وزير العدل، مصطفى الرميد
“إنما يحكمون بالإعدام على نصاب، لأنهم يعتبرون أن النهب أشد من جريمة السرقة، لأن أي شخص من ذكاء متوسط يمكنه أن يحمي نفسه من السرقة باتخاذ بعض الإحتياطات، بينما الصدق يصبح بدون سلاح أمام محتال ذكي”.
العميد جوناتان سويفت (كاتب ايرلندي 1667 -1745)
تتبع الرأي العام المغربي والقضاء على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية عن مبادة لإحدى الجمعيات في إطار ما يسمى بتعزيز رقابة المجتمع المدني على القضاء المتمثلة في نشر الأحكام القضائية المعيبة التي فيها لتبعة التأشير بالرشوة، أو التدخل من طرف السلطة السياسية أو من أي طرف آخر في الأحكام القضائية، مذكرا ثلاثة أنواع من الأحكام المعيبة وهي الأحكام المكتوبة بخط يد القضاة والتي يصعب قراءتها والتي عبر صاحبها بأنها تكتب بالأرجل، تم الأحكام الغير الموجودة (الأحكام التي يتم نشرها والتعليق عليها من طرف المتخصصين شريطة أن يكون التعليق موضوعيا على اعتبار أن الأحكام القضائية عندما ينطق بها القاضي تصبح ملكا للعموم، بل الأدهى من ذلك أن المحامي المذكور صرح بأن الجمعية استشارت وزير العدل، الذي بارك الخطوة حسب تصريحه شريطة أخذ كامل الإحتياطات حتى لا يكون هناك تحامل على القضاة، مشيرا على أن هذا المشروع يحظى بدعم من قبل سفارةهولندا بالمغرب، ويهدف إلى ملاحظة أداء مختلف المحاكم والخدمات التي تقدمها، وذلك في إطار تفعيل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، وكذلك اقتراح توصيات بشأن تطوير أداء خدماتها، والحد من الرشوة والإقصاء، وتشجيع القضاة على إصدار أحكام جيدة والتنويه بذلك، وذلك عن طريق نشر بعض الأحكام المعيبة بعد دراستها والتعليق عليها من قبل خبراء قانونيين، وفي الوقت نفسه سينشر المشروع بعض الأحكام الجيدة التي تستحق أن يحتدى أخذا بالاعتبار إذ أن المفروض في جميع الأحكام أن تكون جيدة تحترم الحقوق.
واعتبر عبد اللطيف الشنتوف، الكاتب العام لنادي القضاة الذي يعتبر المحامي صاحب المشروع الدراع القوي الذي كان بجانب الزملاء في تأسيس هذا النادي حسب ما نشر في جريدة الصباح يوم 11/3/2014 العدد 4323، بأن نشر الأحكام دون انتقائية تفعيل للحق في المعلومة تاركا في تصريحه فراغا في موقف نادي القضاة حول أحقية هذا المشروع من عدمه دون اتخاذ موقف صريح وبناء باسم القضاة الذين يمثلهم وهو نفس موقف رئيس نادي القضاة في البرنامج التلفزي عن قناة ميدي 1 عندما طالب ممثل الودادية الحسنية للقضاة أن يعبر بكل وضوح عن موقف نادي القضاة من المشروع، فكان جوابه غير صريح ولربما هذا أمر طبيعي لأنه لا يمكن منطقيا أن يقع تناقض بين المساندين لهذه الجمعية (نادي القضاة) وأصحاب المشروع. وهو الموقف الذي نفض عليه الغبار أحد القضاة على صفحة الجرائد، والذي هو مستشار بالمحكمة الإدارية بالرباط وعضو جمعية عدالة ونادي القضاة والذي دافع عن فكرة صاحب المشروع بنفس العبارة أن ذلك يدخل في إطار الحق في المعلومة، ولا يتوقف على حكم قضائي، بل زاد أكثر من أصحاب المشروع بأن القضاء يصير قويا (وكأنه ليس كذلك) بتصحيح عيوبه بشكل علمي وسليم لأن الرقابة على العمل القضائي مسؤولية المجتمع المدني، والقضاء ليس شأنا خاصا بالقضاة حسب الأستاذ الهيني الذي استغرب سيادته من غياب فكر البحث العلمي عند المنتقدين لفكرة نشر الأحكام، وطبعا دائما في إطار فكر نادي القضاة بأنه ليس هناك أي نص قانوني يمنع نشر الأحكام النهائية! لأن قيمة الحكم حسب اجتهاده لا تعترف بالجهة المصدرة له، وإنما بالمبادئ المكرسة، وبأن كل ذلك ليس من شأنه التأثير على مسار الحكم! وزاد من علمه الوافر بأن نشر الأحكام إنما هي محاكمة ( ولم يذكر ضد من) لظروف اشتغال القضاة وجميع أجهزة العدالة (وأسطر على هذه الكلمة الأخيرة).
بل ومحاكمة القانون ذاته في عمليته التطبيقية، وفي تنزيلاته ( والمقصود منها أسمى قانون الذي هو دستور 2011) لأنه ربما هو الوحيد الذي هو بصدد التنزيل، وسيزيد هذا القاضي الإداري عضو نادي القضاة في تحليله العلمي الجديد بأن هذه المحاكمة تمتد جذورها إلى مساحة المقاربة والتحليل والدراسة إلى المشرع! والدفاع!، وكاتب الضبط، والخبير، والمفوض القضائي، ومستهلكي الخدمات القضائية، والمجتمع المدني والصحافة! بمعنى أن مشروع الرقابة في الحقيقة سيشمل كل مقومات الدولة ولم يذكر فقط الضابطة القضائية والسلطة التنفيذية، ربما لغاية في نفس يعقوب (انتهى تحليل القاضي الإداري).
لكن الأمور سرعان ما اتخذت مسارا آخر عندما طلعت جمعية وهي الجمعية التي كان يرأسها صاحب المشروع ببيان توضيحي تقول فيه رئيستها أنه من خلال تتبعها للتغطيات الصحفية، لعدد من الجرائد، والمواقع الإلكترونية أن هناك مشروعا تقدمت به جمعية وصرحت (يطلق عليها) أي أنها نكرة في نظرها (جمعية حقوق وعدالة) أمام وسائل الإعلام والفاعلين وهو المشروع المتعلق بنشر الأحكام القضائية المعيبة. ونظرا لما أثار هذا المشروع من التباسات وانتقادات لدى الرأي العام ، وأساسا منه وسائل الإعلام، والفاعلين المجتمعيين الذين يتعاونون مع جمعيتنا، أو يتابعون عملها، والذين اعتقدوا أن الأمر يتعلق بجمعية عدالة، وأن مصدر الالتباس هذا أساسا نابع من كون الرئيس السابق لجمعية عدالة المحامي عبد العزيز النويضي هو الذي ينسق المشروع المذكور، بالرغم من معرفته التامة بأن عدالة تشتغل عن نفس المشروع منذ حوالي سنة ونصف مع اختلاف الأهداف (أية أهداف) وتبرأت رئيسة الجمعية من هذا المشروع الهادف إلى التربص بالقضاة وبالقضاء، وتخويل الجمعية دور الرقيب على القضاة الذي ليس من اختصاصها، معلنة تأسفها لموافقة وزير العدل، الشيء الذي يمس مبدأ الاستقلالية عن الجهات الحكومية، كأساس للمبادئ المعتمدة للمنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان. وهي عبارات واضحة مؤدية إلى خلخلة مبادئ جمعيتها من طرف أصحاب المشروع محامين وقضاة النادي. ثم طلعت في جريدة أخبار اليوم يوم 11 مارس 2014 جمعية أخرى تدعي تمثيلية القضاة كتب شرطي مرورها (نسبة لما علق عليه في مقال بالعدد 1304 لجريدة أخبار اليوم) (الرالي والسلامة الطرقية). أيها القضاة احذروا النويضي سيراقب أحكامكم، وبأسلوب من يحرر مخالفة سير خلص صاحب المقال بعدما أثنى على صاحب المشروع بالجلالة، والأستاذية (أنظر المقال) بأن يصبح أصحاب هذا المشروع قضاة بمحكمة النقض (أنى لهم ذلك) في خضم هذا الحراك الذي أثاره المشروع اتصل الناطق الرسمي باسم الودادية الحسنية للقضاة بالسيد وزير العدل قبيل المقابلة التلفزيونية لمعرفة حقيقة ما صدر في الصحافة من كون وزير العدل أعطى موافقته المبدئية على المشروع وطلب من سيادته توضيح الأمر ليس باعتباره وزيرا للعدل ولكن باعتباره نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء نظرا لخطورة الموقف، ونظرا للرد العنيف الذي يمكن للودادية الحسنية للقضاة الجمعية الوحيدة ذات الشرعية التاريخية والمؤسساتية للجهاز القضائي بمقتضى القوانين الجاري بها العمل والخطب الملكية السامية، فأجاب السيد الوزير بل طلب نقل تصريحه بأمانة بأنه فعلا استقبل صاحب المشروع إلا أنه لم يعط أية موافقة باعتباره غير معني بمبادرة إنشاء جمعية من عدمها، مصرحا بأنه في حالة الإقدام على ذلك وهذا ليس موافقة. في نظره وإنما نصيحة يجب أن يستشار القاضي صاحب الحكم أو القرار.
وهو ما أكده ممثل وزير العدل في البرنامج التلفزي عن طريق ممثله لكن ما هو موقف الودادية الحسنية للقضاة، إذ أن هذه الأخيرة بما راكمته من تجربة، وتأني في اتخاذ القرارات، وحكمة في تدبير شؤون القضاة منذ ما يزيد عن نصف قرن، أبت، أن لا تعطي رأيها، حتى تكتمل صورة هذا المشروع ولعلها حسنا فعلت، إذ أن من جملة ما تلقفته من وسائل للإعلام وهي تبادر إلى الإعلان عن موقفها الرسمي، ودائما في جريدة أخبار اليوم الوفية لأراء نادي القضاة، وصاحب المشروع في عددها 1314 يوم 10/03/2014 “عنوان رسالة من النويضي إلى السيوري أمين جمعية عدالة” هذه الرسالة التي كشفت للودادية عمق الصراع المادي بين الجمعية الجديدة والجمعية القديمة، الذي بعد تذكير رئيسته بأنه كرم من طرف أنزه وأشرف نساء ورجال الوطن ومنهم على الخصوص عبد الرحمان بن عمرو وخديجة الرياضي، ومحمد الساسي، والجامعي وعبد الرحمان اليوسفي تقديرا للمجهود الكبير الذي قام به في إشعاع جمعية عدالة. وتساءل عن عبارة التربص بالقضاة التي عبرت بها زميلته الأستاذة السيوري وهي نفس العبارة التي نطق بها الناطق الرسمي للودادية الحسنية للقضاة في البرنامج المتلفز، وأوضح صاحب المشروع بأنه يرفض أي مزايدة أو إقحام لوزير العدل بل ذهب السيد النويضي على اتهام زميلته لتصفية حساب مع وزير العدل ومعه، وبأن الأمر ربما يحتاج إلى علاج نفسي أو يدخل في إطار علم النفس (مع الاعتذار للأستاذة السيوري حاك الكفر ليس بكافر(، هذا ما جاء مع الأسف في البلاغ.
إذ ننزه الزميلة بمناسبة 8 مارس عيد المرأة عن أي خدش في سلوكها النفسي، الذي نعتبره كقضاة في مستوى المسؤولية إذ لم يصدر منها لحد الآن في علاقتها مع الودادية الحسنية للقضاة، أي موقف يستدعي هذا التساؤل(.
إذن في هذا الإطار وبعد استجماع جميع التصريحات، بأمانة علمية، وأدبية، وبدون الدخول في أبجديات العمل الجمعوي القضائي لابد من توضيحات ربما تكون قد غابت عن قصد أو غيره من طرف جميع الآراء الحرة التي نقدس حريتها، ونختلف معها في الرأي لاعتبارات دستورية، وقانونية، وتاريخية لابد أن لا تعزب عن أذهان من أعطى العنان لقلمه أو لسانه أن يتكلم عن الشأن القضائي دون احترام هذه المؤسسة، وتاريخها، ورجالاتها، أو من تناسوا ما قاله يوما دونيس روبير الصحفي والروائي الفرنسي DENIS Robert وهو يستجوب سنة 1996 مجموعة من كبار القضاة الذين طبعوا الحياة القضائية الفرنسية في نهاية القرن الماضي في كتابة : “العدالة أو الفوضى”.
“بأن الإرشاء في أوروبا أصبح نوعا من لوطو، وبأن السياسيين في أوروبا لا يفعلون شيئا من أجل إعانة القضاة. وبأن سبعة قضاة في فرنسا قالو لا، وبأن العدالة عندما لا تطبق، بالنسبة للجميع، وبأنه إذا تركت الرأسمالية الرشوة والمال الحرام ينخر الميكانيزمات وإذا وقعت خيانة ثقة الناخبين، ولا يتحرك أي أحد فإن ذلك معناه الفوضى”.
ولتحاشي هذه الفوضى القانونية التي تعيشها أكبر الأنظمة الديمقراطية في أوروبا، لابد من الاستماع إلى صوت الحكمة، والرزانة، والقانون والمؤسسات، وما دمنا في بلاد تاريخها القضائي، الذي صنعه، رجالها، وملوكها، ومؤسساتها عبر قرون من الزمن، يجب أن يقف اليوم كل قاضي ضد هذه الفوضى، فإذا كانت فرنسا بعظمتها، اختزلت في صوت سبع قضاة، فإن الودادية الحسنية للقضاة اليوم، بمئات القضاة توضح للرأي العام اجتنابا لهذه الفوضى التي أراد البعض أن يطلقها، في صفوف الجسم القضائي، والمؤسسات الوطنية، في هذا الظرف التاريخي والانتقالي الدستوري، فإن قضاة المملكة الشرعيين يقولون “لا للفوضى” للأسباب التالية :
أولا : فيما يتعلق بنشر الأحكام القضائية
من خطاب صاحب الجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني يوم 24 أبريل 1995 :
« أحتكم بجدية وتأكيد على إصدار المجلات القضائية التي تصدر فيها أحكامهم، لأنني كنت أقر بعض الأحكام قبل خمسة عشر أو عشرين عاما، وكانت تلك الأحكام بتعليلها تشرف المغرب وتشرف القضاء المغربي، ولي اليقين أن هؤلاء القضاة مازالوا موجودين عندنا، وهذه النوعية من القضاة موجودة عندنا فعلينا أن نعرف بفلسفتنا القضائية، والمسببات القضائية فسيكون ذلك إثراء لجميع القضاة أولا، وسيكون مرجعا من المراجع فيما إذا حدث حادث، وسيكون بطاقة تعريف لنوعية القضاء المغربي وما يشتمل عليه من اجتهاد في الرأي ومن ابتكار في تكوين القضاة » انتهى النطق الملكي.
وبما أن الودادية الحسنية للقضاة الجمعية الوحيدة التي راعها ملوك المغرب باعتبارها الممثل التاريخي والشرعي والمخاطب لقضاة المملكة بمقتضى الخطب الملكية السامية وخصوصا منها لمن فاته ركب المعرفة نذكره بالخطاب الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء )مارس 2002(.
« وبذلكم تسترجع الودادية إشعاعها، وتحمل من جديد مشعل استقلال القضاء، والدفاع عن حقوق القضاة، وتحدد النهج القويم لعملها، ولمساهمتها في إصلاح القضاء، الذي يوجد اليوم في قلب عملية تغيير المجتمع وتحديثه، ودمقرطته وبناء دولة الحق والقانون والنماء والتقدم، أي في صميم اختيارات استراتيجية لا رجعة فيها وتحديات مصيرية يجب على المغرب أن يرفعها وهو ما لن يتم إلا بالمساهمة الحاسمة والفعالة للقضاء ». “انتهى النطق الملكي السامي”
ولمن خانه الإطلاع على التاريخ القضائي المجيد من أصحاب المشاريع والكتاب الجدد الذين سال بهم سقف التأليف في الشأن القضائي أذكرهم بالأمر المولوي الصادر عن جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني المؤرخ في 8 ربيع الأول 1420 الموافق ل 22 يونيو 1999 عندما أمر جلالته رحمه الله بإخراج مجموعة من الأحكام الصادرة عن الاستئناف الشرعي الأعلى إلى الوجود، بعد مراجعتها، واستخراج مبادئها والتعليق عليها وفهرستها، ونشرها، لتصبح سهلة المنال في يد القارئ وهو ما نفذته اللجنة العلمية المكونة من كبار قضاة المملكة المنتمين إل الودادية وعلى رأسهم
الأستاذ إدريس الضحاك
الأستاذ عبد العلي العبودي
الأستاذ محمد الصقلي
الأستاذ محمد بوزيان
الأستاذ محمد الأجراوي
الأستاذ أبو مسلم الحطاب
الأستاذ أحمد عرة
وتكليف للمنسق الأستاذ ميلود لقصير القاضي الملحق بالأمانة العامة للحكومة.
وبناء على الأمر المولوي وبهبة ملكية خاصة تم طبع الأحكام الصادرة عن مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى في مجلدين من
( 1338 – 1345 هــ)
( 1990 – 1927 م)
سنة 1420 هـ الموافق 22 يونيو 1999 م وبهبة ملكية سامية وفي مجلدين غاية في الجمالية والهبة القضائية.
ويستخلص من ذلك أن من له الأمر في نشر الأحكام القضائية هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره الضامن لاستقلال القضاء، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن تمويل الطبع والنشر والتعليق لا يكون أبدا من موارد أجنبية وإنما بهبات ملكية وأوامر سامية، وإذن مولوي اعتبارا للفصل 115 من الدستور الذي ينص على أن جلالة الملك هو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وكل تطاول على نشر الأحكام القضائية هو تطاول على الدستور وعلى المؤسسة القضائية من الناحية الشرعية، إذ ليس الأمر بيد وزير أو رئيس حكومة، أو قاضي، أو محامي، أو جمعوي وطني أو أجنبي مسألة إعطاء الإذن في نشر الأحكام والقرارات القضائية بصفة رسمية أو غيرها، أو ابتغاء أجر مالي، أو هبة، فمتى كانت الأحكام الصادرة باسم جلالة الملك وتطبيقا للقانون موضوع مساومات مالية أو البيع والشراء فيها بواسطة هبات أجنبية لا تعرف الجمعيات المانحة لها، تاريخ القضاء، وخصوصيته في بلادنا، أو وقع التحايل عليها، باسم البحث العلمي والعمل الجمعوي للإيقاع بمن يجهلون حتى بلغة تحرير قوانين في غياهب خلافات جمعوية حول هبات مالية.
ثانيا : إذا كان صاحب المشروع الذي هو محاميا وغير معذور بجهله للقانون لا يعلم بأن ما أقدم عليه في إطار العمل الجمعوي من محاولة أخذ إذن من وزير العدل عن طريق استغلال صفته كنائب لرئيس المجلس لأعلى للقضاء في هذه الفترة الانتقالية بمقتضى الفصل 178 من الدستور وهو ما فنده وزير العدل عن طريق ممثله، وتدعوه اليوم الودادية الحسنية للقضاة إلى إصدار بيان واضح في ذلك لتوضحة الأمر، حيث يبقى طلب موافقته كوزير وليس كنائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ألا يعتبر ذلك مسا باستقلالية الجمعيات الغير الحكومية المحرم عليها قانونا كما عبرت عن ذلك رئيسة جمعية عدالة مسا بمبدأ الاستقلالية عن الجهات الحكومية كأحد المبادئ الأساسية لعمل المنظمات الغير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان.
” أين هي حقوق الإنسان يا صاحب المشروع، وشهد شاهد من أهلها !“
ثالثا : ألم يقرأ أصحاب المشروع الرامي إلى التربص بالقضاة ومحاولة إقامة محاكم تفتيش في بداية الألفية الثالثة على القضاة المغاربة، متطاولين على مؤسسة القضاء كشويعر المتنبي الشاعر الكبير الذي كان تحت إبطه متناسيا بأن هيبتهم وقوتهم من قوة القضاء وضعفهم وهوانهم من ضعف القضاء، فهم بذلك يستحلون لأنفسهم مركز المراقب والرئيس والآمر والناهي، والفقيه، والقاضي، والعالم، والتقني، والجهبيذ، والنحرير، والشريف والنزيه، والتقي والمستقيم، والولي، والمقدم، على من ؟ على القضاة الذين أعطاهم القانون والدستور هذا الحق، لقد أطلعت على فصول القانون، ولم أجد نصا في جميع التشريعات العالمية يبيح التحجير على القضاة، فمن أين جئتهم بالله عليكم بهذه الأفكار، ربما يكون الأمر في هولندا التي منحتكم بعض الأوروات، هل سألتم الهولنديين أنفسهم الذين لم يسمح للقضاة في هذا البلد بإنشاء أكثر من جمعية واحدة للدفاع عن مصالحهم، خوفا من تفرقة صفوفهم التي يمكن أن تدخل بينها بعض الأوساخ والفيروسات السياسية والبكتيريات الدماغية التي تؤثر عن استقلاليتهم، فبالأحرى تمويل مشروع كحق أريد به باطل من أجل تبرير صرف هذه المبالغ، لغاية لا يعلمها إلا أصحابها. لكن انتظروا قليلا لقد قرأنا على صفحات نفس الجرائد المستخدمة كمنبر لمشروعكم خبرا مفاده أن رئيس الحكومة سوف يخضع أموال الجمعيات لرقابة المجلس الأعلى للحسابات خطوة تنهي عقودا من السيبة في تبذير أكثر من 250 مليار سنتيم.
لذلك تنبهكم وتنصحكم الودادية الحسنية للقضاة بضبط حساباتكم وصرفها في غير نشر أحكام مؤسسة لا شرعية واقعية ولا قانونية لكم عليها في استخدام أحكامها وقراراتها، كأصول تجارية مذرة للنفع، كان الأولى بها استخدامها في مهنتكم الحرة المحتاجة إليها، أكثر من القضاء الذي بفضل قناعة رجاله وعفتهم قرر أن تستغني حتى جمعياته، عن مثل هذا الفتات، حرصا على استقلاليته إذ تجوع الحرة ولا ترضع من ثديها ومن الأولى تنظيف بيت الإنسان أولا قبل أن يتطاول على تنظيف بيوت الآخرين.
رابعا : ألم يستحي أصحاب المشروع بأنه في الوقت الذي كان فيه أحدهم من مكونات اللجنة العليا للحوار الوطني، ألم يكن حريا به أن يستصدر تنزيلا دستوريا، لمشروعه، يعطي الحق للجمعيات بصراحة القانون في ذلك، أم أنه يعلم مسبقا بأن مكونات هذه اللجنة كانت ستستهزأ بفكره القانوني الخلاق في حالة طرح مثل هذه الخزعبلات وستتساءل عن تواجده بينها، في الوقت الذي أوصت في تنزيل الدستور بضمان استقلالية القضاة، وجعلت من مظاهر ذلك الفصل 76 من مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة (وهو بالمناسبة لازال موضوع أخذ ورد بين وزارة العدل، والودادية الحسنية للقضاة) والذي ينص على :
” يعهد إلى تقييم أداء القضاة إلى كل من :
– الرئيس الأول لمحكمة النقض بالنسبة للمستشارين بهذه لمحكمة وللرؤساء الأولين لمختلف محاكم الاستئناف.
– الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بالنسبة لأعضاء النيابة العامة بهذه المحكمة وللوكلاء العامين للملك لد مختلف محاكم الاستئناف
الرؤساء الأولين لمختلف محاكم الاستئناف بالنسبة للقضاة العاملين بهذه المحاكم ولرؤساء محاكم أول درجة التابعة لدوائر نفوذهم.
– الوكلاء العامين للملك لدى مختلف محاكم الاستئناف بالنسبة لنوابهم ولوكلاء الملك لدى محاكم أول درجة التابعة لدوائر نفوذهم.
– رؤساء محاكم أول درجة بالنسبة للقضاة العاملين بهذه المحاكم.
– وكلاء الملك لدى محاكم أول درجة بالنسبة لنوابهم.
– الرئيس المباشر بالنسبة للقضاة العاملين بالمفتشية العامة للشؤون القضائية أو المحاكم الإدارية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أو محكمة النقض أو السلطة الحكومية المكلف بالعدل.
ألستم من المشاركين في اللجنة العليا، أليس هذا القانون منبثق من توصياتكم، لماذا لم تكن فيكم الشجاعة الأدبية والفكرية التي بمقتضاها سمحتم لأنفسكم بدور الرقيب والترصد للقضاة بإضافة فقرة خاصة تجيز لجمعيتكم والجمعية الهولندية الممولة لمشروعكم، تقييم أداء القضاة، أليس الأداء القضائي هو ثلاثة ملايين حكم وقرار يصدرها قضاة المملكة سنويا، أتصور فعلا الصندوق الذي يمكن لكم المطالبة به لجمعية أخرى للقيام بهذه المهمة، وكيف ستديرونه من الناحية المالية تحت أعين ومراقبة المجلس الأعلى للحسابات نصيحتي إليكم أن تتريثوا قبل اتخاذ هذه الخطوات التي يمكن أن تنتهي بكم عند هؤلاء القضاة الذين تريدون أن تحجروا عليهم وعندئذ سوف يكون كلام آخر!
– رابعا: ألستم أنتم من المساهمين في تنزيل المادة 77 من مشروع نفس المدونة : “يحق للقاضي بطلب منه الإطلاع بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على آخر تقرير تقييم الأداء الخاص به وذلك قبل متم شهر يونيو من كل سنة.
يمكن للقاضي المعني بالأمر داخل أجل خمسة عشر يوما أن يقدم تظلما إلى المجلس بشأن سير الترقي المقترح له. إذا تبين للمجلس جدية تظلم القاضي يقرر نسق الترقي المناسب”
أليست هذه الضمانات هي في الحقيقة مسطرة لمنازعة القاضي لرؤسائه الذين خول لهم القانون المنبثق من الدستور وحده، الذي سهرتم عليه في اللجنة العليا، للطعن في تقييم إنجاز قراراته وأحكامه وهي أمور من القداسة بمكان، نص عليها الفصل، وحصر الأشخاص والمؤسسات المعهودة إليها بالحصر والنص، بالتقييم، لماذا لم تأمروا اللجنة بإضافة جمعيتكم التي لم تكن إلا في مخيلتكم، إذ بأية صفة يمكن لكم فرض شخصيتكم وجمعيتكم كرقيب على أحكام وقرارات القضاء التي حرمها حتى على وزير العدل باعتباره أصبح غير معني بمقتضى دستور 2011 بشؤون القضاء فما بال جمعية تخطو الخطوات الأولى في طريق لا يمكن لمن يريد ارتياده حتى يتوفر على درجة استثنائية في القضاء عمرها ما يزيد عن ثلاثين سنة إذ إذا رجعتم إلى الفصل 76 من مشروع القانون الأساسي أن المؤسسات الحصرية التي عهد القانون لها بتقييم القرارات والأحكام القضائية لا يمكن عمليا إلا في حالات نادرة جدا أن تكون دون مستوى الدرجة الاستثنائية. !
– خامسا : وأتوجه إلى صاحب مشروع محاكم تفتيش القضاة والتربص بهم، وهو محامي من أسرة القضاء يا حسرتاه ! أليس كان الأحرى بكم أن تقوموا بدور الرقيب، على مؤسستكم التي نكن لها كل التقدير والاحترام، أعلم علم اليقين انه لا يمكنكم ذلك لأنها محصنة بنقابات عتيدة مدافعة على منخرطيها، مجرد التفكير في ذلك سوف يترتب عنه إحالة صاحب الفكرة على المجلس التأديبي، ألم تعلموا أنه في فرنسا وفي عدة دول يمنع بمقتضى القانون على مؤسسة الوسيط وحتى في المغرب أن تقوم بتقييم وإصدار رأي ولو استشاري في حكم أو قرار قضائي، وأنه محرم عليها، في إطار مبدأ الفصل بين السلطات الإشارة إلى كون حكم أو قرار معيب لعدم اختصاصها، وأنه في فرنسا لا يمكن لهذه المؤسسة لا المناقشة ولا التعليق على القرار القضائي وإنما فقط رفع الملفات الغير المنفذة من طرف الإدارات العمومية إلى رئيس الجمهورية الفرنسية دون أية إشارة إلى العمل القضائي أو صاحبه احتراما لمبدأ فصل السلطات. وكذلك الأمر بالنسبة لبلادنا ومختلف البلدان في العالم.
– سادسا : ألا تعلمون بأن الفصل 380 من القانون الجنائي ينص:
“من تدخل بغير صفة في وظيفة عامة، مدنية كانت أو عسكرية، أو قام بعمل من أعمال تلك الوظيفة، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، ما لم تكن جريمة أشد”
أليس تقييمكم لعمل القضاة يعتبر قيام بأعمال الرؤساء والوكلاء الذين منحهم القانون بصفة حصرية ولأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية هذه الاختصاصات؟
– سابعا : ألا تعلمون بأن مقتضيات الفصل 266 من القانون الجنائي تنص:
” يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرتين الأولى والثالثة من الفصل 263 على:
1) الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية التي يقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاء، قبل صدور حكم غير القابل للطعن في قضية ما.
2) الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية التي يقصد منها تحقير القرارات القضائية أم يكون من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقلاله”
ألا تعلمون وهذه من أبجديات القانون الجنائي وأنتم تصرحون بأنكم سوف تعلقون على الأحكام الابتدائية والاستئنافية المعيبة، بأن هذه الأحكام حصنها القانون الجنائي من تطاولكم إذ أن الفقرة الأولى من الفصل 266 تنص أنه قبل الحكم الغير القابل للطعن، وقبل صدوره هناك خط أحمر لا يمكن أن يتم تجاوزه في قضية ما.
و أن اجتهادا لمحكمة النقض في نفس الفصل المطابق لقانونا الجنائي إذ اعتبرت هذه المحكمة في تفسير المادة 266 المذكورة أعلاه في قرارها المؤرخ في 29 يناير 1957 الصفحة 93- “بغض النظر على النقد الموجه إلى قرار قضائي في حد ذاته بالنسبة لتطبيق المبادئ القانونية والذي يمس شخص القاضي الذي أصدر القرار بصفته جارحة “Des Allégations blessantes” من شأنها المس بشرفه واعتباره تعتبر داخلة في مفهوم الفصل 266 المطابق للفصل الفرنسي”
وبأنكم عندما تصرحون بأن الغرض من مشروعكم هو التشهير بالقضاة الفاسدين والمشبوهين لتطهير القضاء بالنسبة للأحكام الابتدائية والاستئنافية المعيبة هو في حد ذاته عمل جرمي يدخل نصا واجتهادا تحت طائلة نصوص جنائية جاري بها العمل، وإذا لمسنا العذر لقضاة مبتدئين سايروكم بحكم مساندتهم لهم في عمل جمعوي وقضاة آخرين، غلب عليهم تخصصهم الإداري إذ لم يلتفتوا ولم يتفقهوا في القانون الجنائي، وآخرين نصبوا أنفسهم شرطة للمرور، وآخرون سامحهم الله لم يثنيهم تقاعدهم المريح في السلك القضائي عندما اعتبروا أن نشر الأحكام يؤسس لترانسبرانسي قضائية، ما أبعد القضاء وواجب التحفظ المفروض على مهنتنا، من هذه الترهات التي أحيا الله القضاة حتى أصبحوا يسمعون بهذه البدع باسم الحق في المعلومة وباسم المجتمع المدني، وما أحصن للقضاة من الابتعاد عنها، وتصريف شؤونهم بدون الاستقواء بغير القانون المنظم لنا، والنصوص التي تحمي أعمالنا والحصانة الكبرى التي توفرها لنا رئاسة جلالة الملك نصره الله للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
عن الودادية الحسنية للقضاة
الناطق الرسمي لها
نور الدين الرياحي