ماذا لو يكتب بنكيران مذكراته يوما ؟ !

ماذا لو يكتب بنكيران مذكراته يوما ؟ !

- ‎فيرأي
2468
0

 

اسماعيل رحوتي

اسماعيل الحلوتي

لا نعلم إن كانت حظوظ السيد بنكيران، للعودة إلى رئاسة الحكومة، مازالت قائمة في الاستحقاقات القادمة، بعد أن أخطأ طريق الوفاء بما تعهد أمام الناخبين من نماء ورخاء، وتاه في عرض الفيافي بين أشواك الإخفاقات ولهيب المؤاخذات. ولا إن كان سيقدم يوما على كتابة مذكراته، بعدما أمسى هذا الجنس من الكتابة، تقليدا واسع الانتشار، وتجارة رائجة ومربحة، حتى لو كانت ممزوجة بالخيال والافتعال. فلتضخم أناهم وارتفاع منسوب غرورهم، يلجأ بعض الزعماء السياسيين والنقابيين، والمسؤولين الحكوميين…إلى إصدار مذكراتهم بغرض تبييض سيرهم الذاتية. ولأنه ليس أقل شأنا من سابقيه، باعتباره رئيس حكومة وأمين عام حزب كبير، ما المانع من ركوب صهوة هذه المغامرة، مادام يجيد فن “التبوريد”؟
فالأكيد أنه لن يكتب ما يقنع شعبا أو يفجر وضعا. سينطلق من النشأة والعمل الدعوي والحزبي، ثم ينتقل إلى الأكثر تشويقا: غريمه السيد: حميد شباط، الذي مزق الائتلاف الحكومي في بداية المشوار وانسحب بافتخار، دون إغفال الحديث عن تلك الكائنات من العفاريت والتماسيح، التي ظلت مجهولة الهوية خلال توليه المسؤولية. إنه رغم المرجعية الإسلامية لحزبه “العدالة والتنمية”، لن يعدم حيلا للتضليل كما هو دأبه، في تبرير قراراته اللاشعبية. لن يعترف بأخطائه، ولن يعتذر للشعب. فالباطل كما يزعم من ألد أعدائه، وأنه وسداد الرأي صنوان، وقد يكون ثالثهما مستشاره الخاص ووزير الدولة السيد: عبد الله بها، الذي لولا مؤازراته لكان قدم استقالته منذ الانطلاقة غير الموفقة، من غير صلاة استخارة ولا مراجعة الأمانة العامة للحزب، بعدما اكتشف بغتة جبالا من المشاكل لم تكن تدور بخلده، وكأنه كان في خلوة طويلة الأمد إبان فترة المعارضة. وزاد بأنه لن يستطيع بمفرده مكافحة الفساد والاستبداد، وألا مخرج له عدا الانتظار حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا…
السيد بنكيران، عنيد وسريع الانفعال، يحب السيطرة ويكره “الماكياج” والجدال، واسع الخيال، ويجيد التوغل في الأدغال. يميل إلى “التعصب” ونسج الملاحم والبطولات، أكثر من إنتاج الثروة وجلب الاستثمارات. متمرس على التملص من المسؤولية، وإشعال الحرائق البرلمانية، لا يهمه الانتقال الديمقراطي ولا الإصلاحات الدستورية. حباه الله بذاكرة “جمل” ورشاقة “نمس”، غزيرة أقواله وشحيحة أفعاله. ومما لا شك فيه، أنه يتميز أيضا بنفس طويل في”تسويد” الصفحات وتلوين اللوحات …
بيد أنه، سيجد نفسه ملزما بالرد الصريح عن تساؤلات من قبيل: لماذا لم يتمكن من اتخاذ قرارات شجاعة ومصيرية لإسعاد المواطنين، وتعمل على تخليق العمل السياسي والحياة العامة، واسترجاع الأموال المنهوبة ومعاقبة المتورطين؟ لماذا تم غض الطرف عن تقارير المجلس الأعلى للحسابات وغيره، الفاضحة لاختلالات التسيير في المؤسسات العمومية، والخروقات المالية في الصفقات، خصوصا ما يتعلق منها بالأدوية واللقاحات الفاسدة؟ من الذي صده عن إعادة توزيع عادل لخيرات البلاد وفرض ضريبة على الثروة؟ وهل كان ضروريا في ظل ما أعلن عنه من تقشف، أن يلوذ رئيس مجلس النواب السيد: رشيد الطالبي العلمي، بإغراء البرلمانيين لحضور الجلسات بما كلف ميزانية الدولة 17 مليار سنتيم؟ لماذا أخفق في وضع استراتيجية للقضاء على الرشوة والمحسوبية واقتصاد الريع؟ وما إلى ذلك من الأسئلة الحارقة. عموما، سيظل الشارع يذكر له اعترافه/المهزلة، بأنه جاء فقط لتقديم العون !
فالرجل ظهر أكثر استفزازا وهو يراقص حفيديه، ولم يكن أبدا مستعجلا لتفعيل مقتضيات الدستور، ولا حافلا بما يجري حوله من ردود فعل قوية على مستوى المعارضة وبين المواطنين وفي الإعلام، عن سوء إدارته للشأن العام وعدم قدرته على تدبير الاختلاف. وقد لا يشير في مذكراته إلى حركة 20 فبراير المجيدة، ولا إلى مسيراتها الحاشدة، ولا إلى من انضم إليها من تنظيمات وجمعيات حقوقية وشخصيات عامة من مختلف التيارات والمرجعيات السياسية والعقائدية، ولا إلى أشكال احتجاجاتها ومطالبها: إسقاط الفساد والاستبداد، ترسيخ ملكية برلمانية، صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة… ولا إلى عدم تأخر جلالة الملك محمد السادس في الاستجابة الواسعة، التي فاقت توقعات الملاحظين الدوليين وتطلعات المواطنين، عبر خطابه التاريخي ليوم: 9 مارس 2011، ولا إلى توظيف شعاراتها المنددة بالأوضاع المزرية، والداعية إلى الحرية والكرامة الإنسانية، توفير الشغل والعلاج، ومحاربة الفقر والأمية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، في استمالة قلوب المواطنين ودغدغة مشاعرهم أثناء حملاته الانتخابية… وإذا ما اضطر إلى ذكرها، فقد يقول أي شيء عدا الامتنان بما لعبته من دور ريادي في بلوغه دفة الحكم، ويكتفي بالتركيز على أن الشعب، بفقدانه الثقة في الأحزاب التي تداولت الشأن العام، وبالنظر إلى كون حزبه لم يسبق له تحمل المسؤولية، ويتصف دون سواه بالطهرانية، فإن الناخبين انحازوا إلى “الحق” ولم يترددوا في التصويت عليه بكثرة، ما جعله يتصدر النتائج ب 107 مقعد نيابي، وأنه في إطار المنهجية الديمقراطية، أسند إليه منصب رئاسة الحكومة، لكن لوبيات الفساد لم تترك له مجالا للإصلاح، من خلال حملات التشويش…
لقد اتسمت حكومته في نسختيها بخيبات أمل مفجعة، إن نذكرها لا يمكن إحصاؤها.. فعن أي شيء يحكي للأجيال القادمة؟ عن “التشرميل” وغياب الأمن، أم عن أزمة التعليم وعسكرة الجامعة، وتدهور الوضع الصحي، وتعثر إصلاح القضاء؟ عن تهميش المرأة، أم عن عجزه في تنزيل قانون الإضراب والاكتفاء بالاقتطاع من رواتب المضربين؟ عن عفوه الشهير على المفسدين وتجميد الاستثمار، أم عن تكميم الأفواه وتكسير الأقلام، وإفراط القوات العمومية في العنف ضد المحتجين السلميين وبهدلة الصحفيات؟ عن تراجع مؤشرات التنمية وتقهقر البلاد إلى المراكز المتدنية، أم عن امتثاله لشروط المؤسسات المالية، ورهن مستقبل الأجيال للمزيد من المديونية؟ عن قراراته اللاشعبية برفع أسعار المحروقات وضرب القدرة الشرائية، أم السكوت عن تبييض الأموال وغياب الحكامة الرشيدة ؟ عن تسريح العمال أم عن إغلاق قنوات الحوار مع المنظمات النقابية والهيئات السياسية؟ عن إزاحة أحد أعمدة حزبه السيد: سعد الدين العثماني، من منصب وزارة الخارجية لفائدة من ظل يعتبره مفسدا السيد: صلاح الدين مزوار، أم عما لقيه ذاك المهندس الشاب من عقاب، عندما رفع -طبقا للقانون- الستار عن قضية تبادل العلاوات بين وزارة المالية والخازن العام؟ عن تقديم العزاء في وفاة مريديه باستغلال طائرات الدولة أم عن الصورة السيئة لجلسات البرلمان ومعاركه الضارية؟ عن اغتصاب الأطفال وتزويج القاصرات أم عن ارتفاع نسبة البطالة واتساع دائرة الفقر والأمية؟ عن تنامي حالات الاكتئاب وفظاعة الانتظار والانتحار، أم عن تحلله من التزام سلفه الوزير الأول السابق السيد: عباس الفاسي، فيما يتعلق بتشغيل أصحاب محضر 20 يوليوز، الذين وصفهم بالمختلين عقليا؟
كثيرة هي الإخفاقات، التي كان من الممكن تجاوزها أو تحويلها إلى انتصارات، لو استطاع التخلص من عناده والتوقف عن ظنونه، وأصاخ السمع جيدا لما ترد عليه من مقترحات وبدائل، من مختلف الجهات أغلبية ومعارضة. ولعل آخر هزائمه، هي اندحار حزبه يوم: 24 أبريل 2014، في الانتخابات الجزئية بالدائرتين المحليتين: مولاي يعقوب وسيدي إفني. فهل سيتحلى بالشجاعة الأدبية، في التعرض لبعض أخطائه دون التذرع بمبررات واهية؟ فما لا يمكن إخفاؤه، هو أنه أول من نال شرف تسمية: “رئيس حكومة” بعد انتخابات الحراك الشعبي والربيع العربي، في ظل دستور متقدم منحه صلاحيات موسعة، دون أن يتمكن من استثمار الفرصة الذهبية، التي قلما يجود بمثلها الزمان، في نزع فتائل الاحتقان، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية… وما لجوؤه مؤخرا إلى الحديث عن محاولة اغتياله، قرب أحد المساجد بفرنسا عام 1995، إلا دليل على تهاوي مصداقيته وتآكل شعبية حزبه، وأن ما يروج على لسانه من لغة خشبية: “الدولة العميقة” و “باع الماتش”، هو تجسيد للمثل القائل: “كل إناء بما فيه ينضح”…

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت