الحكاية الرابعة من السيرة الظاهرية: وصول الاكراد

الحكاية الرابعة من السيرة الظاهرية: وصول الاكراد

- ‎فيفن و ثقافة
358
6

 

 

د محمد فخرالدين

 

و كان السبب في مجيء هؤلاء الأكراد الايوبية الذين ينتسبون إلى حبيب النجار، و هو رجل صالح ذو كرامات معروفة لا تخفى على سائر المخلوقات ،أنه في هذا العام من أجل لما يريد الله تعالى من انفاذ حكمه و جري مشيئته انها جاء بلادهم سيل أعاق زرعها و نزل الثلج فقتل مزارعها ، و أخربت الأرض وحل بهم الجذب و البوار،فجاءوا عند كبيرهم يوسف صلاح الدين و شكوا إليه أمرهم و ما هم عليه من جدب الأرض و سوء العيش و بؤس الحال ، و رجوه أن يبحث لهم عن ارض خصبة ذات نوال ، فلما سمع منهم ذلك الخطاب قال لهم :

ـ هذا هو الصواب و القول الذي لا يعاب ..سيروا بنا الى امير المؤمنين لنشكو له ما لحقنا من العذاب المهين

ثم انه قام من ساعته و جمع رؤوس عشيرته ، وجمع من الأكراد سبعين ألفا ، و ساروا إلى أمير المؤمنين في بغداد ، ليشكو إليه حالهم لعله يعطيهم أرضا خصبة يقيمون فيها..

فقالوا له:

ـ شانك و ما تريد و نحن عن أمرك لا نحيد

تم إنهم تهيئوا للمسير و سرعة الجد و التشمير ، و ساروا يقطعون الطريق دون تأخير ، و بينما هم سائرون لاح لهم رجل وحيد في البرية يعبد رب البرية ، وجهه كالقمر إذا اكتمل ليلة الرابع عشر ، و هو يصلي على خير البشر فخر ربيعة و مضر ، فتقدم إليه يوسف صلاح الدين و قبل يديه في الحين ، و كذلك فعل أصحابه ،فقال لهم الشيخ :

ـ الى أين تريدون يا كرام ،هداكم رب الأنام..

ثم إنهم قالوا للعابد :

ـ نقصد مدينة بغداد نشتكي لأمير المؤمنين من ما أصابنا من الجذب الشديد و البأس الشديد ، و نريد منه ان يعطينا أرضا غير أرضنا ..

فقال لهم :

ـ نعم ما رأيتم و به أشرتم و لكن اتبعوني حتى أريكم ما تعملون ..

فقبلوا يديه قالوا له:

ـ السمع و الطاعة رضينا بم أشرت به …

ثم سار الأستاذ و ساروا جميعا خلفه إلى أن اقبل على مغارة و قال لهم اقلعوا ما عليكم من الملابس ، و البسوا هذه الثياب الخلقة ،وخذوا هذه السيوف الخشب بلا خوف، وتقلدوا بها بالمعروف ، فوعزة الله إنها تقوم مقام السيوف، و تسقون عدوكم بها كأس الحتوف ، فإني سالت لكم الله تعالى أن يلبسكم الولاية ، و يعطيكم الهداية و الرعاية ، و أن يرشدكم إلى كل غاية ..

ـ فالآن صرتم من عباد الله الصالحين ، وواجب عليكم نصرة المؤمنين ..فاذهبوا الآن إلى بغداد دار السلام، و خلصوا الإمام و من معه من الإسلام من الضر و الهوان ، فاذا وصلتم هناك فجردوا سيوفكم و نادوا بالتكبير على البشير الندير و السراج المنير…

ثم إن الأستاذ تودع منهم و انصرف عنهم بعدما ما دعا لهم ..

أما ما كان من أمر الاكراد فإنهم ساروا في الحين و الساعة ،و جدوا في المصير و هم يذكرون الله من غير تقصير..

إلى أن دخلوا إلى مدينة بغداد و رأتهم كل العباد ـ على ما ذكرنا ـ و افنوا جيوش هالوين عن آخرهم ، و حرروا الخليفة المقتدر بالله من السجن ، ففرح بهم فرحا عظيما ، وشكرهم على ما قدموه للمسلمين ،و قبل أيديهم و أكرمهم غاية الإكرام، و طلب منهم أن يبقوا في ضيافته مدة تسعين يوما بالتمام و الكمال ..

أما ما كان من المقتدر بالله ، فإنه لما شكر الأكراد و دارت أرباب دولته و رؤوس عشيرته ، و جلست الاكراد من حوله، و سألوه عن الفتنة و سبب هذه المحنة ، فحكى لهم الأمر من أوله إلى آخره، و اطلعهم على باطنه و ظاهره ، ثم انه بكى من شدة الفرح ، و إزالة الغم و الترح ، وأجلس زعيمهم صلاح الدين وكيلا عنه في بغداد ، و قال له :

ـ يا أخي اعلم أني أريد أن أخذ جماعة و اطلب البر لأجل الصيد و القنص و اغتنام اللذات و الفرص..

فقال له :

الأمر إليك يا مولاي افعل ما تريد فما نحن إلا من جملة العبيد..

ثم ان الخليفة المقتدر أخذ معه مائة من الرجال و الفرسان و نزل طالبا الصيد، و ساروا في الخلوات ،و غابوا مدة ثلاثة ايام و صادوا صيدا كثيرا، و في اليوم الرابع عادوا أدراجهم و لما دخلوا الى بغداد ،و سار أمير المؤمنين في شوارعها و نظر الى قصورها و تجول في الأسواق ، و إذا به قد و جد عقدا من الجوهر معلقا على دكان واحد ـ جواهرجي ـ فلما تأمله و إذا به عقد من عقود السلطنة، و كان الملك قد أعطى ذلك العقد لابنته ..و سنذكر كل شيء في موضعه ..

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،