أ- الجريمة الرياضية
منذ بضع سنين، تابع الكثيرون سباق بين جونسون الشهير : الرجل يعدو بسرعة فائقة أين منها سرعة العدائين من شداد عرب الجاهلية وصعاليكهم (تأبط شرا، عروة بن الورد، السليك بن سلكة، الشنفرى الأزدي…)، فجأة ينظر خلفه، يبطئ من سرعته بكيفية مشهـودة وكي لا يلحق أقصى درجات الإهانة والمهانة بمنافسيه. هذا ما شاهده واعتقده الجميع والبقية معروفة، فقد تم إقصاؤه بسبب تعاطي المنشطات. وهذا الإقصاء مذهل ومريب ومثير للاستغراب، ذلك أن العديد من المرشحين للتبريز “يتكربنون” بالأنفيتامين، ويدينون بنجاحهم وتفوقهم على زملائهم لا إلى عبقريتهم ومعرفتهم، وإنما إلى الماكسيتون. وفي السياق نفسه، ينطرح السؤال: هل تم تدمير روائع جيروم بوش وسلفادور دالي بسبب تعاطي الأقراص المهلوسة؟ هل وقع إحراق سيجموند فرويد بسبب إدمان المورفين؟ أليس إنجاز بين جونسون رائعا مثل روائع هؤلاء؟!
فإذا كانت لوحة الحكم الأخير التي أنتجها جيروم بوش (1453-1516) رائعة نتجت عن قران الفرشاة والفطريات السامة، ألا يعتبر سباق بين جونسون تحفة فنية خلقها التكامل بين العضلات والصيدلة؟ لماذا تكون العضلات مجرمة حينما لا تكون الأعصـاب أو العصبونات كذلك؟ وضمن هذا السياق يتحدد منطلق التفكير على النحو التالي: لماذا تفرض الرياضة على نفسها من المتطلبات أكثر مما تفرضه محافل الثقافة والفرجة الأخرى؟ ولماذا تصطنع جرائم للاستهلاك الذاتي أو الداخلي لدرجة أن رجلا صالحا يمكن أن يصير مجرما رياضيا دون أن يتوقف عن أن يكون رجلا صالحا؟
ليست الجريمة المقصودة هنا تلك التي يرتكبها الرعاع والحثالة والشوارعيون، وليست جريمة الحقائب السوداء التي يتبادلها رجال العصابات، كما ليست جريمة الملاكمين الذين يقتلون زوجاتهم، لأن هذه الجرائم لاشيء يميزها رياضيا، فإذا كان كل الرعاع يرتادون مدرجات الملاعب، وإذا انتسب جميع النصابين إلى المنتديات الرياضية، ولو كان فوق الحلبة جميع الملاكمين الذين قتلوا زوجاتهم، لعرفنا ذلك ولتمت منذ مدة توأمة وزارة الداخلية ووزارة الشبيبة والرياضة.
إن السؤال بصدد الجريمة الرياضية يتعلق فقط بهذه الظاهرة المحايثة للرياضة والمرتبطة بإنتاجها لجريمتها الخاصة قصد فضحها ومعاقبتها بكيفية مذهلة، بل ومذهلة جدا لدرجة يطرح معها سؤال الطهارة الفائضة عن الحاجة : ألا ينتهي مطلب الطهارة بجلب العار للرياضة؟
وفي سبيل إضاءة هذا السؤال، يوائم النظر إلى الرياضة بعين غير رياضية، ويعني ذلك أن الرياضة ليست علة الرياضة. وليس في هذا ما يثير، لأن المقصود أساسا أن الوظيفة التاريخية للرياضة (هذه الفرجة التي ولدت في نهاية القرن 19. واستقرت أثناء ق 20 وستنتصر دون شك في ق 21) ليس لها تفسير رياضي صرف. ذلك أن بذل قصارى الجهد وتجاوز الذات والمباراة النزيهة والمعركة الشرفية … وغيرها، هي وقائع نفسية تذكي حماس وطموح اللاعبين، ولا تفسر على أي نحو انتصار الرياضة. وإلا فلماذا اختفى مصارعو روما القديمة؟ وقد كان بإمكانهم البقاء والانتصار، طالما الفضائل “الرياضية” لا تعوزهم.
يتبع
إيف فارگاس
تــرجمــــة : عبد الجليل بن محمد الأزدي / بلعز كريمة