عدنان يرد على مخافي: تهافُت التّهافت .. وما خفي كان أعظم

عدنان يرد على مخافي: تهافُت التّهافت .. وما خفي كان أعظم

- ‎فيرأي, فن و ثقافة
168
6

 

ياسين عدنان

 

 

الأستاذ حسن مخافي،

لا أظنّك تُحسن صُنعًا بجرّنا إلى المزيد من التردّي. إذ تستطيع التّطاول على كل زملائك في اللجنة الذين ارتفعت أصواتهم ضدّ تلاعباتك ليصبحوا مجرّد “متشاعرين متهافتين”، لكنّك أبدًا لن تدفع التهم الثابتة ضدّك. أعرف أنّ ما اقترفتَه من خروقات قد تكرّر حدوثه في أكثر من دورة حتى تقرّر عند أمثالك وصار لديهم من صميم الخبرة التي يفاخرون بها، قبل أن تأتي الوزارة بشعراء “متهافتين أغرار” لا تجربة لهم في الكولسة، لكنهم يفضحون الاختلالات ولا يكتفون بتوزيع القيمة المادية للجائزة دونما اعتبار لقيمتها الرمزية، ويكشفون الفاسدين أمام الملأ لكيلا تظلّ حقيقتهم حبيسة المجالس المغلقة.

شخصيًا، لا أجرّم من يحاول التدخل من الخارج لصالح هذا الديوان أو ذاك، ولا من يسعى لاستقصاء الأخبار، فهذا مقدورٌ عليه. لكن ما لقِمْناه منك يا سيدي له طعم الخيانة. إذ ما يجمعنا بك – أيها الجامعي الذي لا إصدار له خارج أطروحته – كان تعاقدا أخلاقيا وميثاقا رمزيا بمبادئ معلومة ليس أقلّها ضمان سرية المداولات. في انتظار أن تُحدث الوزارة الوصية تعهّدا مكتوبا يضع المسؤولين عن مثل هذه التلاعبات مستقبلا تحت طائلة العقاب. ولو كنتَ في بلد تقاليدُه في الاحتكام إلى القانون عريقةٌ لتابعك زملاؤك في اللجنة أمام القضاء بتهمة انتهاك حرمة المداولات وخيانة الأمانة من جرّاء ما طالهم بسبب سلوكك المشين من غمز الموتورين قبل المغبونين، ولمز المتربِّصين قبل ذوي الحقوق.

وعجبًا، كيف أخذتك العزّة بالإثم فإذا بك تكيل الاتهامات إلى الجميع دون أن تُبدي مثقال ذرّة أسفٍ على صنيعك. لقد كنتُ أول من دعا إلى الحجب داخل اجتماعنا الأخير، في ظل الارتباك والتوتر الذَيْن ورّطتَنا فيهما، ومع ذلك لم أجد غضاضةً في الارتياب من هذا القرار. قرار اللجنة نافذٌ كما تعلم، لكنّه ليس مقدسًا. ومن حقي فيما بعد أن أراجع نفسي وأسائل موقفي. لكنّني قطعًا لست نادما عليه عساه يساهم في إعادة الاعتبار لهذه الجائزة مستقبلا. ولستُ مثلك، سرّبتَ مداولاتنا وتفّهتَ أشغالنا وخرجتَ توزّع أكاذيبك المفضوحة على الصحف دون أدنى شعور بالذنب. ودون الوقوف على ما تتخبّط فيه من أباطيل أمام مشهد ثقافي نبيه يتابع حركاتك البهلوانية وخبطك الأعشى.

العقلاء نصحوني بتجاهلك. فردُّك على عصيد لا يجُبُّ توضيحَه. ويكفي أن تُعيد قراءته لتخجل من ضحالتك. نفس الشيء ينطبق على مقالتي. فتكفيك إعادة قراءتها لتجد فيها ردّا على كلّ ترنّحاتك. لكن لا بأس من أن أجاريك قليلا. فليس الصّبر ما يعوزني، ولا الحِبْر، ما دمتُ أقف على أرضٍ صلبة.

أوّلًا، عندما سقتُ ما سقتُه من توضيحات بخصوص قضيتك فإنّما فعلتُ بدافع إحساسي بالمسؤولية لأنني لم أرضَ أن أكتم شهادتي وأتركك تلتفّ على الموضوع لتحوّله إلى سجال شخصي بينك وبين عصيد. ولم أكن “ألوك” ما قاله عصيد كما ادّعيتَ بقدر ما كنت أدلي بشهادتي الخاصة. فقد رُمت التوضيح ما استطعتُ ولم أقصد التجريح أبدًا. وما ذكرتُه في مقالتي لم يكن تطويحا شخصيا بل رصدا موضوعيا يشاطرني فيه باقي أعضاء اللجنة. ولا يعنيني كلّ هذا الجدل إلا بالقدر الذي يُغني النقاش العام ويُفيد مستقبل هذه الجائزة التي نريدها سبّابة تشير إلى الأجمل وتومئ إلى المستقبل.

لا بأس أن نشير إلى مصدر عثراتنا، فالمسؤولية وِثاقُها المحاسبة. ولا بأس من تحديد المسؤوليات بشكل واضح وتسمية المسؤولين عن الاختلالات عوض التخفّي وراء العموميات والثرثرة الجوفاء. هو تمرينٌ صعب، أعرف. وأعرف أن أناتَنا قد غرّتك فتمادَيْت، ولم تكن تتوقّع منا هذا الوضوح في إدانتك. فقد جرت العادة أن يستهجن “العقلاء” مثل هذه الخروقات في الكواليس. لكنّنا مجرد شعراء، أو متشاعرين على حدّ وصفك، فاقبَل منّا فضْحَك أمام الملأ واحمله رجاءً على محمل “قلة الخبرة” و”عدم النضج”.

تحدّثتَ في ردّك المتهافت عن “قبولي” بعضوية لجنة التحكيم بما يشبه التعريض. وقد وضعتَ الكلمة بين معقوفتين كما لو أنك وجدتَ العثرة التي ستقصم ظهر صاحبها. ولَكَم أضحكني فرحك الساذج بصيدك الذي لم أجد فيه ما يثير الاستغراب. فوزارة الثقافة تعرض على من تراه مناسبا من الأدباء الانخراط في لجنة التحكيم ولهم أن يقبلوا العرض أو يعتذروا عنه حسب ظروفهم. ولا أجد في ذلك ما يفيد الاستهجان، اللّهم إذا كنتَ من النوع الذي يتهافت على هكذا لجان. ولا ينتظر أن يُعرَض عليه الأمر ليقبل أو يعتذر. ولا أخالك إلّا من الصّنف الذي يَعرِض نفسه لمثل هذه المهام حتى قبل أن تُعرَض عليه.

ما كشفتُه في توضيحي السابق من ولعٍ متأصّل لديك بعجن الطّمي وخلط الأوراق تبدّى بجلاء في ردّك المتهافت. علاوة على نزوعك العجيب إلى التدليس والتلفيق والإفساد بين الناس. فعوض أن تدفع التهم الثابتة عليك، تمسك بتلابيب شاعر مثل محمد السرغيني لتجرّه عسْفًا إلى درَكٍ لا يليق به، وتزجّ به في مستنقع وحدَك من اختار التمرّغ فيه. ولا أظنّ أن السرغيني سيكون فخورًا بك بعد صنيعك هذا. لقد ورّطت بنطلحة فيما لا يستحقّ والآن جاء الدّور على السرغيني. وإني لأشفق عليهما من صداقتك. فمن ابتلاه ربّه بأصدقاء من طينتك، ما حاجته – بالله عليك – إلى أعداء؟

الوقيعةُ هوايتُك على ما يبدو، والوشايةُ دَيْدَنُك. ولقد حاولتَ، قبل أن تُيمِّم شطري، الإيقاعَ بين عصيد وبين شعراء الأمازيغية إذ كتبْتَ تشهِّرُ بعدم اختياره لأيّ ديوان أمازيغي. والحال أنّنا اتّفقنا منذ البداية على الذهاب إلى الشعر في تعاليه على لغات الكتابة واستجاب عصيد لهذا الشرط. واليوم ها أنت تلجأ إلى أسلوب الوشاية ذاته متوخّيًّا الإيقاع بيني وبين السرغيني. ومن حسن حظّي أنني لم أفُه بكلمة واحدة خلال المداولات في حق ابن حبوس والجراوي وأبي الربيع سليمان وإلا فَخِبرتك في الافتراء تؤهّلك لتسميم علاقتي بشعراء العصر الموحدي عن بكرة أبيهم وليس بشعراء فاس المعاصرين فحسب.

“أحسستَ” – يا لرهافة حسك – بأنني أخذتُ على لجنة الشعر منحها الجائزة السنة الماضية للشاعر محمد السرغيني فيما لم يلتفت أحدٌ إلى عملي “الشعري”. أوّلا هذه الواقعة حدثت قبل سنتين أيّها النّجيب. كما أعتقد أن إحساسك خذلَك. فأنا لا أشعر بأيّ ضيم، لأن “دفتر العابر” نفد بعد سنة من صدوره لتُعيد دار توبقال نشره في طبعة ثانية. كما وجد من ينقله إلى خشبة المسرح فيما بعد. وهو متوفِّر لا يزال في مكتبات البلد لمن أراد الاطّلاع عليه.

أما حكاية التمترس خلف الكبار – لتغطية الضعف – والزّج بقامات مثل محمد السرغيني في هذا الجدل واتخاذهم دروعا بشرية في سجالك معنا فهو مظهر وهنٍ أكيد. وللإشارة فقد بادرنا منذ عشرين عامًا إلى إطلاق غارة شعرية ضدّ هذا المنطق الذي كنتَ ومن على شاكلتك ترعونه بكل ما أوتيتم من تملّق. بل إن عبدة الأشخاص مثلك هم من جنوا على الإبداع وأفسدوا جوائز المغرب لكي تصبح كالماء بلا لون ولا طعم ولا رائحة. فإذا كانت بعض الجوائز في بلاد الآخرين، بمبالغ رمزية فقط، ترفع من حجم المبيعات فلأنّ محكّميها يجيزون أعمالا جديرة بالقراءة، خارج آيات الولاء والتقديس وحسابات الكولسة والتدليس التي رهَنْتم جوائز المغرب بها. وإلا فما معنى أن تجرؤ على مطالبتي – أيّها الشاطر – بمنح الجائزة لشاعر بعينه ونحن لم نفتح بعْدُ “كراتين” الدواوين؟

مكرُكَ السيئ أوحى لك بأن توقِع بيني وبين وداد بنموسى. ولأنّك كنت تجلس إلى جانبي خلال الاجتماع، فقد تجسّستَ على نسختي من ديوانها لتكتشف أن “بعض أسطر صفحاته ملطخة بالأحمر”. وما لا تعرفه أنني شخصٌ يحترف القراءة، ومن عادتي استخدام “الماركور”. ومن حسن حظّي أن وداد وغيرها من أصدقائي يعرفون فيّ هذه العادة. فما بدا لك مصبوغا بالأحمر لم تكن الأخطاء وحدها، أيها الشاطر، وإنما المقاطع المضيئة أيضًا. أمّا الأخطاء فقد كنتُ أوّل من فاتَح وداد في شأنها بعد إعلان النتائج. إذ أبلغتُها أسفي لما طال عيون قصائدها من قذى. وبما أنك لم تألَفْ قومًا يواجهون أصدقائهم بما يسجّلونه في غيابهم من ملاحظات، وهذا لعِلْمِك من أوجب واجبات الصداقة، هيّأتْ لك الأمّارة أنك بهذه الوشاية ستوقِع بيني وبين شاعرة صديقة. لكنّك أنتَ من يقعُ الآن متلبّسًا بالوشاية كَمُخْبِر من الدرجة العاشرة.

جاء في ردّك المُخزي أنّ موقفي من السرغيني كان “مبعث قلق بالنسبة إليك لأنه مثّل لك علامة على صعوبة التواصل مع عضو في اللجنة يستهين بقامة شعرية سامقة مثل الشاعر محمد السرغيني “. وانحراف هذا الاستنتاج الكاسد يكمن في أنّه منبثقٌ من “إحساسك” الفاسد أولًا. ثم لماذا تعتبر حجّةً أوردتُها في معرض مواجهتك وأنت تحاول إقناعنا بضرورة الاحتكام إلى مسار الشاعر لنعطي قيمة للجائزة، استهانةً بالسرغيني؟ اتهمت وسّاط بالأمس بإهانة بنطلحة واليوم تتهمني بالاستهانة بالسرغيني. إذن نسكت نحن ولا نتداول ولا نتكلم؟ كأنك ابتغيتها لجنة خرساء؟

وعلى ذكر السرغيني، لم أنس زعْمَكَ، بكل وقاحة، أنك من هيأ لي الحلقة التي استضفتُه خلالها في “مشارف”. أوّلًا، دعني أوضِّح أن أصدقاء من فاس أخبروني وأنا أعكف على إعداد حلقتي مع السرغيني أنّ شخصًا يُدعى مخافي أنجز حوارا مطوّلا معه فاتصلتُ بك، وطلبت منك نص الحوار، فمكّنتني منه مشكورًا هذه المرّة. وقد اعتمدتُ عليه إلى جانب مواد أخرى إضافة إلى أعماله الشعرية الكاملة. ولو كنتَ لبيبًا فطِنًا لحملتَ هذا منّي على محمل حُسن الإعداد.

لكن ما بالنُا نتحدث عن وداد بنموسى ومحمد السرغيني وبرنامج “مشارف”؟ آه، لقد قدتنا إلى كلّ هذه التفاصيل رغبة منك في خلط الأوراق. لاحِظ أنني سايرْتُك. لكن لا تظنّن أن حيلتك انطلت عليّ. فلن تجرّني بعيدًا عن صلب الموضوع. هذا القول كله نافلٌ لو تدري، أما موضوعنا فواضحٌ ومحدّدٌ ومعلوم. دعكَ إذن من سقط المتاع واذهب معي إلى بيت القصيد. أنت متّهَم بالتسريب. والشاهد عندنا جملتك الفاضحة: “أنت يا وساط تتحمّل مسؤوليةً في هذا السحب. فبنطلحة يرفض أن يُهان.” لقد خنتَ الأمانة يا مخافي، وزملاؤك في اللجنة يُجمعون على توجيه هذه التهمة لك. فما قولك؟

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،