في نوستالجيا عيد الفطر و شعريته

في نوستالجيا عيد الفطر و شعريته

- ‎فيفن و ثقافة
211
6

 
د محمد فخرالدين

1 ـ نوستالجيا عيد الفطر :

العيد الصغير أو عيد الفطر يأتي بعد شهر كامل من الصيام مر في العبادة و الصدقة و فعل الخير و التضامن الاجتماعي و التكافل الأسري ..
لباس خاصة بهذه المناسبة ، ماتسمع الا ـ صباحك ـ أو مبروك العيد فالناس يباركون العيد لبعضهم بعضا و يتبادلون التحيات و الزيارات مع الأهل و الجيران ..
والنساء يتفننن في صنع الفطائر و الحلويات لتذويق بعضهن بعضا ، و الموسيقى الخاصة بهذه المناسبة تنبعث من الراديو او التلفزة تلقي في النفوس نوعا من الخدر..
أما من نفذ صبره و قد أدركه الحنين الى عادته القديمة فقد يتأبط شرا ..
في العيد عادات جميلة بعد عادة ـ الفضيلة ـ في شهر رمضان ، حيث تستيقظ النساء باكرا و يعددن فطور العيد لأطفالهن ،
ـ تصبحن ـ على أهلهن و جاراتهن بتحية العيد و تتبادلن الزيارات و قطع الحلوى أو الرغائف المعدة سلفا ، و تهيئن كذلك للجامع أو مسجد القرية فطورا خاصا ، و غالبا ما يكون الفطور المخصص للبيت عبارة عن مسمن و بغرير و غيرها من الفطائر المدهونة بالزبد و الزيت و العسل الرومي أو البلدي إن توفر ..
أما الفطور الحقيقي فهو أطباق الكسكس التي تسهر النساء على ملئهن إلى أخرهم بالسميد وسبع خضر لتهدى إلى المسجد القريب..
بعد ذلك يقوم الرجال بنقل صحون الكسكس إلى ـ الجامع ـ لفطور العيد ليستسلم الجميع بعد صلاة العيد لوجبة جماعية دسمة تصاحبها أحاديث شيقة و بهجة و دعوات..
أما الأطفال فهم مشغولون بملابسهم الجديدة و بما جمعوه من الأهل و الأقارب من دراهم ـ فلوس العيد ـ قبل أن يقصدوا أول حانوت لشراء ما علق بأذهانهم من رغبات مؤجلة..عادات جميلة لم تعصف بها بعد رياح العولمة أليس كذلك

2 ـ عيد الفطر
في الشعر العربي
تغنى الشعراء بالعيد وهم تتوزعهم مشاعر الفرح أو الحزن ..
و هم ما بين متأمل و مصدوم و منتظر على أحر من الجمر موعد الإفطار..
ما بين مرحب و متفائل و متشائم…و من يستغل لحظة العيد في المدح و التكسب ..
وصف هلال العيد
لقد ربط ابن المعتز بين منظر الهلال وبين عيد الفطر، وشبه شكله بمركب من فضة في بحر من الظلمة التي تظهر كحمولة من عنبر، وذلك كناية عن رقته و شدة الظلام المحيط به …واعتبره مناسبة لتحية الأصحاب و تهنئتهم بالعيد ..
فقال :
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أنـافَ هـلالُـه
فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ
قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ مــن عَنْبَـرِ
ويشبه ابن الروميّ انقضاء هلال الصوم وبياضه بحاجب شيخ ابيض و شاب من طول عمره ،فكانت ولادة هلال العيد من جديد ليبيح الأكل و الشرب :
ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله
كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه
تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ
يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ
العيد و الجديد
يتساءل المتنبي عن ما سيأتي به العيد من جديد، وهل من معنى للعيد في غياب الأحباب وبعيدا عنهم ، متسائلا:
عيد بأي حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر ما فيك تجديد؟
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيد بعدها بيد
أما شاعر المهجر فيتخذ عنده العيد طابعا فلسفيا يدعو إلى التأمل فلا معنى للعيد خارج دائرة الفرح الجماعي ..
فهو يتأمل حال الناس و قد أتى العيد و لم يجلب معه الفرح و السرور:
أقبل العيد و لكن
ليس في الناس المسرة
لا أرى إلا وجوها
كالحات مكفهرة
تحذر الضحك كأن
الضحك جمرة
أيها الشاكي الليالي
إنما الغبطة فكرة
العيد و الواقع
الاجتماعي
في حين يتحدث اليا أبوماضي في قصيدته ـ ابتسم ـ عن العيد الذي أقبل بمتطلباته و إنفاقه لكن وضعية الشاعر المالية لا تسمح له بمواكبة أجواء العيد .. فكف الشاعر لا تملك درهما كما يقول :
قال المواسم قد بدت أعلامها
و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و لي على الأحباب حق واجب
لكن كفي ليس تملك درهما
أما المعتمد بن عباد فقد أدركه العيد و هو في حالة لا يحسد عليها ، فقد أدركه سجينا في أغمات يرى هوان نفسه وأهله و بناته في غير لباس العيد ، فقال في ذلك مشفقا على حاله مقارنا بين الماضي و الحاضر ..
فيمـا مضى كنـتَ بالأيامِ مسروراً
فجـاءكَ العيـدُ في أغماتَ مأسـورا
تـرى بناتِـكَ في الأطمـارِ عاريةً
يطأنَ في الدَّيْنِ ما يملكـن قطميـرا
و لا يجد الشاعر العراقي مجالا للسعادة والفرح بالعيد و هو يرى مشاكل الوطن التي لا تكاد تنقضي .. فيقول:
يقولـونَ لـي : عيـدٌ سعيـدٌ ، وإنَّهُ
ليـومُ حسابٍ لـو نحـسُّ ونشعـرُ
أعيـدٌ سعيـدٌ !! يا لها من سعـادةٍ
وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ
و خاصة أن القدس ، لا زالت تعاني من الأسر فيقول :
يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّاً مضرَّجـاً
بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ
عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً
ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ
وكذلك عمر أبي ريشة الذي يتمنى أن يمر العيد و يأتي بالانتصار و المجد ..
يا عيـدُ مــا افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يــا عيدُ
فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ
يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ
لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييــدُ
سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ
ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ
استبطاء العيد
و هناك بعض الشعراء تناولوا العيد من جهة أخرى ، لم يرجعهم الصوم عن طبيعتهم و لم يعدهم إلى رشدهم،فمنهم من نفذ صبره و قد أدركه الحنين إلى عادته القديمة المرتبطة بما قبل الصوم ..
ومن مثل ذلك قول بشار بن بُرْد مبدياً ضجره من رمضان مستثقلاً إيّاه ، متعجّلاً انقضاءه ، وقدوم العيد ، فقال :
قُلْ لشهر الصّيامِ أنْحلتَ جسمي
إنّ ميقاتنا طلوعُ الهلالِ
اجهــــد الآنَ كلَّ جَهْدِكَ فينا
سترى مـا يكون في شوّالِ

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،