إن المطلع على سيرة المعتقل “الخامس مفيد ” القابع في سجن الزاكي بسلا سيقف مشدوها أمام طبيعة شخصية هذا المناضل الفذ. الإنسان البسيط المنحدر من وسط قروي بئيس، وعائلة معوزة لا حول لها ولا قوة.
ترى فيه الأمل.
ترى فيه الحاضر والمستقبل.
ترى فيه المخلص من حالة العوز وضيق الحال .
عائلة ترى فيه الشمعة التي يمكن أن تضيء بيت العائلة وتزيح عنه ظلامه الدامس الغارق في السواد من جراء المعاناة.
عانى الخامس مفيد الأمرين ليكمل دراسته ويحصل على شهادة الإجازة في الدراسات العربية من جامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، ثم واصل مسيرته العلمية بالكد والاجتهاد. توج كل ذلك بالحصول على شهادة الماستر في اللسانيات التوليدية.
رغم الوضع المادي المزري للعائلة واجه مفيد الصعاب بتحد وبصبر ، ففتح لنفسه النضال على جبهات متعددة:
1 جبهة أولى: تتمثل في العمل والبحث عن لقمة العيش آنية له ولعائلته بأي ثمن، المهم أن يحصل على قدر مادي شريف يعيل به نفسه .
2- الجبهة الثانية: تتجلى في عزمه وإصراره على إكمال دراسته العلمية، وهو الآن في اللحظات الأخيرة ، بل قاب قوسين أو أدنى من إكمال بحثه لنيل شهادة الدكتوراه تخصص اللسانيات التوليدية من جامعة ابن طفيل، فهو طالب باحث نشيط، شارك في مجموعة من الندوات العلمية و له مجموعة من المقالات العلمية الأنيقة والمتميزة.
3– جبهة ثانية: تتمثل في مطالبته بحقه في الوظيفة العمومية مثله مثل باقي أقرانه من أبناء الشعب الفقراء الذين ليس لهم- والله- لا عم ولا خال ولا معرفة من بعيد أو قريب بشخص مهم يساعدهم في الحصول على وظيفة، لكن لهم بالمقابل أفكارهم وقناعاتهم المعقولة وإيمانهم الراسخ بعدالة قضيتهم.
اختار الخامس مفيد لنفسه -في هذا الصدد كباقي أقرانه الذين سبقوه- النضال من داخل شوارع الرباط معطلا حرا، إيمانا منه بأن الحق ينتزع ولا يعطى. تحمل العصي والهراوات والضربات التي هشمت جسمه المنهك تباعا دون أي رحمة أو شفقة.
لم يشتك يوما رغم تعدد جبهات نضاله، بل كانت سمته في ذلك الصبر. اعتقل في غير ما مرة من دون أي مبرر وهدد، فلم يدفعه ذلك إلى التراجع وتكريس ثقافة الخنوع والخضوع والخوف ، ازداد مفيد قوة وعزيمة وعنفوانا وصبرا.
مفيد أيها القراء الأعزاء حاور العديد من وزراء الحكومة متسائلا معهم عن وضعيته ووضعية باقي زملائه من موقع مسؤولية، كان آخرها دخوله في نقاش بأدب ووقار وحشمة ممزوجة بثقة عالية في النفس وبحرقة تغلي فيه.
سائلا الوزير عبد العزيز رباح أحد صقور حزب العدالة والتنمية بعد أن حاول الأخير تبرير عطالة الشباب المغربي:
– وهل القضاء مستقل؟
فلم يجب الوزير عن السؤال لأنه يعرف مراميه، ويدرك أن الذي تساءل استنكاريا على حق فعلا.
وعوض أن يجمع الوزير باقي الوزراء ليناقش بمعيتهم عدم استقلالية القضاء وعن سبل إصلاح ما يمكن إصلاحه، نجده قد انفرد وباقي مكونات حزبه بوزير العدل والحريات مصطفى الرميد الذي هو منهم لينتقم لنفسه وللإحراج الذي سببه له هذا المعطل الفضولي في نظره.
كان من نتائج هذا الانفراد أن تم اعتقال السائل مفيد بمعية أصدقاء له بتهم واهية وغير معقولة، عرضوا على إثرها على المحكمة الاستئنافية بالرباط كجناة وسيحاكمون طبقا للقانون الجنائي رغم أنهم ليسوا بمجرمين أو قطاع طرق أو ناهبي المال العام أو مفسدين أو مصاصي دماء.
ذنبهم الوحيد أن آباؤهم وأمهاتهم دافعوا على ضرورة تعلمهم يقدموا خدمات لوطنهم في مختلف التخصصات. ويعوضوا عائلاتهم ما عانوه من حرمان.
أليس هذا هو الظلم بعينه بعينيه؟ عوض أن يسجن ناهبو المال العام والمتورطون في ملفات الفساد ، نجد العكس هو الذي يحصل مع أبناء هذا الوطن الحبيب من الطبقة المثقة.