لقاء أكادير حول السياسة الثقافية في مجال التراث غير المادي يوصي باستحداث آليات علمية

لقاء أكادير حول السياسة الثقافية في مجال التراث غير المادي يوصي باستحداث آليات علمية

- ‎فيفن و ثقافة
447
6

مراسلة خاصة من رابطة أدباء الجنوب

أوصى المشاركون في اللقاء الدراسي الخاص بالتراث غير المادي، الذي نظّمته رابطة أدباء الجنوب والجمعية المغربية للسياسة الثقافية، يومي 07 و08 مارس الجاري، بضرورة إيجاد آليات علمية لتوثيق التراث الثقافي وتثمينه وجعله رافدا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعرف اليوم الأول، والذي تميّز بحضور نخبة من الباحثين والفاعلين في المشهد الثقافي المحلي والوطني توقيع كتاب “من ذاكرة سوس” الذي أصدره مجموعة من الباحثين، بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وجمعية سوس ماسة درعة للتنمية الثقافية بأكادير وأشرف عليه الكاتب عبد العزيز الراشدي . وأشادت الكلمات الافتتاحية بأهمية هذا العمل التوثيقي الذي سينضاف إلى خزانة التراث المحلي بعد أن أصدرت رابطة أدباء الجنوب كتاب” هكذا تكلمت درعة” وكتاب”حكايات درعة”.

image
وخلال اليوم الثاني، افتتح اللقاء الشاعر مراد القادري، الذي سيرّ الجلسة، حيث أعطى الكلمة للأستاذ أحمد السكونتي، خبير باليونسكو، الذي ألقى محاضرة افتتاحية حدّد فيها مفاهيم التراث والثقافة واعتبر بأنّ التراث غير تابت، وتمثلاتنا تجاهه مختلفة، فنحن نفكّر في الحفاظ عليه بأشكال مختلفة حسب توجهاتنا. والتراث غير المادي متحوّل حسب الزمان والمكان، ولكي نحافظ عليه نضطر على الدوام إلى التخلي عن صورة منه لصالح أخرى. وللتراث رهانات إنسانية، كما أنه يسهم في خلق مناصب الشغل، ويلعب دورا في الاقتصاد، بالإضافة إلى رهانات اجتماعية وثقافية لبناء الهوية. وميّز الباحث بين التراث المادي وغير المادي، واعتبر أن التراث المادي، على عكس ما نعتقد، يسهل تهشيمه لأنّه ملموس، بينما يصعب تدمير التراث غير المادي لأنّ من يحمله هو الإنسان. وعرّج على الاتفاقيات والإجراءات التي بادرت اليونسكو إلى القيام بها للحفاظ على التراث غير المادي، مخلصا إلى أنّ السبيل الأنجع للحفاظ على هذا التراث هو ممارسته وجعله حيّا داخل نمط حياتنا اليومية.
وتحدث الأستاذ الأستاذ سمير الأزهر من كلية الآداب بنمسيك الدار البيضاء، في مستهل تدخله، عن الموروث الثقافي بصفة عامة، وأكد في تدخله أن هذا الموروث في أي بلد كيفما نوعه، مرتبط بالهوية الثقافية والأدبية والفنية، وكذلك الجوانب الوجدانية، وأشار في السياق نفسه إلى أن الغرب أول من أدرك أهمية هذا التراث وضرورة توثيقه وترجمته ، ومن هذا المنطلق تمكنت كلية الآداب بن مسيك السير على نفس النهج، لتقوم بمبادرة للإهتمام بهذا التراث خصوصا اللامادي وأسست متحف بن مسيك، الذي يُعد ضمن أحسن متاحف المغرب التي أسست، هذا المتحف الذي يتوفر على تحف فنية وتراثية ناذرة، وأضاف أن أهمية المتحف الجامعية تتمثل في تقديم المعرفة التراثية الحقة، باعتماده على أسس نظرية وعلمية في الاشتغال. هذا المتحف الجامعي يسعى لاحتضان تراث جيد أكثر من المتاحف الكلاسيكية، لأن المتحف الجامعي يعتمد على بحوث في مجالات أخرى كالفن والأدب…لكون هذا المتحف الجامعي ذو وظيفة بيداغوجية. واختتم تدخله بذكر بعض شهادات أساتذة وفاعلي المجتمع المدني وبعض سكان منطقة بنمسيك، دون أن يغفل في نفس السياق بتأكيده أن هذا المتحف المحدث غايته النهوض بتراث كريانات الدار البيضاء كلها.

image
وجاءت مداخلة الأستاذ عبد المجيد فنيش من جمعية إدريس بن المامون للبحث والإبداع في فن الملحون، لتتحدث عن المعاينة الثقافية للفنون التراثية الأصيلة بشكل دقيق، حيث أشار إلى منافسة غير متكافئة في هذا الشأن، مما يؤدي إلى سيطرة لوبيات لا علاقة لها بهذا المجال، وأكد أن الإشكالية الثقافية للفنون التراثية تكمن في التقسيمات المتداولة بين عامة الناس كالحديث عن الملحون والأذكار، التي يجب أن يتحدث عنها كأشكال فرجوية وكأشعار تراثية شفوية. عموما فإن هناك أعراف فرضت تعاملا موحدا تجاه هذه الفنون التراثية منذ ما يزيد عن 50 سنة، يضيف فنيش، واختزلت فيما أطلق عليها بالفولكورية بمعناه القدحي، وأصبحت بعض هذه الأشكال مرتبطة بالجانب الديني في أوقات معينة كالملحون بعد صلاة المغرب…وهذا نفسه ما نهجه الإعلام للترويج لهذه الأشكال…واعتمدت الموسيقى التراثية الأصيلة مثلا لتأثيث الموسيقى العصرية لا غير..وشدد الباحث في الأخير على ضرورة التكوين في هذا المجال التراثي والثقافي في ظل غياب معاهد متخصصة التي أصبحت تعد على رؤوس الأصابع. وكذلك ظهور فرق مهتمة به كجيل جلالة التي حاولت اعتماد التراث الشفهي في بعض أغانيها. مشيرا في نفس السياق إلى كون بعض المهرجانات التراثية تعرف تعثرا واضح وبشكل متزايد خصوصا تلك التي تكلفت بها الجهات الرسمية، وعرفت بعض منها التي تكلفت بها الجمعيات صراعا من أجل البقاء، ويُعزى هذا حسب قول فنيش إلى تراجع كبير في تحسين البنيات التحتية للمرافق العمومية الخاصة بهذا التراث اللامادي.
وشدد على ضرورة خلق أنطولوجيا خاصة بهذه الفنون الأصلية إضافة إلى ضرورة انجاز معجم شامل ومشترك بين كل الباحثين المهتمين، وإنشاء فرقة وطنية مكونة من عناصر من فرق تمثل كل الفنون الشعبية المغربية الأصيلة… وأشار الأستاذ سمير قفص من مديرية التراث بوزارة الثقافة إلى أن مفهوم التراث مفهوم متحرك ومتجدد وجدّ حساس خاصة بحكم كونه مرتبط بعناصر التراث اللامادي المهددة، إذا احتكمنا لتصنيفات اليونسكو العشر والمتمثلة في التقاليد والعادات وفنون الفرجة والممارسات والطقوس، ثم الممارسات المرتبطة بالحرف وأنماط العيش اليومية ثم الفضاءات والتنظيمات الإجتماعية التقليدية. وأكد في نفس السياق أن القسم المكلف بالتراث بوزارة الثقافة، قام بجرد اللوائح الخاصة بالتراث اللامادي ومن خلال هذا الجرد تم الوقوف على منهجية الترقن، وإرساء بطائق خاصة بها، وتم بعد ذلك إنجاز كتيبات نشرت وبعضها لم ينشر. وختم الأستاذ تدخله بالتشديد على ضرورة الاهتمام بانجاز أبحاث ميدانية لتوثيق هذا التراث، كالاشتغال على التراث الشفاهي لمدينة مراكش وشفشاون، ومؤخرا أقيمت معارض خاصة بشجرة أركان، إذ أن هناك جهود مبدولة لدعم الكفاءات في مجال الجرد والتوثيق والذي تكلفت به منظمة اليونيسكو. إن شساعة المجال الجغرافي، يقول الأستاذ، جعلنا نقدم توصيات من أهمها توفير ميزانية محترمة من طرف وزارة الثقافة، ثم دعم مصالح مكلفة بملفات هذا التراث، ثم خلق رابطة للباحثين المهتمين في مجال هذا التراث.

image
وبعد استراحة قصيرة، افتتح الجلسة الثانية الباحث العربي مموش، الذي أعطى الكلمة للأستاذ عز الدين بونيت وهو أستاذ جامعي وباحث مسرحي ، وقد أوضح بونيت أن التشييد الموضوعي للذاكرة هو غاية البحث في التراث اللامادي، وعملية تقنين هذا التراث بمثابة تفويض لهيئات مهتمة بهذا الآثار اللامادي، لأن مسألة الذاكرة هي من أهم الأسس التي اعتمدتها الكتابة في تدوين التراث اللامادي رغم إختلاف الانشغال بالتراث اليوم عن الماضي، فمنذ ثلاثة قرون انتقلت مسألة الكتابة إلى معرفة، واليوم حين نتحدث عن التراث نتحدث عليه بنظرة مغايرة، لأن التراث اللامادي تدخل ضمنه الخطابات الشفاهية والخاصة بالموروث والإرادة الجماعية الموكلة في عصرنا لمؤسسات الدولة منذ تفعيل نظرة فرنسا للتراث المغربي إبان فترة الاستعمار، إلا أن هناك موقف سلبي من لدن الحركة الوطنية التي تنظر إلى التراث نظرة دونية، وتعتبره شيئا تافها، ولكن بعد التسعينات من القرن الماضي تغيرت نظرة الباحثين وأصبحوا متحمسين لإعطاء نظرة خاصة للتراث الموجه للسياح. فرجعنا يقول بونيت إلى تراثنا بنظرة سياحية وهي نظرة قدحية ودونية. وأكد الباحث في السياق نفسه على أن تحول الصناعة التقليدية كتراث أصيل إلى تراث يطغى عليه التصميم، شيء مؤسف وأن تقزيم الفرق والرقصات أمر محرج، مشيرا في الأخير إلى كون جمعية سوس ماسة درعة للتنمية الثقافية، اشتغلت على صيانة وحماية التراث، وفكر أعضاء الجمعية في الاشتغال على دور تهتم بهذا التراث اللامادي “دار أحواش” وقد تم التوقيع على اتفاقيات شراكة بين تنظيمات أخرى لها نفس الأهداف، غاية الجمعية الحفاظ على التراث بكون هذه الغاية هي تثمين للموروث الغير المادي المغربي…
وتتالت المداخلات في الموضع، حيت تحدثت الأستاذة زينب العمراني: المركز الوطني للنقوش الصخرية: في بداية عن الموضة الحديثة للتراث، وهذه الموضة بمثابة بداية لإعادة الاعتبار له خصوصا سنة 2003 بباريس، إضافة إلى كون هذا التراث المتسم بالموضة، منحت له الأهمية من خلال تقديم دروس علمية حول التراث وأرشفته، بالمؤسسات المهتمة. وأشارت إلى أن هناك فرق كبير بين التراث الأصيل والتراث المعتمد على التصميم، وهذا الأخير الغاية منه تأثيث للفضاء الذي يعطيه جمالية خاصة، هذا الدور الذي لعبه التصميم في الحفاظ على التراث إنما يدل على ضرورة معرفة طرق الحفاظ عليه خصوصا ما يتعلق بالبيئة التي تحيط به…إننا كباحثين، تقول الأستاذة، أعطينا هذا العمل مهام كثيرة أولها الحفاظ على تاريخ الفرد وتراثه، وتوصلنا إلى كون أهم عمل قامت به مؤسسات الدولة هو تقنين هذا التراث عبر برامج خاصة لتخزينه والحفاظ عليه، لذلك فخصائص هذا النوع الجديد من الاشتغال يستمد ذاته من إمكانية الحفاظ على التراث المستمد من الهوية الحقة للفرد.

image
وأشار الأستاذ أحمد المنادي الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى أن مثل هذا التراث المتحدث عنه في هذا اللقاء تم استبعاده بشكل وبآخر ضمن قائمة تراث الشعوب، وهذا تحكم فيه الموقف الإيديولوجي والسياسي بالمغرب، مما يجعلنا نبحث عن سبب إغفال لهذا النوع خصوصا أنه لم يتم إقرار قانون مسطر لهذا الشأن، لحمايته وتثمينه، واستشهد الأستاذ قول بتعريف لمنظمة اليونيسكو للتراث، إذ نجد في هذا التعريف ما يوضح دخول هذا النوع اللامادي ضمن التراث بصفة عامة.
وأشار الأستاذ إلى ضرورة إحداث لجنة وطنية لحماية التراث اللامادي، وكذلك شرطة خاصة بالتراث اللامادي إضافة إلى ضرورة إحداث صندوق لتثمين التراث، استنادا لما جاء به ظهير إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي جاء في بنوده إقرار بضرورة مأسسة التراث وضرورة الحفاظ عليه خصوصا في شقه المرتبط بالتراث الأمازيغي وشدد في نهاية تدخله على الحديث عن هذه الخطوات المهمة، لتثمين الحفاظ على التراث الأمازيغي خصوصا بعد دسترة اللغة الأمازيغية التي ستساهم بشكل كبير في تقنين هذا التراث. إن من الضمانات الأساسية، يقول الباحث، هو تشجيع المهتمين به، خصوصا في ظل استثمار التقنيات التكنولوجية الحديثة.
أما الأستاذ إبراهيم الحيسن الباحث الصحراوي، وعضو جمعية أصدقاء متحف الطنطان للتراث والتنمية الثقافية فقد حاول الأستاذ إبراهيم الحيسن الحديث عن هذا التراث اللامادي إنطلاقا من حديثه عن التراث الصحراوي الحساني، وتحدث في عن مفاهيم مرتبطة بهذا النوع من التراث المغربي، وأكد على كون التراث غير المادي الحساني مرتبط في الغالب بالنساء. مشيرا في نفس الوقت إلى أنه مرتبط بتكتلات قبلية موحدة خصوصا من التي تمارس الصيد في السواحل بالصحراء، والتي تعرف بممارسة طقوس يومية، وأضاف إلى كونها تمزج بين اللعب والكلام الشفاهي وهناك رقصات تراثية مهمة وشخصيات تاريخية مثل “جرتات” وهو جحا الصحراء، وختم كلامه بتأكيده على أن المجتمع الصحراوي الحساني يقدس المنطوق، إذ نجد الشاعر في الثقافة الحسانية هو “المغني” وشدد في الأخير بعد أن أمتع الحاضرين بأمثال صحراوية فيها متعة، بضرورة تدوين هذا التراث اللامادي الصحراوي لأنه أمر مهم للحفاظ على التراث الحساني وثقافة الصحراء بشكل عام.
وتساءل الحاضرون عن آليات إستثمار التراث غير المادي بالمغرب اقتصاديا وثقافيا، وهل نحن قادرون على بلورة مشروع متوازن في ظل وجود صعوبات في مسار جمع التراث الثقافي، كما أكدوا على ضرورة وضع برامج محددة مستقبلية من طرف رابطة أدباء الجنوب مع شركائها لجمع هذا التراث وتثمينه. متسائلين أيضا عن السياسة الإعلامية الثقافية الوطنية الكفيلة بحماية هذا الموروث الهام.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،