والوفاء. وفي الولايات المتحدة، انتظمت تداريب بخصوص السياسة الصحيحة Politically correct التي تقنن أقل الحركات والسكنات لدرجة تعطيل العلاقات الإنسانية. وفي أوروبا، تم التعامل مع المدخنين بصفتهم مُسَمِّمين عموميين، ووقع إقصاؤهم إلى ممرات الإدارات، إلى اليوم الذي سيذهبون فيه للتدخين خفية داخل المراحيض؛ وفي فرنسا، نعرف أن خُلْفَ أو خيانة الوعود الانتخابية أفضل من اقتناء سيارة وظيفية فارهة جدا أو اقتناء شيء من هذا القبيل. ولم يعد ينظر إلى الرجل السياسي انطلاقا من سلوكه السياسي، بل من عاداته الخاصة: إن الأزمة الراهنة في الديمقراطية أزمة لا سياسية. وهذه الأزمة اللاسياسية للسياسة، تطابقها في حقل الرياضة مطاردة المنشطات. فحينما تمت ملاحقة الوجهاء، طاردت الرياضة الهواة الآبقين، وحين يلاحق مال الترضية (الرشوة)، تستقضي الرياضة الكِلْيَتيـْن. ومقابل سياسة الأيادي النظيفة، توجد رياضة البول النقي والصافي و الشفاف.
4-للبحـت صلـة …
عندما ستذهب الديمقراطية الغربية للتداوي من جراحات رمزية أخرى، ستقتدي الرياضة بهذه الحركة. وستعيد إدماج تعاطي المنشطات، مثلما أعادت إدماج المال، و في أفق استقبال المنشطات لن يكون ضروريا الذهاب بعيدا إذ ستشكل المنشطات جزءا من الحفل وسنرى الرياضيين و قد زينوا قمصانهم بفخر و اعتزاز بعبارات من قبيل : ماكسيتال يحب الرياضة، أنا أتناول أنا بوليس، فلم لا تتناولوه، مع سور مانتيل، دائما أعلى. وسيكون ذلك زواجا موفقا بين الصيدلة وتجاوز الذات، وسيتم الحديث ببراعة عن أن المنتوج الصيدلـي لا يغني عن المجهـود، مثلما يتم الحديث اليوم عن أن الصيغـة 1 la formule رياضة، لأن الميكانيكا ليست شيئا دون سرعة، ودون مكابدة وصبر وتجلد، وكل ما شئتم. و الزواج هذا ليس متوقعا في الغد القريب، ويجب الاحتراس – لمدة زمنية أخرى – من المعاشرة غير الشرعية، لأن تحرير المنشطات لن يأتي من الرياضة، بل سيأتي إلى الرياضة من خارجها، عندما يتغير النموذج السياسي، وحينها تكون الديمقراطية قد هضمت الفساد وانحلال الأخلاق، حيث ستنتقل الأزمة إلى موضع آخر و تجد الرياضة نفسها مجبرة على استلطاف وحب ما كرهته، ونفرت منه وأحرقته، لتقف مستقيمة ومرفوعة الهامة أمام جرائم جديدة ستكون ملزمة بابتداعها واختلاقها.

إن العلم الذي فيه تتموقع الصيدلة، بُعْدٌ جوهري في الرياضة، إلى جانب المال والأعمال والسلطات العمومية : الرياضة مربع ذو أربعة أضلاع: الرياضة- المنشطات –المال- السياسة. وفي الإمكان دوما الحلم بمربع لا يتكون من أربعة أضلاع، غير أن ليس في الإمكان رسمه وتجسيده هندسيا. إن جملة مثل: مربع بثلاثة أرباع، تحمل بالتأكيد معنـى، ولكن لا شيء يطابقها في الواقع. الأمر نفسه ينسحب على جملة من قبيل: رياضة منافسة دون منشطات، فهي تحمل معنى، لكن لا إيحاء لها وليس لها أي تحقق ممكن. ومهما يكن الأمر فالرياضة وجدت لتجعل الناس يحلمون.
يمكننا أن نحلم. وربما يجب أن نحلم، لأن الحلم جزء من حياة الشعوب، و لأن الرياضة – ربما- تجعلنا نحلم بكيفية مزدوجة. فهي تجعل الشبيبة تحلم بما تقدمه في الفرجة، وتجعل الرياضيين أنفسهم يحلمون برياضة طاهرة وسعيدة وجدية وصريحة وواضحة، تجري بمعزل عن الاشتراطات المجتمعية، فوق كوكب الرياضة، ومن المحتمل أن كوكب الرياضة هذا أحد توابع القمر وذيوله.

(*) نَهْبُ المدينة : شريط سينمائي إيطالي أنتجه و أخرجه فرانسيسكو روسي، مدته مائة وعشر دقائق. وعنوانه الأصلي le mani sulla città دخل قاعات السينما عام 1963.

 

يتبع

ألفـــــــه: إيف فارگاس

تــرجمــــة : عبد الجليل بن محمد الأزدي / بلعز كريمة

 

 

 

 

 

 

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت