تنبيه أولي: بعض العبارات الواردة في المقال أتت في سياق سرد الأحداث ولا علاقة لها بأسلوب القذف٬ ومع ذلك المعذرة لكل من قرأ قراءة أخرى غير التي قصدها الكاتب.
سأشجع٬ ومعي ابنتي الصغيرة٬المنتخب الجزائري في مونديال البرازيل هذا الصيف٬سأصيح بأعلى صوتي٬ كما تفعل ابنتي أيضا٬”معاك يالخضرا” .
ولكن قبل ذلك٬ سأتابع باهتمام بالغ٬ الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها شهر ابريل القادم .البلد الشقيق وطني٬ كما هو المغرب وطني٬ كل ما يفرح الجزائريين لا بد وان يدخل البهجة إلى قلبي٬ وكل مأساة هناك ٬ تجعلني احزن و اتالم أنا أيضا٬هذا شعوري وشعور الكثير من أمثالي هنا في المغرب ٬مشاعر تربينا عليها في صبانا٬ وتجد لها جذورا في أحداث ومواقف عرفناها خلال أيام الطفولة والمراهقة.
اسم البلد الجار٬تعرفت عليه٬ احد أيام سنة ٬1976 وكان عمري وقتها سبع سنوات٬ كانت الجماهير تنادي بأصوات مزلزلة “الجزائر الجيعانة”في مظاهرة حاشدة نظمت بمدينتي.انخرطت مع الحشد بحماس دون أن افهم وقتها السبب٬ بطبيعة الحال ٬ ولا من تكون هذه الجزائر “الجائعة” .أشبعناها سبا وشتما نحن الأطفال الصغار٬ وكأننا نسب الجارة العجوز التي تحرمنا من لعب الكرة خلال أوقات قيلولتها٬ وعدت بعدها لأسمع الاسم ذاته تنطقه أصوات تنبعث من الراديو القديم الذي كان يملكه الشيخ الطيب٬ القاطن بنفس الحي٬ لم يكن يحب أي إذاعة أخرى غيرها و كان يحكي٬ و هو يستمع لها٬عن ذكرياته الكثيرة في هذا البلد ٬المقاومة في صفوف جبهة التحرير٬العمل في مزارع العنب و تهريب القماش وغيره من المواد٬ وصراعه المرير مع رجال الجمارك و الذي لم يكن يعادله إلا صراعه مع الجنود الفرنسيين حسب قوله…و شيئا فشيئا وجدت نفسي مستمعا وفيا للإذاعة الجزائرية كما يفعل الشيخ٬ وبعدها التلفزيون الذي كان افتتاح إرساله يسبق افتتاح إرسال تلفزتنا الوطنية..لقد عرفت وأنا ما زلت صغيرا أسماء اغلب المدن الجزائرية و حفظت جغرافيتها٬ كما تعرفت على أسماء بعض أحياء العاصمة ٬ وأسماء الإعلاميين والسياسيين والرياضيين و الفنانين٬ وأسماء البرامج و المنشطين٬ كل ذلك من خلال الإدمان على متابعة البرامج الإذاعية و التلفزية للبلد الجار٬رغم القصف الذي كانت تمطر به مرارا بلدي المغرب و الهجوم الإعلامي الذي كان يشتد و يخف تبعا لأحوال”الطقس السياسية”المخيمة على سماء البلدين . وهنا لا يمكنني أن أنسى تلك الجملة التي ألمتني كثيرا٬ والتي تلتها المذيعة وهي تبدأ نشرة الواحدة٬ “المغرب يعلن المجاعة”٬ لتعلن امتناع البلد عن القيام بذبح أضحية العيد ٬ كان ذلك في الثمانيات٬ربما كانت ترد ضمنيا بعد سنوات ٬ و بنفس المصطلح٬ على الشتائم التي رمينا بها بلدها خلال مظاهرات منتصف السبعينيات.
وعندما فتحت الحدود بداية التسعينات ٬ لم أتوان للحظة في زيارة هذا البلد العزيز على نفسي٬لقد كانت رغبتي كبيرة في اكتشاف هذا الوطن الذي التصق بمخيلتي منذ أيام الصبا٬ وعشت لسنوات أتمثل مدنه و قراه٬رجاله و نساءه٬ بحره و صحراءه.دخلت مغنية ظهرا وما شعرت قط إنني غادرت وجدة٬ الناس هناك هم الناس هنا٬ نفس القسمات و التعابير و المزاج ٬ لقد وجدت بلدا جميلا و أناسا طيبين و عائلات مضيافة٬ رغم الفاقة و قلة المواد الغذائية و الطوابير الطويلة أمام المخبرات و محلات البقالين .لم أفكر إلا قليلا في ملء البطن و أنا أتجول في مدينة وهران و جزئها الأوروبي معجبا أيما إعجاب بالهندسة المعمارية الكولونيالية ذات الحس الفني الرائع٬ والشواطئ الهادئة التي تعج بشباب مرح مستمتع بالحياة على نغمات الأغاني الجميلة للشاب الذي لا يريد أن يشيخ ٬الجزائر هي المغرب و المغرب هو الجزائر٬التشابه كبير والاختلاف جزئيات .
وتشاء الأقدار أن تستمر علاقتي بهذا البلد بعد ذلك وتتوثق أكثر٬ لقد كتب لي أن أصاهر عائلة لها امتداد في الغرب الجزائري. وصهري٬ رحمه الله٬ليس إلا واحدا ممن صعدوا الجبل يقاومون المستعمر الفرنسي مع جبهة التحرير ليرحل بعد الاستقلال إلى المغرب مستقرا و تاركا وراءه التاريخ و العائلة وما يملك.. و يموت بعد سنوات من دون نظرة وداع لا من إخوانه و أبناء عمومته هناك ولا من رفاق جبهة التحرير.
الآن٬والبلد مقبل على الاستحقاق المهم٬أتمنى أن يطالع المرشحون خواطري هذه٬ليعلموا حجم المعاناة النفسية التي يعانيها الكثير مثلي من جراء قطع الوصال بين أفراد العائلة الواحدة ٬ بين وطن واحد فرقته فرنسا إلى قطعتين٬ و أن يتحلى احدهم بالشجاعة السياسية ليجعل من احد أهداف برنامجه٬ ترميم ما ضاع لفائدة الذين قضوا و الذين ما زالوا ينتظرون.لست من السياسيين الذين ينتهزون الفرص لتهييج الشعبين لأغراض في أنفسهم ٬ ولا من الاقتصاديين الذين يغرقون في حساب الربح المادي الذي سيجنيه كل طرف على حساب الأخر…ولا من”الحلابة”و سائقي “المقاتلات”الذين يقتاتون من تهريب البضائع إلى الجانبين ٬ بل مواطن بسيط عاش طفولته مرتبطا بهذا البلد ووجد نفسه اليوم أبا لأطفال لهم روابط الدم والعمومة بمنطقة تلمسان والنواحي.
مشاكل الشعب الجزائري كثيرة و متشعبة ٬ وجزء منها مرتبط بالحدود المغلقة٬ وحكام البلد العزيز في سباق مع الزمن من اجل الزعامة٬ و بكل الطرق ٬ إنهم يستنسخون كل ما يقوم به المغرب٬ من المسجد إلى الملعب٬ ومن المصنع إلى المطار و من السيارة إلى الترام…ومن الدرس إلى المهرجان٬ هذا النقل لا يضيرني ولا يثير لدي أي سخرية٬ بل بالعكس تجدني فرحا و مبتهجا بما يفعلون٬لأنني أحب فعلا أن تكون الجزائر كما المغرب٬لا أن يتفوق احدهما على الأخر٬ولكنني لا افهم لم يعجزون حتى الآن عن رفع هذا الحاجز الحديدي المسمى ظلما حدودا٬ لقد جعلوه أقدس من المقدس…
ليرحم الذين يتحكمون في مصير الجزائر هذا الشعب المسكين ٬ليرفعوا قبضتهم عن مرشحي الرئاسة٬ وليسمحوا للذين يشعرون منهم بما اشعر٬أن يزينوا برامجهم بما يدفع بتقارب الشعبين٬ و العمل لخدمة البلدين دون عقد التاريخ و الجغرافيا و سباق الزعامة.
إنني على يقين بان التقدم الذي يتسابق البلدان لبلوغه٬لا يمكن بأي حال من الأحوال٬ أن يبنى على حساب البلد الأخر و بالضرب بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة٬ سرا و علانية٬التقدم و الرخاء و الرفاهية تأتي بالتعاون و التضامن و التكامل و فتح الأبواب لتنقل البشر و الحجر…لن أذكركم بتاريخ فرنسا و ألمانيا٬انتم المؤهلون و المكلفون بقراءة تاريخ الأمم والاستفادة منه لبناء البلدين على أسس صلبة و متينة.
الجزائر٬ أيها البد العزيز٬ حفظك الله من شر الخلق و هيا لك رجلا صالحا يقودك إلى بر الأمان٬ بالتعاون مع الأشقاء و الجيران٬رجلا يحمل في قلبه بعض الحب لهذا الجار الغربي الذي يحبه٬رغم قسوة قلوب بعض ساكني قصر المرادية.
وابنتي ٬ وأنا٬ وكل الذين لهم ذكريات وروابط مع هذا البلد الجميل ٬ نقول بأعلى صوتنا:عشت وطني المغرب٬ومعك إلى الأبد أيها الجزائر الخضراء.
خليد القشطي Khaliso20@gmail.Com