الحكاية الثانية عشرة من السيرة الهلالية.. المارية بنت القاضي بدير

الحكاية الثانية عشرة من السيرة الهلالية.. المارية بنت القاضي بدير

- ‎فيفن و ثقافة
274
6

 

د محمد فخرالدين

هذا ما كان من أمر أبي زيد الفارس المغوار أما ما كان من امر المارية بنت القاضي بدير وبنت عم الامير غنيم من بني هلال ، فكانت سائرة في هودج على جمل أهوج ،فلما اشتد القتال انهزم بها الجمل وانفرد بها ومال ، و كان الصلصليل يطارد هودجها ويطلب أسرها في الحال فصاحت تنادي ابن عمها،فلم يجب لسؤال ، لأنه كان منغمسا في الحرب والقتال،فأعادت الصياح عليه فلما سمع نداءها، ترك القتال و أتاها في الحال ثم اقترب منها و صار يناديها ويقول لها:

ـ لبيك يا ابنة عمي و ليسقط الأنذال ..

و جعل يحوم حول هودجها شاهرا سيفه في وجه الرجال ، ثم جعل يطعن الأبطال و يمدد الفرسان على وجه الرمال، وتقدم الى الصلصليل يطلب النزال .

أما الصلصليل فقد جال و صال وباغث الأمير غنيم و فاجأه بضربة بالسيف و النصال، وتمكن منه فأخذ الهودج على وجه الاستعجال ، و سار بمارية أسيرة تعاني من الذل و الهوان ..

أما ما كان من أمر أبي زيد فإنه لما أتاه الخبر عظم عليه الأمر و كاد يفقد العقل و الصبر ، و كتب إلى الامير ذياب يطلب المساعدة في الأمر لكنه اعتذر ،و كتب إلى الامير حسن بن سرحان سيد بني هلال فاهتاج و اغتم ، و عاتب الأمير ذياب على تأخره عن نجدة الأمير أبي زيد ، ثم إنهم ساروا يجدون السير إلى حيث كان الأمير أبو زيد ..

وكان أمراء العجم بعد تراجعهم أمام الأمير ابي زيد و أسرهم لمارية، قد اختلفوا عمن ستكون الأسيرة من نصيبه، واتفقوا على ان يهبوها لخرمند لأنه كان كبيرهم، و كانوا يحترمونه كل الاحترام ، و قرروا أن يهاجموا بني هلال مرة ثانية و كل من سبى امرأة منهم تكون له دون سواه ..

و لما كان ثاني الأيام ركبت الاعجام لمحاربة بني هلال، وملأوا السهول و التلال ، فركب حسن بن سرحان لمواجهتهم و النزال ،و استقبلهم في الميدان و هو عازم على القتال ، ماعدا ابو زيد فانه لم يركب معهم و اظهر العياء و المرض العضال..

و لما اشتد القتال و عظمت بين الفريقين الأهوال و قاتلت الاعجام اشد القتال ،فلما رأت بنو هلال تلك الأهوال و أن رحى الحرب قد دارت عليهم بالمحال ، و صارت الأعجام تهجم عليهم من اليمين و الشمال، و تسد عليهم طريق الانسحاب، و استمر الحال حتى آذن الليل بالانسدال ، فخافوا من الهلاك و الوبال، و ارتدوا الى الخلف و كفوا عن القتال ، و تركوا للأعداء المجال ،فتبعتهم فرسان العجم حتى دخلوا الخيام، وصاروا ينهبون البيوت و يسبون النساء، فزاد الصراخ و النواح و تمادي الصياح و كثرت الجراح ، فلما سمع أبو زيد عويل النساء عظم عليه الحال و أخذه الانذهال و عصفت في رأسه نخوة الرجال ، و عزم على القتال،فجرد الحسام في الحال و ركب الأدهم وهاجم الأنذال، واقتحم صفوف معسكر الأعجام و تبعته فرسان بني هلال ،فردهم عن الحريم و المال، و لم يثنه عن ذلك سيوف و لا نبال..

فارتدوا أمامه منهزمين و الى النجاة طالبين و قد تشتتوا في الاودية و القيعان،و هو وقومه وراءهم كالصقور والشواهين، إلى أن صار قتلاهم على الرمال ممددين، بعدد حبات الحصى و أوراق الشجر، و عاد أبو زيد منتصرا مظفرا و قد أبعد النساء عن كل خطر..

وعند وصوله الصيوان هلل له بنو هلال الصغير و الكبير الرفيع و الوضيع، و هللت له النساء و فرحت الصبيان ، واستقبله الرجال بالتكبير ، ثم التقاه الأمير حسن بن سرحان كبير بني هلال و شكره على تلك الفعال، و قال له :

ـ مثلك يكون الأبطال يا زينة الرجال، فلولاك لكنا الآن في أسوء حال ،و ضحكت علينا العربان طول الزمان..

و كذلك القاضي بدير أثنى عليه بالأقوال ، و كان متأسفا حسير البال على فقد ابنته مارية التي أسرها الأعجام، فقال له أبو زيد :

ـ كن في كامل الاطمئنان يا قاضي بدير، فلن يهدأ لي بال حتى أعيدها إليك سالمة ايها القاضي القدير، على سبيل الاستعجال و دون تأخير ، و اشفي من عساكر العجم الغليل الكثير..

ففرح القاضي بدير كل الفرح و علم بقرب الفرج و التيسير و دعى لأبي زيد بالتوفيق و زوال الهم و التعسير ،و اطمأن الى كون ابنته المارية سيطلق سراحها دون تأخير على يد هذا البطل النحرير ، وكذلك كل بني هلال فرحوا بالنصر والتمكين و التيسير من الرب القدير ،و ما حازوه من الاحترام و التقدير، فذبحوا النوق و اعدوا الطعام و اكل الخاص و العام ،وباتوا طول الليل و هم في احتفال و فرح وسرور و ابتسام، إلى أن طلبت العين حقها من المنام فسار كل واحد الى مرقده، و هو غارق في جميل الأحلام فسبحان الحي الذي لا ينام ..

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،