الحكاية العاشرة من حكايات ابي زيد

الحكاية العاشرة من حكايات ابي زيد

- ‎فيفن و ثقافة
218
6

 

 

د محمد فخرالدين

ثم ان بني هلال لما طلبت من أبي زيد أن يخلص من قبضة الدبيسي الأسرى و الرجال ، طيب نفوسهم بأحسن الأقوال.

ثم إنه في الحال غير زيه و تنكر في زي الدراويش ،ولبس حلة من الحرير الأخضر و الريش ، وضع طيلسانا على رأسه حتى لا يعرفه أحد، و قصد الدبيسي و طلب المثول بين يديه،وتكلم معه بلسان الفارسي،فلما رآه الدبيسي على تلك الصفة، ظن انه من دراويش الأعجام، فاحترمه غاية الاحترام، وقال له :

ـ من أين أتيت يا ابن الأجواد؟

قال أبو زيد:

ـ من مدينة بغداد و أنا من فقراء مولاي عبد القادر.

قال الدبيسي:

ـ ادع لنا يادرويش يا خير العباد بأن نمسك بأبي زيد و نقتله على رؤوس الأشهاد،فهو السبب في قدوم بني هلال إلى هذه البلاد .

فتعجب أبو زيد وقال له :

ـ بلغك الله المرام بجاه مولاي عبد القادر،و سائر الأولياء الكرام،أريد منك ان تسمح لي بالذهاب إلى البلد للزيارة، فسمح له بالذهاب و أمر الحجاب أن يفتحوا له الأبواب،وعند دخوله البلد قصد باب الحديد ،و هو المكان المسجون فيه فرسان بني هلال،ووجد هناك مجموعة من الحراس يملئون المكان تحت جنح الظلام، فلما رأوه سألوه:

ـ من تكون؟

قال أبو زيد :

ـ أرسلني الدبيسي لأدعو له في جامع المدينة ليبلغه الله المراد و ينتصر على أبي زيد المعادي، و انتم من تكونون من العباد؟

أجابوا:

ـ يامولانا نحن من جملة الحراس و قد أمرنا الدبيسي بالمحافظة على اسري بني هلال خوفا من مقالب أبي زيد الماكر المحتال .

ثم إن أبا زيد بعد هذا الحديث أخرج من جيبه شمعة مبنجة فأضاءها فسقط الحراس في الحال مبنجين كالأموات، و بعد ذلك اخرج حجر المغناطيس ووضعه على الأقفال فتساقطت في الحال ، فرأى فرسان بني هلال في القيود و الأغلال ، و هم يقاسون الأهوال، فاعلمهم بالأمر و فكهم من الأسر،و قال لهم :

ـ اتبعوني يا رجال حتى افتح لكم باب المدينة فتمضوا سالمين غانمين .

ولما وصلوا الباب وجدوا الحراس جالسين على الأبواب، وبيدهم السيوف و الحراب، و جعلوا يخاطبوه و يخاطبهم، وكان يمد يده الى الجراب و يأخذ قطعا من السكر و يأكلها أمامهم فقالوا:

ـ ماهذا الذي تأكله؟

رد أبو زيد :

ـ هذا ملبس حلبي..

فقالوا:

ـ اطعمنا و نحن ندعو لك بالخير ..

فأعطاهم قبضة كبيرة مبنجة،فلما طعموها فسقطوا في الحال،و خرج من بينهم الرجال و غادروا مدينة الدبيسي يقطعون البراري و البطاح، حتى وصلوا إلى أهلهم عند الصباح ، فكثر الفرح و علا الصياح، و اشتدت ظهور الرجال و شكروا أبي زيد على تلك الفعال.

أما أهل بلدة الدبيسي فلما تفقدوا الأحوال،و ما حل بالحراس من الوبال،لم يجدوا الأسرى بني هلال، و بلغ الدبيسي الخبر فطار من عينيه الشرر، و تحقق عنده بعد التحقيق و التفتيش ، أن كل ما صار من الدرويش و انه لم يكن إلا غريمه أبو زيد صاحب البلاء و الكيد.

ثم انه زحف بعساكره في الحال فكان أول من برز له فارس من بني هلال، فأقبل عليه بقلب كالصوان و لقنه الأحزان، ولم تكن إلا ساعة من الزمان ، حتى أخذه أسيرا و ساقه دليلا، و برز إليه آخر من الفرسان، فأسره في الحال وأوثقه بالقيود و الحبال، و ما زال على تلك الحال إلى أن أسر خمسين فارسا من بني هلال، و أشرفت بني هلال على الوبال من هول القتال..

و في اليوم الرابع هجم الدبيسي بالطلائع، فانطبق عليهم وتدافع من اليمين إلى الشمال، و قاتلهم أشد القتال و لم يتراجع ، و كثر الصياح و جرى الدم في الرمل وساح، فلا ترى الا رؤوسا طائرة و دماء سائرة و فرسانا غائرة ودارت على بني هلال الدائرة، و كثرت الأهوال على بني هلال فتأخروا إلى الوراء و تفرقوا في الصحراء، و لما أظلم الظلام اجتمعت بنو هلال في الخيام، و عقدوا ديوانا مع الأمير بن سرحان، و طلبوا منه كيف الخروج من هذا الحال و من هذا الوبال ..

قال الأميرحسن:

ـ ليس ينجينا إلا الصمود و الحرب حتى الموت ..

فاشتدت عزائم القوم و قرروا الثبات و الصبر حتى الممات، وعندما جاء الصباح و أضاء بنوره و لاح على الروابي والبطاح، نزل الدبيسي إلى الميدان فخرجت له بني هلال وقاتلوا فرسانه قتال الأبطال، و حاربوا حرب من يفضل الموت على الحياة، حتى افنوا الرجال و هابتهم الأبطال ونزل الدبيسي نفسه يطلب النزال .

فنزل إليه أبو زيد المفضال و حاربه محاربة الند للند والمثال للمثال، ثم إنهما تلاصقا و تفارقا و تطاولا و تجاولا، وتصاولا و تصايحا إلى أن تمكن أبو زيد من نفاد طعنة رمح نفذت من صدره إلى ظهره فسقط عن فرسه إلى الأرض و اختبط منه طوله بالعرض، فلما شهد رجاله ما حل و صار هربوا في الحال إلى البراري والتلال و ابتلعتهم القفار فتبعهم بنو هلال بالسيف البتار، حتى القوا السلاح و لم يعد لهم لا مقادم و لا جناح، فسبحان الملك الفتاح الذي يحول الليل إلى صباح، ففرح بنو هلال بما صار و جعلوا يشربون القهوة و الأقداح، و يسمعون الأناشيد و الأمداح من الليل حتى الصباح ..

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،