الاختيار الحداثي الشعبي و البناء المتجدد

الاختيار الحداثي الشعبي و البناء المتجدد

- ‎فيرأي
925
6

rachid (1)

رشيد لزرق  

لقد شكل التصويت الايجابي على التعاقد الدستوري منعطفا جديدا في مسار الحركة الاتحادية فتح صفحة جديدة من النضال من دمقرطة الدولة إلى دمقرطة المجتمع. من خلال تعاقد يمكن من بناء الملكية البرلمانية، ويمكن الشعب المغربي من امتلاك إرادته ومصيره، وفتح أبواب الأمل أمام الجيل الجديد لبناء وطن المستقبل.هذا المنعطف التاريخي فرض على الذات الاتحادية تحولا مفصليا يقوم على أساس تبني الاختيار الحداثي الشعبي ، بشكل يصون الخيار الديمقراطي و يمكن الجيل الجديد من تقوية المؤسسات عبر النضال الجماعي من اجل تأويل حداثي للدستور.

كما ان فوز حزب العدالة و التنمية في انتخابات 25 نونبر2011 و تعيين أمينه العام لرئاسة الحكومة، شكل رجة حسم فيها الاتحاديات و الاتحاديون بالرجوع للمعارضة.هذا الرجوع يقتضي تسليم المشعل للجيل الجديد، القادر على إبداع وسائل نضالية جديدة تمكن الاتحاد من مواصلة نضاله لتحقيق التقدم و الحداثة و العدالة الاجتماعية، إلا ان عسر المرحلة جعل البعض يتخوف بمبرر انشطار الذات الاتحادية،  هذا التخوف من تفعيل الديمقراطية الداخلية جعل الاختلافات تقوم على أساس شخصي مع إهمال تام للايدولوجية و الهوية. فظهر ذلك جليا في المناظرة التلفزية التي عقدت بين المرشحين للكتابة الاولى و التي تمت على اساس تسويات قبلية بين المرشحين الأربعة ، لا على النقد ذاتي  للتجربة الماضية، كل مرشح حاول بناء حملته على أساس مميزاته الشخصية. فهناك من ركز على مصالح العائلات الاتحادية للرفع من رصيده الشخصي، مع استعمال الرموز التاريخية، و هناك من ركز على قوة الأعيان و حشد الفريق البرلماني الاتحادي، و هناك من روج لانتمائه الفئوي في قاع المجتمع و قدرته على التنظيم وضمان تحالفات في الانتخابات المحلية. لم يقدم أي مرشح مشروعه العملي حول طبيعة المعارضة و الاسس العلمية للالتحام بالجماهير الشعبية التي تجسد تجدد المشروع الاتحادي المرتبط بعمقه الشعبي، و القاسم المشترك بين المرشحين الأربعة  يكمن في عدم القدرة على فهم الجيل الجديد بثقافته الحداثية التي تقوم على ما هو واقعي ملموس و ليس باستحضار نوستالجيا الماضي.

في ظل هذا العقم المشاريعي، أضحى التنظيم شغل الجميع، و تحول الحزب من حزب طاقة إلى حزب بطاقة ، الكل يتحدث لغة القبيلة و الغنيمة في ظل إهمال للخط السياسي.وبالتالي تحول الصراع التنظيمي الى صراع لمن يتقن دهاليزه، و قدرته على التموقع وفهم قواعد اللعبة، و لم يعد من مجال للحديث عن بناء حزب المؤسسات رغم رفع شعار ” معا من أجل بناء مغرب الديمقراطية والحداثة “.إن الممارسة شابتها ثقافة ما قبل حداثية، فتميز سلوك الاغلبية بالحذر و عدم الحسم في اختيارهم، الكل ابدى هوسا بلعبة التنقل و التموقع من اجل ضمان استمراره، اعتمادا على شبكة العائلة او وحدة المصالح،ومن تجليات ذلك أن نفس المجموعة تكون داعمة لهذا المرشح ثم تنتقل إلى مرشح آخر، والكل بات يتوجس من التسويات الأخيرة، الهاجس هو التموقع والتكهن بأنصار اليوم و مخالفي الغد. ظهر اختلاف حول نمط الاقتراع الذي يجب اعتماده ، هل الفردي او اللائحة ؟ فلم يتم الحسم حول تبني نظام الاقتراع باللائحة لتأجيل مسألة التحالفات. ثم بات اختيار الكاتب الأول عملية رهينة بالحرب التنظيمية التي تميزت بعنف مستمر بين الدورتين .

كل هذا أنتج  تشوهات، و بدل الحديث عن المشاريع المجتمعية من خلال المقارعة الفكرية، تحول كل الحديث عن التبعية لأشخاص معينين : (تابعين لفلان ، مع فلان، أصحاب فلان). في ظل هذا الجو الموبوء، قضت التسويات الداخلية الفوقية بالتواطؤ من أجل خنق مبادرة أولاد الشعب كتيار فكري داخل المنظومة الاتحادية  والتي كانت مبادرة حرة وجريئة، تقوم على الوضوح و الشجاعة و القناعة ، مع مناهضتها لكل الممارسات ما قبل حداثية، وتبني الاختيار الحداثي الشعبي كأساس لبناء قطب حداثي يتجاوز ما هو جامد. فعوض التفاعل مع المشروع و تمكين تيار الاختيار الحداثي الشعبي من امكانيات الحزب لشرح مشروعهم الفكري عبر المقارعة الفكرية ، عمد الجيل القديم الممسك بكل مقاليد الأمور الى شن معارك تسفيهية ضد الشباب لإدراكه أنهم يحملون مخرجا حقيقيا من الأزمة.

 

 

فتم تجييش كل الوسائل لقتل المشروع الشبابي الطموح  الذي يحمل أفكارا اجتماعية وسياسية متميزة، متحررة من عقد الصراع و متطلعة لمغرب حداثي متضامن. على عكس رغبات محترفي التنظيم الذين لا يهتمون بالإيديولوجيات الكبرى، ولا يستوعبون فلسفة النظريات السياسية الكبرى، ولا يتطلعون للتغيير الذي يسعى إليه المثقف والمناضل. فتم توظيف جيش من الأتباع هدفهم  الوحيد هو توليد الشعور باليأس و التيئيس لدى الشباب، قوتهم تتمثل في الريع السياسي مقابل الولاء والطاعة . فنهجوا اسلوب العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ، وطبيعي ان هذا الجو الموبوء سمح لمحترفي التنظيم  من التخلص من المناضلين أصحاب الرأي ، عبر رفع شعار “نحن التنظيم”، الأمر الذي أدى إلى تراجع الاهتمام بالخط السياسي أو المبادئ أو الأفكار أو المشروع السياسي والمجتمعي الذي يقتضي أن يتبناه الحزب ويدافع عنه، وبات الانشغال السائد هو الروابط و التحالفات و توسيع العلاقات للحفاظ على الامتيازات، أو تحقيق مكاسب مادية و معنوية جديدة لنفسها وأحيانا لأتباعها، و البحث الدؤوب عن استقطاب الأعيان لربح انتخابات 2015، مع تصوير ذلك كانبعاث للاتحاد الاشتراكي، و إن كان بمكانيزمات طالما حاربتها الحركة الاتحادية،.فالتغيير الديمقراطي و ترسيخ الحداثة لن يحدث دون البدء بمراجعة ما حدث لأن التغيير البناء يجب أن يعيد للمغاربة كرامتهم عبر تطهير الذات و محاربة الفساد  بكسر شوكته.

إن تحول حزب القوات الشعبية من فضيلة صراع الافكار و التقدم و التغيير الى رذيلة الهوس بعدد  المنخرطين و استقطاب التابعيين الذين تقتصر معرفتهم للحزب على الاسم و بعض المعلومات البسيطة التي تكون خاطئة في أغلب الأحيان، هذا التشوه الخلقي للتنظيم كرس ثقافة الاقدمية عوض الفعالية و بروز مقولات  من قبل “ولد الاتحاد تدرج في المسالك التنظيمية “، من دون الاحالة  لمدى ادراكه للمشروع الاتحادي، و اضحى  الحزب  ” مجرد مظلة يستظل  بها من أجل قضاء أغراضه الشخصية”. كما أن تغلغل هذه الممارسات في البنية الحزبية فاقم تحكم القوى العائلية، فيكفي النظر للأسماء التي افرزها المؤتمر ليظهر جليا هيمنة قوى عائلية على جميع الأجهزة التقريرية بل حتى أن عملية  اندماج الحزب الاشتراكي والحزب العمالي داخل الاتحاد تم توصيفها بتجميع “العائلة الاتحادية”  عوض “الحركة الاتحادية ” و هي تسمية مناقضة لإيديولوجية الحزب و شعار  الحداثة التي تنتصر للتعاقد و “ليس روابط الدم”.

ان الاتحاد كحاجة مجتمعية لمواجهة استبداد و فساد التدين السياسي يحتم التحيين و التجدد والمكاشفة لمسايرة الزمن الدستوري الذي أسس للديمقراطية التشاركية وحقوق الأقلية، هذا التحول يفرض خلخلة  المدارك القديمة و التخلص من الوهم  وعقدة المؤامرة. عبر طرح رؤية واضحة ومحددة للتغيير الحداثي في المغرب، بجعل الاتحاد حاملا لتطلعات بنات و أبناء الشعب ومن دونه ستظل الطبقات الشعبية محاصرة بين نزعة وصولية ذات رؤية ضيقة ونزعة خرافية باهتة ونزعة ظلامية ونزعة عدمية، والقواسم المشتركة بين هذه النزعات هي افتقادها روح الإبداع إزاء المشاكل الداخلية والتغييرات العالمية.

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،