بين المصلحة والحكمة..خطابات العجز وتوهم الإنتصار

بين المصلحة والحكمة..خطابات العجز وتوهم الإنتصار

- ‎فيرأي
905
0

ألم يكن الفاعل السياسي في التجربة التونسية أكثر إقتدارا على اجتراح مسلكيات تحسن إدارة اللحظة التاريخية العصية؟هل يمكن أن يكون تدبير سياقنا الراهن في صورته التونسية الأسلم للأمة في سعيها الى الانتقال السلس والهادئ لكن الفاعل؟ألم يكن الخضوع لمنطق التوافقات تدجينا لثورية الثورة؟أليس الخضوع والخنوع هو الوجه الحقيقي للصورة المموهة المتدثرة بدثار الحكمة الذي نستعيره لنصنع من اخفاقنا نصرا متوهما؟هل أصبح منطقنا الثوري مفلسا الى الحد الذي جعلنا نبرأ من ضلالاتنا الثورية القديمة عاملين على حشر النفس الثوري النقي ضمن منطقنا المصلحي الاكثر ضيقا تحصيلا لغنائم سياسوية رخيصة تشوه الذات ويعفن من خلالها المثال؟

لم تنبئ القراءة المبتسرة للتجربة التونسية التي تقودها النهضة الا عن ضيق أفق الرؤية التي تملكتها النزعة السياسوية الحريصة على التكتيكات الحزبية المتوهمة,غير عابئة بالمصائر الوجودية الكبرى التي يرتهن في إسارها فعلنا الثوري,وهي بالتالي تعد تجاوزا لمقدور الفعل الذي لم يستطع الفاعل السياسي المسلم اجتراحه بفعل قصوره في الدربة والممارسة السياسية,أو افتتانا ببريق دهشة التمكين المتوهم الذي تملك الوجدان فأعمى البصر والبصيرة عن ارادة التملك لقوة الممكن.

ان التحصن بمنطق المصلحة لاينبئ الا عن فقر في قدرة التحصيل لنتائج تقنع الضمير وتريح الروح,ويحيلنا هذا السلوك على نهج السلطة في استدعائها للمصلحة عبر خطاباتها السياسية القميئة الملفعة بالدجل,فهو المنفذ الى الهروب نحو فضاءات تتوهم الذات من خلال الانزواء في مجاهلها قدرتها على خداع أناها والظهور على الملإ بزينة المتمكن القادر.هكذا هو السياسي العاجز وقد نكص عن جذريته الفكرية الى منتج لتواؤمات لم تكن لترضي أي حامل لمشروع التغيير, انه يأكل من رصيده لتحيى فيه الاشباح وتبقى منه الآثار والظلال.

ان ثورة الأمة في طبعتها التونسية متنا وسياقا ودلالة لن تكون بمنجزها الراهن المتحقق والمحقِقٍ لتوق التغيير أكثر نبلا من شقيقتها المصرية المضمخة بالدماء ابتداء,وعلى طول مسيرها وصولا الى راهنهاالمنفتح على أكثر من مآل.فالنسخة الكنانية تبدو في الظاهر من نتاج حراكها المشهود  أقل من المحصلة المفرزة تونسيا,لكن ألا يحق أن نشك في مصدرية هذا الحكم وعن المآلات التي يراد السير من خلال مضايقها بهذه الثورات حتى يتم تصوير المحصل البائس وكأنه هو ماكان يسكن روح الجماهير المسلمة؟أليست وثوقية الحكم ذو الصبغة اليقينية بتحقق حلم الشعوب ومصلحة الأوطان يبدو اعتسافا لحركية المشهد الذي لايعدو كونه نسخة منقحة من أنظمة وسلط استبدلت رجالها ولم تستبدل سياساتها؟ألا يأتي المديح من شلل متعارضة ينبئ التقاؤها على كيد يراد بالحلم لرده الى حيز المكبوت اللامفكر فيه؟لذلك نقول بأن انتصارا يستبطن الفجيعة لهو أقسى على الأمة من اخفاق يسكنه نفس التحدي وقدرة الروح على المعاودة.وأن الإيمان عبر صيغه المجالية المتعددة,وضمن مفرداته المتلبسة لكل فعل ارادي حر هو الذي يهب الاستعلاء للفاعل السياسي فكرا وسلوكا.وإن السياسي الذي توسوس له أناه بتحسس رقبته الثورية غير قمين  بالسير ضمن مسالك التغيير ولا بانتاج خطابات التحرر.

فالطبعة الكنانية يبدو مضمارها محتشدا بغزير القيم حتى لو بدا أفقها السياسي مغلق المدارات,ورحم ثورتها الخصب يبدو أكثر قدرة على توليد المعاني الكبرى وبذلك تغدو موضعتهاضمن مشاريع الامة الكبرى المترعة بالحلم المأسور بين حنايا الروح المتعبة.

إن الثورات يسكن أفقها الاخفاق حينما يصير اهتبال الفرص فلسفة لحراكها,وعلى النقيض يبدو القطع المفعم بالجذرية مع مايؤسس للقائم المترهل من فلسفات هو الأكثر إغناء لجنينية الحلم لحظة تشكله عبر تبرعمه وانتشاره في مساحات الفكر والسلوك. إن الرهان في الثورات لايكون على احداث الإنفراجات في بنيان الواقع,ولاأن يكون تقصدا لاختراقات تنحت في الجدارات المسيجة مسارب تضيق على الحلم عبوره من طور القوة الى طور الإمكان,إنما الرهان يكون على قدرة الأرواح واستعدادها لتحمل تجليات قدرة الله في الإنسان ليكون رباني المطلب ملتقيا مع إراد الله في صلاح وإصلاح الكون.

الحلو عبد الحفيظ

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت