التخلص من الفلسفة والعلوم الإنسانية بالمدرسة المغربية: التاريخ والسياق

التخلص من الفلسفة والعلوم الإنسانية بالمدرسة المغربية: التاريخ والسياق

- ‎فيرأي
258
6

حسن ادوعزيز

يبدو أن الدعوات الأخيرة للتخلص من الآداب والفلسفة في النظام التعليمي المغربي لم تكن وليدة الصدفة؛ بل هي هواجس رافقت تطور هذا النظام منذ فترات تاريخية. ففي الوقت الذي تراجع فيه تدخل رجال الدين في الغرب، الذي لا يبعد عنا سوى ببضعة أميال، في مجال التربية والتعليم، وتم نزع الطابع المقدس عن المدرسة والسياسة التعليمية، وتم فيه إخضاع كل ما هو مقدس للنقد..مما ساهم في استقلال العلوم الإنسانية بمختلف أصنافها وفروعها، نجد ذلك شبه مستحيل، للأسف الشديد، في ثقافتنا المغربية الإسلامية حيث ما فتئت تظهر وإلى حدود اليوم دعوات لإضفاء الطابع الديني المقدس على المجتمع بمؤسساته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

إن زرع التعصب والانفلات، وتكريس “الغباء الإبستمولوجي” في مجال حيوي كالتعليم، هو ما أدى، ومنذ حقب تاريخية طويلة، إلى تنشئة مجتمعنا وأجياله على ثقافة منع السؤال والنقاش، وإلى تقديم إجابات محددة سلفا لكل القضايا والاشكالات بالاستناد إلى أحاديث نبوية منقولة عن السلف…تماما كما كان يقع باليونان إبان عصر الاضطهاد. فمنذ أواخر ستينيات القرن الماضي، كان تكريس “كراهة السؤال” قد بدأ يغزو المدارس المغربية عن طريق الإستخدام السياسي للدين كأداة إيديولوجية لمواجهة المد اليساري التحرري الصاعد…
لقد كانت الشبيبة المتمدرسة آنذاك، وحسب جل الباحثين والدارسين لتلك الفترة، الرهان الأول لأصولية الدولة بشكل ممنهج. وبذلك أعلنت إجبارية الصلاة في المدارس والجامعات منذ 25 دجنبر 1966..ليتم البدء في تعريب المواد الأدبية في التعليم العمومي بداية السبعينات (1972) دون إعداد مسبق، مما نتج عنه عواقب ديداكتيكية وتربوية وخيمة كان لها كبير الأثر على الأجيال التي ستبدأ في تحمل المسؤوليات بداية الألفية الثالثة. بل وستبلغ هذه السياسة المتبعة في التربية والتعليم أوجها بداية الثمانينات (1983) مع تعيين الأستاذ “عز الدين العراقي” وزيرا للتربية الوطنية. فبداية من هذه الفترة، سيطال التعريب جميع المواد العلمية، سواء بالابتدائي أوالثانوي. حيث ستبرز المكانة الهامة التي أنيطت للتعليم الديني؛ وستزداد حصص ومعاملات التربية الإسلامية، مع جعلها إجبارية في جميع المستويات بما فيها أقسام البكالوريا، موازاة مع البدء بالحذف والتقليص من مواد الفلسفة والتاريخ، وإدخال الدين في الأدب والشعر العربي. جنبا إلى جنب مع الانكباب على مراجعة مختلف المقررات المدرسية، وبتأليف كتب مدرسية جديدة بمضامين إيديولوجية أكثر منها معرفية أو علمية، مع الإعلان عن إحداث شعبة الدراسات الإسلامية في نفس الإطار، والتي باتت تستقطب نسبا هامة من الطلاب ممن كان يتخوف توجههم إلى الفلسفة والفكر أو أي شيء آخر…
ففي هذا السياق إذن، يمكننا الجزم بأن مختلف تلك الدعوات التي أعلناها أعلاه لم تكن وحيا من الخيال، أو نطقا عابرا..بل لها أصول تاريخية ثابتة جلية . ومنذ تلك الأصول وذلك التاريخ؛ سيصير تدريس الفلسفة، والعلوم المتفرعة، عنها عائقا أخلاقيا ..وسيبدأ العمل الممنهج على تغييب الضمير الحر والإنسان الحر..وسيصبح المتمدرس والتلميذ والطالب تابعا للجماعة، وسيتحول العقل إلى عقلية، والفرد إلى ضمير مستتر… ويغدو تحرير هذا الضمير هو الخطوة الأولى لتحرير الدين نفسه من سلطة رجال الدين…

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،