في سابقة، الملك في خطاب دو نبرة يسارية على شاكلة كاسترو وتشافيز يتهم الاستعمار العالمي بعرقلة تنمية الدول ويحاكم الغرب

في سابقة، الملك في خطاب دو نبرة يسارية على شاكلة كاسترو وتشافيز يتهم الاستعمار العالمي بعرقلة تنمية الدول ويحاكم الغرب

- ‎فيفي الواجهة
389
6

image

رغم غيابه غير المبرر عن أشغال الدورة 69 للجمعية العامة الأمم المتحدة خاصة بعدما كان قد أعلن مشاركته في بيان رسمي، وجه الملك محمد السادس مساء الخميس خطابا الى المشاركين في هذا اللقاء العالمي حول التنمية حيث تبنى خطابا يقترب الى اليسار باتهامه الواضح للإستعمار العالمي بعرقلة تنمية الدول ومنها الإفريقية.

ويعتبر الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران مفاجأة على شاكلة خطاب عيد العرش الذي تساءل فيه عن مآل الثروة وفاجأ الرأي العام المغربي، والآن تنتقل النبرة اليسارية الى مخاطبة الرأي العام الدولي في قضايا التنمية وسياسة الغرب في فرض تصورات على الدول الإفريقية.

في هذا الصدد، يقول الملك في خطابه “لقد خلف الاستعمار أضرارا كبيرة، للدول التي كانت تخضع لحكمه. فقد عرقل مسار التنمية بها، لسنوات طويلة، واستغل خيراتها وطاقات أبنائها، وكرس تغييرا عميقا في عادات وثقافات شعوبها. كما رسخ أسباب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وزرع أسباب النزاع والفتنة بين دول الجوار

وهذه الفقرة تتعارض والأطروحة التي كان يروج لها مقربون من الملكية منذ الاستقلال بدور فرنسا في تطوير المغرب وتحديثه، ومن عناوين ذلك التزام ملوك المغرب من عهد محمد الخامس الى الآن الصمت حول مطالبة الاستعمار بالتعويض عن الضرار عكس دول أخرى التي طورت خطابا واضحا في هذا الشأن، وجعلت فرنسا مثلا تعترف بجرائمها.

في الوقت ذاته، يتهم الدول الغربية بالاستمرار في سياستها غير الحكيمة من فرض شروط على الدول النامية ومنها الإفريقية وانتهاج أسلوب التنقيط في التقارير الدولية التي لا تتطابق وواقع التنمية الحقيقي. وذلك في إشارة ال رفض التقارير الغربية التي تتحدث عن عدم تطور المغرب وتمنحه مراكز متأخرة.

ويطالب الملك بالتخلي عن أسلوب المساعدات التي تدخل في باب المساعدة/الكرم والرهان على التعاون المشترك الذي يتلاءم وكل نموذج تنموي في دول إفريقيا بعيدا عن الوصفات الجاهزة. ويقدم النلك في هذا الصدد، النموذج التنموي المغربي بمثابة الطريق الذي يجب اتباعه.

ويشكل خطاب الملك منعطفا في حدته في محاكمة الغرب، لأنه لأول مرة ينطق ملك المغرب بخطاب خطاب حاد يحاكم الغرب على ماضيه الاستعماري ويرفض الكثير من أطروحاته التنموية التي لا يعتبرها واقعية.

والخطاب يحيل على خطابات الزعيم فيدل كاسترو والفنزويلي الراحل هوغو تشلبيس وزعماء أمريكا اللاتينية اليساريين الذين يوجوهون النقد للغرب على منبر الأمم المتحدة ومؤتمرات أخرى، وهو خطاب بعيد عن مميزات الخطابات الملكية السابقة.

وهذا مؤشر على تطور ومنعطف في السياسة الخارجية المغربية بعدما خذل الغرب المغرب في ملفات كثيرة منها ملف الصحراء.

نص الخطاب حيث سيقف القارئ على النبرة اليسارية المحضة للملك في هطابه الموجه للأمم المتحدة:

يسعدني أن أشارك في الدورة التاسعة والستين، للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اقترحتم ، السيد الرئيس، كموضوع محوري لها، مسألة التنمية البشرية المستدامة، خاصة بعد سنة 2015.

وهو اختيار وجيه، يندرج في صلب أولويات منظمتنا، ويمثل نقطة تقاطع بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية والسياسية.

لذا ، ارتأيت أن أخصص كلمتي لهذا الموضوع الهام، علما أن مواقف المملكة المغربية، من باقي نقاط جدول أعمال الدورة، سيتم استعراضها خلال اجتماعات لجان الجمعية العامة، أو في إطار اللقاءات الوزارية، التي ستعقد على هامشها.

إن تحقيق التنمية المستدامة، يعد من التحديات الملحة، التي تواجه البشرية، وخاصة ضرورة إيجاد التوازن اللازم، بين مستلزمات التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ومتطلبات حماية البيئة، وضرورة الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.

وإدراكا منا للطابع الحاسم لهذه التحديات، فإننا نعمل على بناء نموذج تنموي متميز، يقوم على القيم الحضارية للشعب المغربي، وخصوصياته الوطنية، وعلى التفاعل الإيجابي مع المبادئ والأهداف الدولية في هذا المجال.

فقد تمكن المغرب من بلورة مبادرة وطنية رائدة، للنهوض بالتنمية البشرية، وبرامج طموحة في مجال الطاقات المتجددة، وخاصة الشمسية والريحية، باعتبارها عماد التنمية المستدامة.

ولكنني لست هنا اليوم، لأستعرض عليكم تجربة بلدي، وما حققه من منجزات. وإنما جئت أحمل نداء من أجل إنصاف الدول النامية، وخاصة بإفريقيا، والتعامل الموضوعي مع إشكالية التنمية بها.

وكما لا يخفى عليكم، فإن تحقيق التنمية المستدامة، لا يتم بقرارات أو وصفات جاهزة. كما أنه ليس هناك نموذج واحد في هذا المجال.

فكل بلد له مساره الخاص، حسب تطوره التاريخي، ورصيده الحضاري، وما يتوفر عليه من طاقات بشرية، وموارد طبيعية، وحسب خصوصياته السياسية، وخياراته الاقتصادية، وما يواجهه من عراقيل وتحديات.

فما ينطبق على الغرب، لا يجب أن يتم اعتماده كمعيار وحيد لتحديد نجاعة أي نموذج تنموي آخر. كما لا ينبغي المقارنة بين الدول، مهما تشابهت الظروف، أو الانتماء لنفس الفضاء الجغرافي.

لذا، فإن أول نداء أتوجه به من هذا المنبر، هو ضرورة احترام خصوصيات كل بلد، في مساره الوطني، وإرادته الخاصة، لبناء نموذجه التنموي، لاسيما بالنسبة للدول النامية، التي ما تزال تعاني من آثار الاستعمار.

حضرات السيدات والسادة،

لقد خلف الاستعمار أضرارا كبيرة، للدول التي كانت تخضع لحكمه. فقد عرقل مسار التنمية بها، لسنوات طويلة، واستغل خيراتها وطاقات أبنائها، وكرس تغييرا عميقا في عادات وثقافات شعوبها. كما رسخ أسباب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وزرع أسباب النزاع والفتنة بين دول الجوار.

فرغم مرور العديد من السنوات، فإن الدول الاستعمارية، تتحمل مسؤولية تاريخية، في الأوضاع الصعبة، والمأساوية أحيانا، التي تعيشها بعض دول الجنوب وخاصة بإفريقيا.

واليوم، بعد كل هذه الآثار السلبية، فإنه ليس من حق هذه الدول أن تطالب بلدان الجنوب، بتغيير جذري وسريع، وفق منظومة غريبة عن ثقافتها ومبادئها ومقوماتها. وكأنه لا يمكن تحقيق التنمية، إلا حسب نموذج وحيد، هو النموذج الغربي.

ومن هذا المنطلق، يأتي النداء الثاني، الذي أوجهه للمجتمع الدولي : لا بد من التعامل بالمزيد من الواقعية والحكمة مع هذه الدول، وتفهم ظروفها، في مساراتها الديمقراطية والتنموية.

لكن بعض الدول الغربية، التي لم تطلب الإذن من أحد، لاستعمار بلدان الجنوب، بدل تقديم الدعم اللازم لشعوبها، تتمادى في فرض شروط صارمة عليها، تعرقل مسارها الطبيعي نحو التقدم.

بل إن الدول الغربية، والمؤسسات التابعة لها، لا تعرف سوى تقديم الكثير من الدروس، وفي أحسن الأحوال بعض النصائح. أما الدعم فهو ضعيف جدا ودائما ما يكون مشروطا.

والأكثر من ذلك، فإنها تطالب دول الجنوب، بتحقيق الاستقرار والتنمية، خلال فترة محدودة جدا، ووفق مواصفات محددة ومفروضة، دون اعتبار لمسار هذه الدول، ولخصوصياتها الوطنية.

إن الاستقرار لن يتحقق بدون تنمية. كما أن التنمية لن تستقيم بدون استقرار. وكلاهما مرتبط باحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وثقافة وعادات شعوبها، وبتمكينها من ظروف العيش الحر الكريم.

كما أن عملية تنقيط وتصنيف هذه الدول، حسب المعايير المعتمدة حاليا، تثير العديد من التساؤلات.

فقد أبانت عن محدوديتها، وعن بعدها، في الكثير من الأحيان، عن واقع دول الجنوب، وعجزها عن تقديم صورة موضوعية عن مستوى التنمية البشرية بها.

غير أن تقديم المساعدات، رغم ضعفها ، مع كامل الاسف، يتم غالبا على أساس هذه التصنيفات، ويرتبط بشروطها التعجيزية.

لذا، ندعو لاعتماد الرأسمال غير المادي، ضمن المعايير الرئيسية لقياس ثروة الدول وتصنيفها.

وكما أثبتت ذلك الدراسات، التي قام بها البنك الدولي، فإن الرأسمال غير المادي يقوم على مجموعة من المعطيات، المرتبطة بواقع عيش السكان، كالأمن والاستقرار، والموارد البشرية، ومستوى المؤسسات، وجودة الحياة والبيئة. وهي معطيات لها تأثيرها الكبير في وضع السياسات العمومية.

فتطور الدول لا ينبغي أن يخضع لأي تنقيط أو تصنيف. وإنما يجب التعامل معه كمسار تاريخي، يقوم على التراكمات الايجابية لكل بلد، ويحترم خصوصياته.

حضرات السيدات والسادة،

إن استحضار الاثار السلبية ، للماضي الاستعماري، لا يهدف إلى محاكمة أي كان. وإنما هو دعوة صادقة لإنصاف دول الجنوب، من خلال إعادة النظر في طريقة التعامل معها، ودعم مساراتها التدريجية، نحو التقدم.

وقد سبق لي أن أكدت في خطابي بأبيدجان ، في فبراير الماضي، بأن إفريقيا ليست في حاجة للمساعدات الانسانية ، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات النفع المتبادل.

كما شددت على ضرورة تحرر إفريقيا من ماضيها ، ومن مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والاعتماد بالأساس على قدراتها الذاتية ، في تحقيق تنميتها.

وهو ما جسده المغرب، في الاتفاقيات الهامة ، التي تم توقيعها مع عدد من الدول الإفريقية الشقيقة.

وأخص بالذكر هنا، الاتفاق الاستراتيجي بين المغرب والغابون ، في مجال انتاج الأسمدة ، وتوجيهها نحو البلدان الافريقية ، بما يساهم في التنمية ، وضمان الامن الغذائي بالقارة ، خاصة أنها تتوفر على خزان كبير من الاراضي غير المستغلة، يمثل 60 في المئة على الصعيد العالمي.

وهو نموذج متميز للتعاون بين دول الجنوب، يبرز قدرة دولنا على النهوض بإفريقيا ، بالاعتماد على الذات، واستثمار الموارد الطبيعية لبلدانها.

وكما تعلمون ، حضرات السيدات والسادة ، فإن تحقيق التنمية ، ليس مجرد مشاريع واعتمادات مالية. كما أن التخلف ليس مرادفا لدول الجنوب.

فالمشكل لا يرتبط بطبيعة ومؤهلات الانسان الإفريقي، فقد أثبت قدرته على العطاء والابداع، كلما توفرت له الظروف الملائمة، وتحرر من الارث الثقيل، الذي خلفه الاستعمار.

كما أن مشكلة التنمية بإفريقيا ، لا تتعلق بطبيعة الارض والمناخ ، رغم قساوته في بعض المناطق ، وإنما بما تم تكريسه من تبعية اقتصادية ، ومن ضعف الدعم ومصادر التمويل ، وانعدام نموذج تنموي مستدام.

ومن ثم ، فإن تقديم المساعدة لهذه الدول ليسا خيارا أو كرما ، وإنما هو ضرورة وواجب ، رغم أن ما تحتاجه الشعوب، في حقيقة الأمر، هو التعاون المثمر، على أساس الاحترام المتبادل.

إن الامر يتطلب توفير الظروف الملائمة، على مستوى الفكر والممارسة ، للانتقال من مرحلة إلى أخرى، في المسارين الديمقراطي والتنموي، دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول، التي عليها في المقابل، الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة.

السيد الرئيس،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،

إن العالم اليوم في مفترق الطرق. فإما أن يقوم المجتمع الدولي بدعم الدول النامية ، لتحقيق تقدمها ، وضمان الامن والاستقرار بمناطقها، وإما أننا سنتحمل جميعا ، عواقب تزايد نزوعات التطرف والعنف والارهاب، التي يغذيها الشعور بالظلم والاقصاء، والتي لن يسلم منها أي مكان في العالم.

وإني لواثق بأن تنامي الوعي، من طرف المجتمع الدولي، بالتهديدات العابرة للحدود ، التي يعرفها العالم بسبب ضعف التنمية البشرية والمستدامة، إضافة إلى الايمان بالمصير المشترك للشعوب، سيكون له تأثير كبير، في إيقاظ الضمير العالمي، من أجل عالم أكثر أمنا وانصافا وانسانية .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.

 

الف بوست

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،