الحكاية 21 من حكايات الاميرة ذات الهمة.. أبومحمد البطال

الحكاية 21 من حكايات الاميرة ذات الهمة.. أبومحمد البطال

- ‎فيفن و ثقافة
211
6

 

د محمد فخرالدين
قال الراوي :

وكان دائما على رأس جنودها ابنها عبد الوهاب ، الذي تفجّر حماسة و بطولة، و خبر منذ الصغر وقع النيران و المعارك ، و تابعت الأميرة ذات الهمة تقدمها بفتح المدن والثغور، يرافقها ابنها ، الذي رأت فيه خير سند وصديق تحن إلى مشورته في كثير من أمورها، كما دفعت به إلى علماء ومهندسي الورش الحربية لتحصيل مزيد من التجارب في شؤون القيادة .

و صارت ذات الهمة لا تطيق فراق ابنها عبد الوهاب، حتى تكون هي و إياه في مقدمة القتال و الصدام ، هكذا انتقلا من نصر الى نصر ودفعا صفوف جند التحالف الرومي البيزنطي المهاجمة لثغور المسلمين إلى التقهقر و التراجع ،حتى أنه طلب من الخليفة العباسي السلم و الهدنة .

لقد كانت الأميرة الهمة تعارض توقف الحرب والاستجابة للروم في طلب الهدنة ، لكن الخلافة ببغداد كانت ترى غير ذلك بمشورة من عقبة القاضي شيخ الضلال الذي سنأتي على ذكره و الذي كان مواليا سرا للروم و يدين بدين المسيح و يدعي الاسلام .

وكتبتْ الأميرة إلى الخليفة مراراً، مصرَّة على متابعة الحرب، حتى لا تتيح للأعداء فرصة معاودة إدخال تحسينات جديدة على أسلحتهم، التي أبلت ذات الهمة في اقتناصها من أيديهم لكن دون جدوى ..

كانت ذات الهمة قد أرسلت عيارا شابا يدعى أبو محمد البطل إلى صفوف الروم بمهمة سرية و هي الحصول على خطط أسلحة الروم الجديدة ،و كان هذا الشاب ،و هو في سن ابنها عبد الوهاب ،يجيد كل اللغات و الألسن و منها لغة الروم ، و رطانتهم و لهجة جنودهم و مرتزقتهم ، كما انه كان يستطيع التنكر في أية صورة أراد..

ثم إنه في هذه المهمة لبس لباس الروم و صبغ شعره غير ملامحه العربية ، و دخل على أنه قائد من قادتهم العظام ، و استطاع أن يحصل على أسلحة الأعداء الجديدة ، و يعود بها الى معسكرات ذات الهمة في غفلة من الجميع ..

كما عاد بعدد من أسرى الحرب من مخترعي جيوش الأروام، ليمكنوا العرب من تصنيع هذه الأسلحة الجديدة ، هكذا وجد الأمير عبد الوهاب في البطال مبتغاه، نظراً إلى ما يتمتع به، من ذكاء متوقِّد، ورغبة جامحة في المغامرة و التحدي..

ولم تضع الاميرة الفرصة ، كي تجمع جنودها ليتدربوا على استخدام هذه الأسلحة ، والتدرب على دحر الأعداء بواسطتها ، وأسبغت الأميرة على جنودها العطاء و التشجيع ، لينكبوا في معسكراتهم ،وورشهم على متابعة تطوير أساليب الأسلحة الجديدة، وتعليم جيل من علماء المسلمين ومهندسيهم وخبرائهم كل جديد .

و لما علم الروم بما فعله أبو محمد البطل صبوا جام غضبهم على الحراس الذين مكنوه من الدخول ، و اعدموا عددا منهم في الحال ، وطلبوا رأس أبي محمد الذي سموه حنقا بالبطال عوض البطل ..

و كان محمد البطل يكره الروم كرها شديدا ، فقد شهد بعينيه في صباه تعذيبهم لوالده و مقتله على أيديهم ، عند اجتياحهم مضاربهم ذات ليلة، و لم تفارق مخيلته ذكرى جثة أبيه ، و هو بلا رأس وأطراف ، ولم ينس كيف جرح هو الآخر جرحا عميقا حين لحقته نيرانهم، ومفرقعاتهم النفطية.

هذه الأحداث فجرت كرهه و حنقه على الأروام ، و فجرت طاقاته في الإلمام بلغات الروم ورطاناتهم، وفي التفنن في فنون التنكر و تغيير ملامحه في الصورة التي يريد دون أن يفطن بحقيقته أحد ..

وقد مكنه التسلل مرارا الى صفوف العدو من العلم بأسلحتهم، وخططهم ومسالكهم البحرية، واحتفالاتهم الموسمية وكرنفالاتهم الماجنة وتجمعاتهم لاحتساء الشراب، فكان ينتظر في بعض الليالي أن يفقدوا كل وعي وإحساس، فكان يتصيّدهم الواحد إثر الآخر…

فقد كان عياراً وبصاصاً خارق الذكاء، واسع المعرفة، مُلماً بتفاصيل تحالف الأعداء الأروام وخططهم وأسلحتهم ومراكز اتخاذ قراراتهم.

فقد كانت مهمته التسلل الى بلاد الروم و المكوث بها زمنا طويلا يتيح له الفرصة للتعرف على خطط العدو تضليلهم بنشر الاخبار الزائفة بينهم و ابداع الحيل للوصول و التسلل الى صفوف العدو ..

و كان أبومحمد البطال قد تدرب في نشأته على يد أاستاذ بارع في التجسس و العيارة ، هو أبوه الروحي وأستاذه الأول ثعلبة بن الحصين الذي اكتشف قدراته ومهاراته منذ الصغر .

و كان ثعلبة كما ذكرنا سابقا يسدي خدمات جليلة للأميرة ذات الهمة وكان له دور مهم في كل الانتصارات التي حققتها ..

فقد يسرت له خبرته رعاية وتربية جيل بكامله من البصاصين والعيارين، والشطار وجامعي الأخبار، كان أبرزهم أبو محمد البطال ..

و كانت الأميرة ذات الهمة ، تتخذ دائما كما ذكرنا قراراتها الأخيرة في
ضوء ما كان يشير به ثعلبة بن الحصين .

فقد وكان العيار العجوز ثعلبة مدبر المكيدة التي تم على أساسها اقتحام حصون وقلاع مالطينة التي صمدتْ أمام الجيش العربي طويلاً و منها الحصن الذي احتمت به الأميرة باغة كما ذكرنا سابقا .

أما ما كان من أمر الأميرة ذات الهمة فقد تحدت أمر الخلافة و لم تقبل الهدنة، و لم تستجب لمطلب الأعداء، بل إن ذات الهمة وجدتها ـ كما ذكرناـ فرصة سانحة لتدريب جنودها على الأسلحة الجديدة ، و جمع الاخبار والمعلومات عن العدو استعدادا لفتح قريب طالما حلمت به على خطى جدها الصحصاح ..

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،