الموسم الماضي احرز برشلونة اللقب وحل ريال ثانيا واتلتيكو ثالثا، وفي الموسم الحالي اصبح اتلتيكو البطل وتوارى خلفه برشلونة ثم ريال، ومع ذلك لن تتغير نسبة الايراد من البث التلفزيوني وسيجني الفريق الملكي وبرشلونة اضعاف ارباح الفريق الذي يقوده الارجنتيني دييغو سيميوني.
غير أن ذلك يثبت جمالية كرة القدم التي تعاني من سطوة الاثرياء على الاندية عندما يؤكد اتلتيكو بأن «المال ليس كل شيء في كرة القدم»، وتابع جمهور كرة القدم في العالم بداية الموسم الحالي دفع ريال مدريد وبرشلونة 184 مليون يور لضم الويلزي غاريث بيل والبرازيلي نيمار بينما استغنى اتلتيكو عن مهاجمه الكولومبي راداميل فالكاو نظير 60 مليون يورو لنادي موناكو.
تلك الحسابات والأرقام لا تعني شيئا مع مدرب من طراز سيميوني الذي تولى تدريب اتلتيكو مدريد يوم 23 ديسمبر 2011 والفريق كان يقبع في المركز العاشر، ليأخذ بيده الى المركز الخامس في نهاية الموسم قبل احراز كأس دوري اوروبا التي ألحقها بكأس السوبرالاوروبي على حساب تشلسي، وفي الموسم الماضي حل ثالثا في «لا ليغا» بينما حقق كاس الملك على حساب ريال مدريد في النهائي. وتقفز حادثة طرد الانكليزي ديفيد بيكام في مونديال فرنسا 1998 امام الأرجنتين الى الذهن لدى ذكر اسم سيميوني نتيجة تركيز صحف بريطانيا على تلك الحادثة وتكرارها في كل مناسبة يتصدر فيها الارجنتيني الحدث حيث نال النجم الانكليزي السابق البطاقة الحمراء من الحكم الدنماركي كيم نيلسن بعد مبالغة سيميوني في رد فعله في بداية الشوط الثاني من المباراة التي خسرتها انكلترا 3-4 بركلات الترجيح بينما بات بيكام بعدها شخصية مكروهة لدى كثير من المشجعين ولم تتغير صورته إلا بعد مونديال 2002 بعد تسجيله هدف الفوز من ركلة جزاء على الارجنتين.
وخطف سيموني الاضواء الموسم الحالي بعد أداء رهيب لفريقه حسم فيه لقب الدوري الاسباني لصالحه بعد صراع مرير و طويل مع الكبيرين برشلونة وريال بيد أن التتويج جاء وسط اجواء مثيرة لانه حدث في «نو كامب» بعد التعادل 1-1، واحتفل جمهور المدينة «الكادح» للمرة الأولى منذ 18 عاما، وفي تلك المرة كان من ضمن الفريق البطل سيميوني نفسه.
سيميوني وفريقه ربما أرادوا في هذا الموسم اعادة كتابة التاريخ من جميع جوانبه، فبعد الاطمئنان للدوري المحلي، كانت المغامرة في دوري أبطال أوروبا أكثر رعبا حيث تخلص اتلتيكو في دور المجموعات من بورتو وزينيت واوستريا فيينا قبل ان يلقي بميلان خارج الدور الثاني وبعده برشلونة واخيرا تشلسي ليحجز التذكرة الى ملعب دالوش (النور) في لشبونة لمواجهة الجار اللدود في انجاز غاب عن اتلتيكو لمدة 40 عاما، حيث تاهل الى نهائي البطولة موسم 1973-1974 امام بايرن ميونيخ لكنه خسر بعد احداث درامية، فالفريقان تعادلا 0 0 في الوقت الاصلي من النهائي الذي جمع الفريقين في هيسل في بروكسل يوم 15 مايو 1974 وبعد التمديد منح الراحل لويس اراغونيس (مدرب اسبانيا الحائز على لقب يورو 2008) النادي الاسباني التقدم من ركلة حرة في الدقيقة 114،وبدا ان اتليتكو على وشك ان يصبح بطل أوروبا لكن بايرن تعادل في الدقيقة الاخيرة، واضطر الفريقان لخوض مباراة جديدة انتهت لصالح الفريق البافاري 4- 0.
ولا يمكن مقارنة سطوع فالنسيا و ديبورتيفو لاكورونا قاريا قبل أكثر من عقد مع توهج اتلتيكو حاليا، لأن اسبانيا، ببساطة، لم تكن كما هي عليه الآن من نفوذ وهيمنة، كما ان سيميوني يعتمد على دفاع شرس لكنه لم يكن سلبيا بل يمتلك المبادرة الهجومية متسلحا بلياقة بدنية عالية وروح مذهلة للفريق، لذا جاءت عروضه جذابة فيما فرض المدرب الارجنتيني احترامه على المنافسين بالأداء الثابت رغم المتغيرات وغياب العناصر الاساسية لسبب أو لآخر.
ويتحدث النقاد عن قدرة سيميوني العجيبة في تحفيز لاعبيه الامر الذي ساعد في اكمال الصراع حتى النهاية محليا وقاريا رغم ان القائمة التي يضمها اتلتيكو لا يمكن مقارنتها مع الاحتياط في ريال وبرشلونة، ولعبت سياسة اتليتكو في بيع ابرز نجومه موسميا كثيرا في تلك النظرة، فالنادي دأب على بيع النجم الأبرز كلما تلقى عرضا مغريا، فاستغنى عن فرناندو توريس وسيرجيو اغويرو ودييغو فورلان وراداميل فالكاو، وعلى قائمة الانتظار المهاجم دييغو كوستا.
ويتميز اداء اتلتيكو بالانضباط لدرجة ان المنافس ينتظر زلة واحدة لاستغلالها لكنه يعجز عن ايجادها، ويلاحظ المتابع شغف اللاعبين بوضوح، ويكفي متابعة التركي أردا توران لمعرفة حجم الحماس الذي يضخه سيميوني في لاعبيه، ويشعر الخصم عندما يلعب امام اتلتيكو بانه لايعرف كيفية الحاق الهزيمة به، لان الفريق الذي يدربه سيميوني لا يعرف الكلل فهو يتمسك بالفوز بأسنانه وأظافره حتى اخر رمق، ويقول الناقد براين غلانفيل ان سيميوني لديه روح الولاء للفرق التي لعب لها لذلك كان عليه من السهل تعليم ذلك للاعبين.