كتاب( الرياضة والسياسة والفلسفة) : الرياضة والمال – النظيف والوسخ (2)

كتاب( الرياضة والسياسة والفلسفة) : الرياضة والمال – النظيف والوسخ (2)

- ‎فيرياضة
2250
0

1- الرياضة والمال – النظيف والوسخ

ben-johson-and-carl-lewis

أ‌- الإنتـاج والفرجـة
تستعمل الصحافة الرياضية غالبا مصطلحات الرياضة والروح الرياضية، وغيرها. وقد لا يختلف اثنان حول ثنائية أو ازدواجية مصطلح الرياضة؛ إذ يدل أحيانا على الإنتاج، ويعني أحيانا أخرى النتيجة، أي أنه يدل على الفرجة وعلى الآليات القائمة. في حين يجب تمييز الأمرين وعدم الخلط بينهما، لأن وضع أحدهما مكان الآخر من شأنه تضبيب الرؤية بخصوص القوانين والأمكنة والأزمنة المتعلقة بكل منهما، وكذا في شأن الفاعلين الممارسين. ذلك أن قانون إنتاج الرياضة يرتبط بالمال والسلطة العمومية والتأثيرات السياسية وإعداد التراب الوطني والتنمية الجهوية وغيرها. إنه باختصار قانون السوق والداعمين والرعاة ووسائل الإعلام والأبناك. وبالمقابل، يعود قانون الرياضة على مستوى الفرجة إلى وقائع وظاهرات من طينة أخرى: اللعب وقواعده، التوقيت أو التوزيع الزمني، ويمتد الخلاف كذلك إلى الأمكنة والفاعلين-اللاعبين…
وبهذا المعنى، تشبه الرياضة المقاولة، أي أن استهلاك الإنتاج يجهل شروط الإنتاج، والعكس صحيح. إذ أن صناعة الرياضة ليست رياضية، وهي من طينة رأسمالية: القرض، الاستثمار، العرض، الطلب، التوزيع، البحث عن المردودية. وإذا كانت الشركات والمصانع والمعامل تقتني آلات فعالة وذات مردودية عالية، فليس من المستغرب أن يشتري فريق هذا اللاعب أو ذاك بقيمة 20 او 40 مليون أورو، إذا ظهرت إمكانية التعويل على كفاءته ومردوديته وتحقيق انتصارات هامة عبر أدائه. وقوانين السوق هي التي تحدد قيمة عناصر الإنتاج، سواء في بوجو وميشلان، أم في البارسا و وداد الدار البيضاء وحسنية أگادير…
يسيطر المال على الرياضة في عالم يسود المال كل شيء. فأي ضير في هذا؟! وما وجه الفحش فيه؟ لكل امرئ الحق في أن يَكْرَهَ المال والأبناك والرأسمالية، لكن لا يمكنه بالتأكيد أن يلقي على الرياضة مسؤولية الوضع العام. فالرياضة في النظام الرأسمالي مثل سمكة في الماء. ويمكن بالتأكيد كره الماء، لكن لا يمكن اتهام السمك بالبلل. لقد ولدت الرياضة مع ولادة نمط الإنتاج الرأسمالي وتطورت معه، مثلما أن الألعاب اليونانية والرومانية متجذرة في النظام العبودي القديم، ومثلما أن المسابقات مرتبطة بالنظام الفيودالي؛ إذ لكل حقبة من التاريخ أشكال الفرجة المناسبة لها، ولكل زمن حضاري مباهجه وَمُتَعُه.
ومن المعروف أن المال لا ينفصل عن إنتاج الرياضة، لدرجة يستعصي معها إدراك مناخ الشغف والكتمان والغيظ الذي يخيم على علاقتهما. ولا يظهر ما يمكن للمال أن يلحق عبره القذارة بالرياضة، في حين أنه ليس مصدر قذارة حين ينتج الآلات الجرارة وأشكال الـمُرَبَّى والأقراص المدمجة وغير ذلك.
ب.خصوصيات الفرجة الرياضية
في أفق فهم هذه المفارقة، يوائم غض الطرف عن جهة نظر الإنتاج وتناول الرياضة من وجهها الآخر، أي المنتوج أو الفرجة. ذلك أن الفرجـة لا تماثل باقي المنتوجات، ولا تهتم فقط بجعل الإنسان ينسى أصلها ومصدرها، بل تنجز ما هو أفضل: إنها تنفي وتنكر أصلها وتختلق أصولا أخرى.
وبخلاف أشكال الفرجة الأخرى (السينما، الأوبرا، السيرك، الرقص) تمتلك الفرجة الرياضية رهانا، أي نصرا يجب أن يتحقق هنا والآن. وهذا القرار (مباراة يجب الانتصار فيها، رقم قياسي يجب تحطيمه…) يتعين أن يراه الجميع في الوقت نفسه وبشفافية مطلقة ، دون كواليس أو خلفيات. كل شيء يتقرر هنا والآن، بين بداية الفرجة ونهايتها، وأمام أنظار الجميع، دون أمس أو غد ودون أنحاء. يمكن الإعجاب ببهلوان يلقي الناس على قفاهم ضحكا برغم أحزانه، ولا يمكن التسامح مع حارس مرمى أعسر بسبب مشاكله العائلية. الهدف هدف، هكذا كل شيء. لا توجد شروط حافة بالرياضة، لأنه لا توجد شروط إطلاقا. هناك فقط المباراة، المنافسة، الفرجة المرئية والملموسة، المدركة في عين الزمان والمكان.
وهذه الشفافية في الفرجة، تمنح الرياضة نمطا من الاستقلالية وتجعلها تنخرط في سلك إنكار الأصل. فالرياضة منتوج يلغي إنتاجه ليقيم محله قيمه الخاصة. إنه يعين لنفسه مصادر أخرى ويتصنع ولادات أخرى، ويستعمل لحسابه الخاص القرابات الموائمة للفكرة التي يشخصها في فرجته. ونتعرف هنا على ما يدعوه علماء الاجتماع: “الأدلوجة الرياضية”، التي تؤسس الرياضة على شيء آخر غير تاريخها: الطموحات الأبدية للطبيعة الإنسانية (تجاوز الذات، العنف)، البحث عن الهوية (الشوفينية، الإقليمية، التقاليد)، الميكانيزمات النفسية (المتعة، الاستجمام) أو المجتمعية (التميز، الجسد النموذجي). وفي جميع هذه الأحوال، تمثل الرياضة ابنا عاقا ينسى تاريخ ولادته في القرن التاسع عشر، وينسى كذلك الشروط المالية الهامة جدا في تطوره واستمراره. وباختصار، فإن “الأدلوجة الرياضية” إذ تضفي على الرياضة طابع الاستقلالية، تكرسها وتدعمها، محولة آثارها ونتائجها إلى علل وأسباب، وهو ما يلغي في النهاية هذه الأسباب نفسها.
ج. التطهيـــر
كل فكرة وكل أدلوجة تحتاج إلى براهين ، وكل صورة عن الذات يجب الاستدلال عليها والحجاج عنها. وإذا كانت الرياضة مستقلة وشفافة ورياضية في جوهرها وفي أصلها المأمول والمحلوم به. فيجب أن تظهر قادرة على التطهير وعلى نزع القذارات التي يمكن أن تهددها. ونقول “يجب أن تظهر” لا أن “تكون قادرة” فقط، لأن التطهير نفسه يجب أن يكون مذهلا ويستحق المشاهدة ، أي يجب أن يكون فرجويا. فلا يمكن أن تقدم الرياضة تصريحات وأن تعلن تظاهرات، بل يجب أن تقدم فرجة. الرياضة لا تبرهن بل تظهر، إنها منذورة للبداهة.
يكتسي التطهير مظهرين :
– أولهما أنه لا يرتبط إلا بالفرجة ولا يهم الإنتاج، لأنه يزيح الإنتاج بكيفية استباقية.
– ثانيهما، طالما الرياضة تستعلن أو تبدي نفسها مستقلة، فإن القذارات التي تهددها يجب أن تكشف عنها هي نفسها بكيفية ذاتية. فلنفحص هذين المظهرين عن كثب :
1- الجنح والجرائم التي يمكن أن ترتبط بآلية إنتاج الرياضة دون أن تؤثر في الفرجة، لا تهم في شيء صورة الرياضة. فإذا كان رئيس اتحاد فيدرالي يتهرب من الضرائب ، فهذه جريمة لا تؤثر على صورة الفريق. ذلك أن تدهور الأخير وانحطاطه وسقوطه يعود بالأولى لا إلى الحدث الرياضي، وإنما إلى التخفيض بعد الإفلاس. إن الرياضة لا تهددها التدابير المشكوك فيها ولا أثر لهذا على الفرجة، لا خداع ولا تواطؤ.

إيف فاركاس

ترجمة وتقديم

د. عبد الجليل بن محمد الأزدي و ذة. بلعز كريمة

 

 

يتبع

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت