قال الراوي :
يا سادة يا كرام ـ ثم إن شيبوب أخبر عنترة بم يعزم عليه سادات بني قراد من الغدر به في أي فرصة تسنح ، و طلب منه أن يحترس منهم ، و أن يمنع عنه كل مطمع ، فتعكر من عنتر الخاطر ، خاصة و أنهم من اعمامه و بني أعمامه الأقارب ..
و سارا في البر الأقفر إلى أن طلع النهار و حمي الحر، و إذا بفارس من بني قراد ، جريح ثيابه غارقة في الدماء ، متوجه نحوهم بالجواد و هو يكاد يسقط من فوقه ، فأوقفوه و سألوه أن يخبرهم بأمر بني قراد و ما وقع لهم ، و ما الذي صار مع مالك و ابنه عمر ..
ثم إن عنتر صاح به و قد فقد الصبر :
ـ ويلك يا بني العم ، أخبرني بما أصابك ، و ما وقع لك و أين مولاي شداد ورفقته و الغنيمة التي أخذتموها ..
فأخبرهم الرجل و هو يستجمع كلامه ، بما كان من هزيمة بني قراد على يد قيس بن ضبيان ، و كيف أباد الفرسان ، و قام بأسر عمه مالك وولده عمر ، و ما حل بالشجعان بني عبس من الوبال و النسيان ..
و أضاف الفارس و قال :
ـ و ما سلم منهم إلا انا ، فان كنت تريد ان تلحق بهم و دونك و خيلك ، و ان كنت تريد ان تعود فذلك احسن لك و أسلم .. فقال عنترة :
ـ و الله لا اعود أبدا دون أن أخلصهم من الأسر و الهوان ..
فسقى شيبوب الفارس الماء و انزله من ظهر فرسه ، و طرحه برفق في ظل شجرة ، و ربط جواده بجانبه..
و بقيا سائرين إلى أن اشرفا على القوم ، فرأى أبطال بني قراد في أسوء حال ، و هم مربوطون بالحبال ، و قيس بن ضبيان على أثرهم قد طغى و جال .
فلما التفت ورأى عنترة قد قصده تقدم نحوه ، حتى وصل إليه ثم كلمه ، ثم عيره بسواده و قال :
ـ إن همتك همة الفرسان و جلدك جلد السودان ، لو علمت أنك عبد ما كلمتك بكلام ..
أما عنترة فعندما سمع كلامه غضب غضبا شديدا ، وأنشد يقول :
إن كنت عبدا فروحي حرة خلقت … أو أسود اللون فالهندي له حسب
فإن تعير سوادي فهو لي شرف …. يوم الطعان إذا ما فاتني النسب
و حمل على ذلك الفارس باهتمام، تم التقاه بالحسام كما تتلقى الأرض صبيب الغمام ..
تم إنهما همهما همهمة الأسود ، و تطاعنا طعنا يشيب المولود ،ورأى شيبوب أخاه عنتر على خصمه قد استطاع ، و قد طاوله و جاوله و طعنه بطعنة بين ثدييه فطلع السنان بين جنبيه ..
فتقدم نحو الفرسان و صار يصيح :
ـ اطلبوا النجاة يا بني قحطان فقد أتتكم بني عبس و ذبيان …
ثم إن القوم لما سمعوا ذلك ، أقبلوا على شيبوب يريدون القضاء عليه ، فأوسعهم بالنبال حتى تكاثروا عليه ، و كادوا يصرعونه ، فأدركه عنتر و سل حسامه و مال على هؤلاء فذهلت منهم الأبصار، وركنوا الى الفرار ،فأسرع شيبوب إلى شداد و فكه من الأسر، و فك إخوته الأمجاد ، و فك عمر اخا عبلة ، ثم قام يجمع بين يديه الأسلاب و الغنيمة ، ثم إن بني قراد لما علموا تمام الانتصار ساقوا الغنائم و الأسلاب ، و ساروا متوجهين الى أوطانهم …
و مازالوا كذلك حتى أشرفوا على الأحياء ، و ساروا مباشرة عند الملك زهير فالقوا الغنيمة و الأسلاب بين يديه…
و حكى شداد للملك زهير ما صار لهم من أحداث حتى وصلوا إلى الغنيمة ، و أخبره بما فعل عنترة بالفرسان و الشجعان ، و كيف قتل قيس بن ضبيان ، فطرب الملك زهير من أفعال عنتر و قال لشداد :
ـ أكرم عنترة كل الإكرام ، و لا تترك أحدا غيرك يعتز بسيفه أبد الزمان..
فاغتاظ لذلك جماعة من الحاضرين من هذا الكلام منهم الربيع بن زياد و شاس بن زهير و مالك بن قراد ، و فرح بذلك صديقه مالك ابن زهير، و قسم الملك زهير الغنيمة كما أراد و لم يأخذ منها عقالا …
قال الراوي ـ يا سادة يا كرام ـ بعد ألف صلاة على النبي الحبيب، ثم أمر الملك زهير العبيد بذبح الاغنام و الجمال، و أن يشرعوا بترويج الطعام ، فما كانت إلا ساعة حتى دارت الأقداح و اتسع المجال للأفراح، و تجاذبوا أطراف الحديث و المزاح ، و أشار الملك زهير إلى عنترة، و قربه أليه من دون غيره من من حضر و قال له : نريد منك أن تنشدنا رائعة من أشعارك ..
انتظروا الحكاية 26 من حكايات
ابي الفوارس عنترة بن شداد
د محمد فخرالدين