Michel Phelps
2– المسألة الثانية أكثر حساسية. إذ الجنحة الرياضية تستخدمها الرياضة على المقاس. فليس من الجنح تدجين الأجانب والأغراب لاحترام الحصص النسبية الوطنية أو لتشكيل فرق وطنية، وليس من الجنح إجراء تجارب بيولوجية سرية للرفع من مستوى الإنجازات، ولكن بمجرد العثور على بعض المنشطات في البول- مهما كانت ضئيلة الحجم- نوجد في قلب الجريمة الرياضية، ويضطرب الفكر الرياضي ويهيج. وتقوم القيامة.
وليس بدهيا اختيار الجريمة الرياضية، كما لا يرتبط بالأخلاق العامة. وحينما يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر إنه يكتب سبعمائة صفحة في السنة تحت تأثير الكوريدران corydrane. فلا أحد يشكك في كتاباته بسبب من ذلك. إن سارتر هو بين جونسون الفلسفة، وهو ما لا ينزع القيمة عن فلسفته، في حين تم إقصاء بين جونسون. وقد يقول قائل إن الفيلسوف لم يتم إقصاؤه لأنه لم يأخذ موقع أي كان، وهذا صحيح: إذ لا يتم إلغاء التبريز في الرياضيات إذا ظهر أن المرشح يتعاطى المنشطات. وفي هذه الحال، يكون قد أخذ مكان شخص آخر ! إن الملعب هو وحده الذي يجرم المنشطات، والرياضة وحدها التي قررت التطهر من المنشطات واعتبرتها قذارات. وينسحب الأمر نفسه على المال: إذ الرياضة تسبح فوق محيط مالي وتستمتع بطهارته المزعومة عبر إدانة بعض المجاري والسيول التي تعتبرها قذرة.
وعند تعاطي المنشطات، كما في حال المال، تبدو المسرحة والإجـلاء لافتين. ذلك أن عالم الرياضـة لا يخفـف الأعمال، بل يفاقمها. ولا يلمح لها، وإنما يغتاظ منها بكيفية مختلفة. وأرى أن هذا الإخراج يجب ألا ينظر إليه مثل الخداع السينمائي كما يقال؛ إذ إن آليته أكثر عمقا: فالقيم الرياضية للفرجة تحتاج إلى هذه الجرائم مثلما يحتاج الدين إلى البدع لترصيص صفوفه، وكما أن البدعة تهم نقط الضعف في الدين لتقويتها، فكذلك الرياضة تعين بدعها في نقاط ضعفها وهشاشتها.
إن المال المنتج للرياضة يلحق بالفرجة الرياضية اضطرابا، إن لم يكن فرجويا، فإنه يلح في الأقل ويؤكد على هوية الرياضة نفسها.
د. الازدواجيـة والـرياء
من اليسير فهم الاضطراب: إذ يوجد تباين بين قيم الفرجة، وهي قيم المتفرج والمشجع من جهة، وقيم احتراف الفاعلين الرياضيين من جهة ثانية. إن الرياضة حفل ولعب في منظور المشجـع، أما في منظور اللاعب فهي عمل لا موقـع فيه لعدم الاستعـداد أو الارتجال. وبين الإثنين، يوجد المال والأجر والجائزة والميدالية والمكافأة. المشجع رجل عَلَمٍ وقميص. لماذا يشجع البيضاوي الوداد أو الرجاء؟ هذا سؤال لا محل له، بل وعبث. لأنه بيضاوي. وإذا كان البيضاوي يحب اللاعبين الذين يمنحون النصر للوداد، فإن لاعبي الوداد لا يحبون بالضرورة الدار البيضاء. ومع ذلك، فالجميع يتقافز ويهلل ويهتف ويتبادل العناق عند كل هدف … لكن لكل منهما منطقه ودوافعه.
وانطلاقا من هذه الازدواجية، تقوم مطالبات متناقضة؛ إذ هنا تتم السخرية من المتطوعين المزيفين ومن الهواة، وهناك يتم لعن الأجور الباهضة أو الحلم برياضة هواة حقيقيين. وفي الوقت نفسه، يعرف الجميع أن تشكيل فريق محلي من هواة شغوفين سيقدم فرجة متواضعة ودون المستوى، أسوة بفرق الأحياء أو المعامل أو المهن، التي هي فرق مؤاكلة أكثر منها فرق رياضية، وحيث الشوط الثالث يلي الشوط الأول بدل أن يلي الشوط الثاني.
إن مصالحة الفرجة مع قيمها الخاصة مسألة لا فكاك منها وهنا يجد المرء نفسه مرتهنا داخل حلقة مغلقة: إذ وحدها الفرجة الجميلة يمكنها أن تشيد بالقيم الرياضية، لكن الجميل يكون مرتفع الثمن، وهذا نفسه ما يخل بهذه القيم. وفي سبيل فهم التوتر الذي يهدد الرياضة، والذي يباعد بين فرجة القيم النزيهة والثمن التجاري لهذه الفرجة نفسها، يكفي تذكر المبالغ الطائلة التي ضخت في حسابات مدربي الفريق الوطني المغربي الأجانب، ويكفي كذلك أن نتذكر أن الرياضيين ليسوا رياضيين أكثر من اللازم أو بما يكفي، وأن ابتهاجهم وسعادتهم ليست مجانية، وأنهم خلال اللعب والفرجة لا ينسون أجورهم والمكافآت المنتظرة عند النصر…
ونظير هذا ما يحصل مع الكيمياء، فالأرقام القياسية تحطم دائما إلى ما لا نهاية. ويعرف المتفرج أن جسم الرياضي يتجاوز ذاته ويتخطى قدراته وينيف عليها ويبدها بفضل التدريب أساسا. لكن من الواضح أن هذا التدريب ينتج مثل هذه الآثار لدرجة يصير معها متهما بأنه مصطنع، ولا نعود نعرف هل نعجب بالرياضي أم بالطبيب والكيميائي والحهلل النفساني والاختصاصي في الحِمْيَةِ، الذين استحوذوا على جسده وذهنه ونفسيته. وباختصار فإن سؤال هوية الرياضي يبقى مطروحا؛ إذ أن التدريب يجعل جسده متهما، والأجر الذي يتقاضاه يوجه إصبع الاتهام إلى ذهنه. وإذا كان الرياضي هو من يمتلك عقلا سليما في جسم سليم ومعافى، ففي الإمكان الشك في وجود مثل هذا الكائن، طالما الرياضي الذي نراه في الملعب ليس إلا ذهنا مربحا ومكسبا في جسد إضافي وتكميلي وزائد.
وفي أفق التخفيف من هذا الوضع، تجب قراءة التعاويذ على المال والكيمياء. ولهذه الغاية يجب العثور عليها في الفرجة نفسها، دون المساس بآليات إنتاجهما. إذ في صميم الفرجة، يبدو ذلك كما لو أن قطعة شوكولاطة أغمست في عرق أحد العمال ! وهذا هو مقدار الألم في سبيل فضيلة خاصة، ولهذا لا يمكن تطهير الرياضة إلا بالفضيحة.
هـ- الفضيحة في الوضع الطبيعي
الفضيحة كما يعرف الجميع لا تطابق الفوضى وغياب النظام، وإنما هي إظهار نظام وقد بلغ حدوده النهائية. في القرن السابع عشر، كان الفلاسفة يتحدثون عن “مفاسد” المجتمع والثروة والشطط في استعمال السلطة وفضحوا هذه المفاسد لدرجة تمكن معها جان جاك روسو من توضيح أن الثروة والسلطة تشتطان حسب منطقهما دون أن تتجاوزا نفسيهما : فالثروة عديمة الشفقة بطبيعتها، والفساد من طبيعتها كذلك، تماما مثلما أن الذئب دَمَوِي بطبيعته لا بإفراط. إن وجود غني كريم أمر نادر جدا مثل ندرة وجود ذئب نباتي. ولكن إذا أردنا قبول الطبيعة اللاحمة للذئب، فيجب إظهار بعض ضراواتها غير اللائقة، أي بعض “مفاسدها”، يجب ضبط الذئب متلبسا في مذبحة تتجاوز حدود شهيته، وصلبه بسبب هذه الجريمة. ومن ثم، سنكون قد قبلنا جميع المذابح التي ارتكبها وفق شهيته. ولهذا استهان جان جاك روسو بفضح المفاسد وفضل فضح طبيعة المجتمع الملكي.
إيف فاركاس
ترجمة وتقديم
د. عبد الجليل بن محمد الأزدي و ذة. بلعز كريمة
يتبع