كتاب: الرياضة والسياسة والفلسفة..تأملات بصدد تعاطي المنشطات (22

كتاب: الرياضة والسياسة والفلسفة..تأملات بصدد تعاطي المنشطات (22

- ‎فيرياضة
2016
6

133938_02من رسومات جيروم بوش

7- تأملات بصدد تعاطي المنشطات

يتم الحديث كثيرا عن تعاطي المنشطات الرياضية، إما لمحاربتها أو للتساؤل حول ماهيتها. ونريد هنا طرح سؤال ثالث: لماذا محاربة تعاطي المنشطات؟ ما المقلق فيه؟ فهذه الأسئلة نادرا ما تطرح لأن الجميع يعرف مسبقا الجواب، ولأن الجواب مفروغ منه في منظور الجميع. غير أن الفلاسفة تحديدا يحترسون من البداهات والمسلمات لأن تاريخ الأفكار يبين أن البداهات معقدة جدا ومُعَوِّمة جدا؛ إذ تستند على تقاليد وأفكار لا شعورية شديدة الجنون. ومن ثم، سنتساءل عن تعاطي المنشطات لنجعله يتكلم. سنُخْضعه للتعذيـب، لا بذهنية الإثارة المجانية، ولكن لإبراز تعقيد الأسئلة الرياضية. ولإبراز أن الإجابات عن الأسئلة الرياضية لا توجد في الرياضة بل خارج الرياضة. وبهذا الصنيع، لن أدعي هنا الإتيان بالحقيقة، وإنما سأقدم فقط بعض الفرضيات كي أنخرط معكم، وبمعونتكم، في سبـل سالكـة، تَعْبُر الرياضة والسياسـة والفلسفة.
1- بوش وفيرلين وبين جونسون
حينما يُنْظَر إلى تعاطي المنشطات الرياضية بصفتها جنحة، فيجب ألا ننسى أنها جنحة رياضية صرف، تُجَرِّمُ مواد كيميائية مسموح بها في مجالات أخرى لا علاقة لها بالمخدرات. ثم إن هذه الجنح لا تعرض لمحاكمات تافهة، وإنما تعرض أمام محاكم متخصصة، وخاصة أساسا بالرياضيين. تعاطي المنشطات جريمة دون ضحية ودون شكايات، لا أحد يشتكي باستثناء المؤسسة نفسها، أي أن الحكام هم المشتكون في نهاية الأمر؛ وبهذا المعنى، يقدم العالم الرياضي نوعا من التماثل مع محاكم التفتيش التي كانت تتابع جرائم هي وحدها التي عانت منها: البدع والهرطقات والإلحاد والشعوذة والسحر الأسود واللواط. لا أحد اشتكي من اللواط، غير أن محرقات اللواطيين تستعصي على العد. وعلى النحو نفسه، لا أحد يبدو أنه يعاني من تعاطي المنشطات، لا الرياضيون ولا المدربون ولا الداعمون ولا الأندية ولا الجمهور. ولو عانى منه هؤلاء، فلا توجد أية مشكلة. وفي جميع الحالات، لو عانى هؤلاء منه، فلن يشتكو من ذلك، غير أن التحريمات الرياضية لن تقل أو تنقص.
وتقوم المفارقة في أن قمع تعاطي المنشطات تفتيشي أكثر مما هو تصفوي. فالجميع يأسف على هذا العجز السافر عن المراقبة الفعالة لعملية تعاطي المنشطات (أقل من واحد بالمائة من الفحوصات يعطي نتائج إيجابية، وهو ما يعني أن “الأغبياء والسفهاء، وحدهم يضبطون؛ أنظر كتاب: تعاطي المنشطات والانتصارات الرياضية، سلسلة أبحاث، منشورات INSEP) ومن اليسير أن نفهم أن من السهل إيقاف تعاطي المنشطات مائة بالمائة لو كان يهدد فعليا الحياة المجتمعية أو أمن الأفراد وسلامتهم. أنظروا واعتبروا ! هذه جريمة نعرف مسبقا الفاعلين المفترضين، بل وكذا أمكنة الجريمة ستكون معروفة من قبل. فيالها من جنة بوليسية، الجريمة واضحة كالشمس! وفي الإمكان أن ننام مطمئنين وهادئي البال. وإذا كانت المراقبات تصفيات وإقصاءات، فلأن تعاطي المنشطات ليس جريمة حقيقية وفعلية. ولتفسير هذه المفارقة لجهاز تفتيشي وتصفوي، يجب الرجوع إلى ما قيل آنفا: إن تعاطي المنشطات جريمة داخلية، غير أن لقمعه هدفا ومقصدا خارجيا.
فلننظر في الملمح الداخلي. واسمحوا لي بإطلالة تاريخية بخصوص تعاطي المنشطات. كان سارتر يبتلع حفنة من الكوريدران لكتابة مئات من الصفحات. وكان جيروم بوش يبدع لوحاته القيامية مستعملا فطريات مهلوسة؛ وكان فرويد يستهلك الكثير من الكوكايين؛ وفيرلين يستهلك الأفسنتين (شراب مسكر). أما بين جونسـون فكان يتنـاول الـمُبْتَنِيات les anabolisants. وقد قدم كل واحد من هؤلاء الرجال الاستثنائيين أعمالا استثنائية، غير أن بين جونسون وحده الذي تم تمريغه في الوحل، وتهديم وتقويض وإلغاء عمله – سباقه الذي بلغ من الجمال والقوة حدود الإبهار. فمن يجرؤ على إعلان إعدام لوحات جيروم بوش حَرْقاً؟ ومن يجرؤ أن يبصق على أشعار فيرلين، هؤلاء الأطفال السامين والجزلين الذين ولدو من قران وزواج الأفسنتين واللغة الفرنسية؟ من هذا الأخلاقي البليد المغفل الذي سيخلط روائع الثقافة الإنسانية مع الهذر المؤذي الذي يتلفظ به بواب عمارة؟ “نعم أيها السيد الطيب، كان فـرلين يسكر وأنت تعرف ذلك. ولكن أشعاره وقصائده …نعم أيتها السيدة الطيبة، بين جونسون هو فرلين الملعب، أليس بوش هو بين جونسون الرسم؟ وما القول في أولئك الطلبة الذين يتعاطون “الماكسيتون” لاجتياز التبريز؟ فَكُلٌّ منهم سَيُرَتَّبُ حسب وَرَقَتِه ولَيْسَ بَوْلتَِه. لا يوجد أي مخبار في مخرج قاعة المبارة- الامتحان. والطالب الذي تفوق على زميله، لأن خلاياه العصبية المخدرة بالأمفتمين قد أجابت عن المسألة بكيفية أسرع، لا يسخر منه علنا كما لا يفصل أو يشطب من القوائم والسجلات، فلماذا لا يتوفر رياضيو العضلات على الحقوق نفسها التي يمتلكها فرسان القلم؟ لماذا هذا التجريم؟ إن في هذا ما يثير الفلسفة حقا.

يتبع

ألفـــــــه: إيف فارگاس

تــرجمــــة : عبد الجليل بن محمد الأزدي / بلعز كريمة

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،