الوعي العربي من التفكير إلى التكفير

الوعي العربي من التفكير إلى التكفير

- ‎فيرأي
798
6

محمد بوفتاسMOI

شتان ما بين الأمس واليوم، في زمن مضى كان العقل العربي متوهجا والفكر متقدا، لأن المفكرين لم يقعدوا على “دكة الإحتياط” مكتفين بالنظر في ما سبقهم من مؤلفات، ولم يقدسوا فقيها أو فكرا وإنما فتحوا باب الإجتهاد على مصراعيه للوصول إلى التميز وليس التقليد.

ولأن تلك هي الطبيعة المنطقية للرقي فإن العقل العربي تمكن في ظرف وجيز من التحول إلى منتج لفكر ووعي بدل أن يكون تابعا. قد يقال بأن ما مضى قد مضى، نعم تلك حقيقة لا ينكرها إلا جاهل، لكن هذا الماضي هو الركيزة التي بني عليها الحاضر حتى وإن لاح لنا “قزما” لأن البعض قد قرر أن يغلق باب الإجتهاد ويعكف على كتب الاقدمين ويعتبرها “مقدسة” واصحابها لا يرقى إليهم الشك.

هذا النمط من التفكير الماضوي، السلفي التقليدي، يعيدنا إلى عصر الظلمات الفكرية ويرسخ “جاهلية جديدة ” لا تخرج عن منطق العرب الجاهليين (هذا ما ألفينا عليه آباءنا)، إنه التقليد الأعمى المتخلف الذي يعوق أي محاولة للرقي وتحقيق النهضة الفكرية. كيف نسير إلى الأمام وأعيننا إلى الخلف؟

إن المنطق لا يقبل حركة السير الارتدادية إلى الخلف لأن ذلك مناقض للمنطق. وحتى لا يفهم الكلام على عواهنه ويفسر بطريقة مغلوطة، نحن لا نتحدث عن الفكر الإسلامي الحقيقي المتسامح والارتقائي، بل نقصد ما يدعي بأنه فكر أو فقه إسلامي لكنه في نهاية المطاف ليس سوى نمط تكفيري من الفقه يسعى أصحابه إلى خلق الحدث الإعلامي، وأحيانا إلى زرع الفتنة داخل المجتمع وتفريخ العنف والانتحاريين والإرهابيين.

ما الذي حدث حتى وصل الوعي العربي إلى هذا المنحدر الصعب؟

ما حدث ببساطة هو استقواء الفكر السلفي الإقصائي، وممارسته للوصاية على المجتمع، حتى أصبح الإجتهاد، الذي شكل في مرحلة ما قوة العقل العربي، كفرا وإلحادا. هل ينبغي أن نقصي العقل وأن نتحول إلى مجرد مقلدين تابعين؟

هل هذا ما يسعى إليه دعاة الفكر السلفي التقليدي؟ أليس هذا منافيا لجوهر العقيدة الإسلامية؟

كلها أسئلة ملحة تفرض نفسها بحدة في ظل تزايد حملات التكفير وتنامي التطرف بكل أنواعه، لأن الأشياء بضدها تتبين.

حين تحدثنا في موضوع سابق عن العنف والتطرف كنا ندعو إلى إحداث جبهة فكريو ولم لا سلفية جديدة تقف في وجه هذا التطرف والعنف، لأننا أحوج ما نكوم إليها الآن حتى نحمي الوعي العربي من التطرف والتكفير ونعيده إلى سالف عهده حين كان التفكير هو الذي يسود وليس التكفير، لأن الرقي المجتمعي والحضاري الذي نسعى إليه لا يرى فيه المتطرفون إلا انحلالا وتفسخا أما الجمود الذي يدعون إليه فهو الطريق السليم. وكما دعا المعتزلة إلى المنزلة بين المنزلتين ندعو من جانبنا إلى سيادة فكر حداثي يستمد جدوره من الماضي دون جمود أو تطرف. فهل هذا حلم مستحيل؟

للموضوع صلة

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،