انتحار الشابة مريم هاسك وفي نفسها أقصى درجات الحيف الاجتماعي .. لاشيء أقسى على النفس البشرية أكثر من الشعور بـ« الحكرة» والظلم المجتمعي- فيديو

انتحار الشابة مريم هاسك وفي نفسها أقصى درجات الحيف الاجتماعي .. لاشيء أقسى على النفس البشرية أكثر من الشعور بـ« الحكرة» والظلم المجتمعي- فيديو

- ‎فيمجتمع
3728
0

mqdefault

انتحار مريم هاسك ذات الخمسة عشر ربيعا بسبب الفقر والتهميش، وتحت تأثير محاصرة الآخر لها في الإعدادية والشارع وفي كل مكان، لا لشيء سوى كونها فقيرة وتعيش بقلب خيمة بكاريان مع عائلتها التي أقصيت من الاستفادة من برنامج إعادة الإيواء بحي الفداء بالدار البيضاء، بدعوى التفرع العائلي، يسائل المسؤولين عن قطاع السكن ببلادنا، بالدرجة الأولى، والمسؤولين عن مثل هذه البرامج التي تفتقر إلى بعد النظر والمسح القبلي الشامل لمثل هذه المبادرات التي كان عليها أن تأخذ في الاعتبار مثل هذه الحالات الاجتماعية، التي هي من تحصيل حاصل، والقيام بإحصائيات دقيقة للعائلات المستهدفة، قبل الشروع في ترحيل البعض وعزل البعض الآخر وتركه عرضة للعراء والسخرية… وهو ما كان محط اعتصامات ووقفات احتجاجية بمختلف المناطق المستهدفة كواقع وجب التعاطي معه بحكمة ومرونة وفق ما تقتضيه كل حالة اجتماعية.

إن هذه الحالة المؤلمة، تستوجب إعادة النظر، في مثل هذه السياسات الإسكانية العقيمة، التي يراد من خلالها القضاء على دور الصفيح بأي ثمن، ومسابقة الزمن لإنجاح تلك المخططات والبرامج «الإيوائية ـ الإقصائية» في المدد المحددة لها دون مراعاة انعكاساتها الوخيمة لتي قد تنغرس سهامها القاتلة في كيان الأبناء، الذين يكونون الضحية الأولى لها، اجتماعيا ونفسيا، وعرضة لأقصى درجات الإقصاء والمضايقات ومظاهر العنف اللفظي التحقيري بوخزاته اللاذعة، التي قد تسفر عن ردود فعل مؤسفة.

فلا شيء أقسى وأمر على النفس البشرية أكثر من الشعور بالحكرة والحيف الاجتماعي والظلم المجتمعي الذي قد يزيد من تعميق الجراح ويكاد يجهز على ما تبقى من ذرات الصبر وتحمل واقع لاإنساني إقصائي لا يرحم.. تحول معه الفقر إلى شتيمة ووصمة عار على جبين الأطفال والمراهقين الذين حكمت عليهم الأقدار أن يروا النور في واقع مظلم تنعدم فيه أبسط ظروف العيش. ورغم تعايشهم مع هذا الواقع فإنهم مع ذلك يظلون عرضة للتحقير والاستهزاء من طرف بعض نظرائهم من المراهقين الذين يفتقدون للأسف إلى الوعي الكافي بضرورة احترام مشاعر وكرامة الآخرين، ووضعهم الاجتماعي، الذي لم يكن من اختيارهم طبعا، وهنا يدخل العامل التربوي ومدى نجاعته في التأسيس لهذه القيم، وترسيخها لدى الناشئة والشباب من خلال إدراجها ضمن البرامج الدراسية، والأنشطة المدرسية الموازية.

بهذه الرسالة ودعت الشابة مريم عالمنا، وفي نفسها أقصى درجات الحيف المجتمعي.. بهذه الكلمات المؤثرة وضعت مريم حدا لحياتها، ولسلسلة قواميس التحقير والاستهزاء، التي كانت تتعرض لها يوميا.. بهذه الكلمات ودعت مريم هاسك القصور الفكري والتربوي المبني على التعايش وقيم الاعتدال والتكافؤ واحترام الآخر بظروفه الاجتماعية القاسية.. بهذه الكلمات ودعتنا هذه الشابة البريئة رغم استشفاف رائحة الأمل في طيات رسالتها الأخيرة.. ورغم كونها سبق وأن دقت ناقوس الخطر بالإفصاح عن ذلك لعائلتها وبمرارة قبل الإقدام على الانتحار لكنها لم تجد من يأخذ بيدها ويقوي إيمانها بذلك الأمل:
«لا شيء يجعلك عظيم إلا ألم عظيم
فليس كل سقوط نهاية
فسقوط المطر أجمل نهاية
لولا الأمل في الغد
لما عاش مظلوم
حتى اليوم.»
هو السقوط يتكرر مرتين …ومريم تجسد واقع مدينة كبيرة بحجم الدار البيضاء بكل تناقضاتها، ونموذج آلاف الأطفال الذين يعانون ويكابدون في صمت..فمتى سيفك طوق الصمت عن أفواه الأطفال الأبرياء ضحايا التمييز الاجتماعي والفقر والهشاشة.. ويجدون من ينصت إليهم. صحيح أن كل واحد يتفاعل مع الحياة حسب إمكانياته النفسية وقدراته الفكرية..ولكن في غياب أبسط ضمانات العيش الكريم ..في حق المواطنة..في غياب الحوار في غياب السند المجتمعي والحضن الأسري..فإن الحياة قد تبدو لأطفال سريعي التأثر، غير ممكنة والأمور تتفاقم أكثر فأكثر في غياب سبل التواصل الأسري والمجتمعي .
رحيل مريم بهذه الطريقة المأساوية، يعري واقع الحال، ويؤكد الحاجة إلى قيم مجتمعية بديلة كفيلة بإشاعة سلوكات مبنية على التعايش بين مختلف الشرائح والفئات، في ظل اتساع الفوارق الاجتماعية، قيم تكفل الكرامة للجميع…كما يكشف بالملموس فشل سياسات إعادة الإيواء…التي تحتاج إلى حلول جذرية بعيدا عن الإجراءات الإقصائية المتبعة بدعوى الإكراهات. فصب البنزين على النار لن يزيد إلا من إذكاء جذوتها ولن تخمدها قطرات المطر التي لم ترو عطش مريم هاسك…

 

محمد بوحمام

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت