الصحافة وأنياب “دراكولا”

الصحافة وأنياب “دراكولا”

- ‎فيرأي
165
6

 

محمد بوبكري

لا يكف “الزعيم”عن كيل السباب والشتائم للصحافة والصحفيين لأنه ضاق ذرعا بما يوجهون إليه من نقد. بل، لقد مضى إلى حد تهديد بعضهم بتهشيم أسنانهم إذا عاودوا الكتابة عن خروقاته، وتوعُّد آخرين بطردهم من عملهم، ثم زادَ وغلَّظ اليمين بإغلاق بعض الصحف التي تختلف معه. إضافة إلى ذلك، فقد سَخَّر “سيدة” لإخبار بعض الصحفيين بأنه يحظى بمساندة السلطة التي كلفته بالاشتغال حول أحد أكبر مشاريعها، وأن كل من ينتقده يلعب بالنار، لأن ذلك يشكل اعتراضا على مشروع السلطة. لذلك لو استطاع “الزعيم” لأغلق جميع الصحف المغربية واعتقل صحفييها. فهو يضع نفسه فوق النقد، ما يعني أنه يتوهم اتصافه بالعصمة ويريد أن يقدِّسه الناس، ما يُبطل حديثه عن “صفاته الديمقراطية”. فهل يريد الزعيم أن يسكت الصحفيون عن فساد الزعامات السياسية التي تتدخل لدى مختلف المؤسسات لقضاء أغراضها الخاصة ومصالح ذويها اللامشروعة؟ وهل يريد أن يصمتوا عن تدخلاتها المؤدَّى عنها لدى هذه المؤسسات لتمكين بعض الأثرياء من ممارسة الظلم عبر الاستفادة من الريع؟…

علاوة على ذلك، يفرض “الزعيم” على جريدة الحزب نشر ألبوم Album مختلف صوره يوميا، وقد كلف”سيدة” أخرى تابعة له بالإشراف على هذه العملية، ولا يرتاح له بال إلا بعد أن تتصل به هذه “السيدة” وتخبره بعدد الصور التي ستُنشر له والمساحات التي تغطيها… وهذا ما جعل المناضلين والصحفيين يشمئزون من هذا السلوك لكونه يعكس رغبة الزعيم في تكريس حكمه الفردي، ما يشكل انحرافا عن توجهات الحزب، ويؤدي حتما إلى انخفاض عدد قراء الجريدة…
فضلا عن ذلك، فقد سبق للزعيم أن هدَّد بطرد كل أقلام الحزب التي تنتقده في مختلف الصحف الورقية والإلكترونية، لكنه عجز عن تنفيذ ذلك، لأنه رأى فيه انتحارا قد يضع حدا لحياته السياسية…
لا يقرأ الزعيم ولا يكتب ولا يفقه في التاريخ شيئا… ومما فاته معرفته أنَّ أحد وزراء الرئيس الأمريكي “ترومان” جاءه يوما يشكو إليه الهجومات القاسية التي تشنها عليه الصحافة الأمريكية، فاستمع إليه الرئيس بهدوء، وخاطبه والابتسامة تعلو محياه قائلا: “لا يحق لمن اختار أن يكون خبَّازا أن يشكو من شدَّة حرارة الفُرن”.
زيادة على ذلك، فقد كتبت الكاتبة الأمريكية “سيندى شيهان Cindy Sheehan ” المتعاطفة مع العراق مقالا وصفت فيه الرئيس الأمريكي “جورج بوش” بالغرور والغباء والجبن لكونه وقادته العسكريين يرسلون الشباب الأمريكي للموت في العراق، دون أن يستغرب قراء الصحافة الغربية هذا الأسلوب التعبيري الشائع في صحافة كل البلدان الديمقراطية الغربية، حيث يوجه الكتاب والصحفيون هناك انتقادات لاذعة للمسؤولين دون أن يتعرضوا للمتابعة أو الاعتقال… بل إن القانون يسمح لهم بنقد المسؤولين، ويحظر المس بسمعة الأفراد العاديين، إذ يجوز للمواطن العادي أن يتابع قضائيا من يصفه علنا بالغباء والجبن… فالقانون في البلاد الديمقراطية متشدد في حماية سمعة المواطنين العاديين، لكنه يسمح بممارسة أقصى درجات النقد في حق المسؤولين. ويعود ذلك إلى أن توجيه النقد لا يكون بدافع شخصي، بل دفاعا عن المصلحة العامة.
هكذا، فالنظام الديمقراطي يضمن حماية من ينتقد المسؤولين رغم ما يمكن أن يعتري هذا النقد من تجاوز. بالتالي، فقد تعوَّد مسؤولو البلدان الديمقراطية على التعرض للنقد اللاذع، فصاروا مقتنعين بشرعية ملاحقته لأصحاب المسؤوليات والمناصب العمومية…
تؤكد هذه الأمثلة وغيرها أن النظام الديمقراطي لا يعترف بوجود ما يسمى بإهانة “رموز” الحزب أو زعاماته. فهذه لا وجود لها في ذلك النظام أصلا، بل هناك فقط مسؤولون ينتخبهم الشعب لخدمته، ما يخول له حق توجيه النقد لهم وإقالتهم ديمقراطيا.
وبذلك، لا يعي “الزعيم” أن تعبيرات “الإساءة إلى زعامة الحزب في الإعلام”و”تهديد وحدة الحزب” و”إثارة البلبلة”… هي مجرد تهم لا تنتمي إلى القاموس الديمقراطي لأنها من اختراع المستبدِّين لتكميم الأفواه والأقلام ليفعلوا ما يريدون في غفلة من المناضلين والمواطنين دون أن يجرؤ أحد على مساءلتهم…
وإذا كان النظام الديمقراطي يُسائل كل مسؤول يُتهَمُ بخرق القانون، ويعرضه لعقوبة إذا ما ثبت ما نُسب إليه، فالزعيم عندنا لا يقبل النقد، ويتصرف بعنف لأنه يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة… وهذا ما يجعله لا يتردد في الجهر بتسلطه وجبروته، متجاهلا أن النقد أساس الحياة والتقدم، وأن الطغيان يجلب الفناء لصاحبه.
خلاصة القول، لا يعرف”الزعيم” معنى الحرية ولا معنى الإنسان، لأنه لا يدرك أن وجود الإنسان ينهض على فكره وروحه، حيث لا يقدر عقله على بلوغ غايته وهو مكبل مسجون، كما لا يمكن للروح أن تعيش مقيدة… لذلك فالحرية هي أساس وجود الإنسان، وهي الغذاء الذي يزود الإنسان بالطاقة ويمنحه الحيوية التي تمكنه من الاستمرار في الحياة. فهي تغذي العقل والروح، كما يغذي الماء والهواء جسم الإنسان، وبدونها لن يكون هناك إنسان. إنها روح المجتمع وعقله وقلبه، حيث تقوم بتنظيم حركات المجتمع ومؤسساته. وبدونها ينعدم التناسق والتنظيم والتكامل بين أعضاء المجتمع، فيصاب بالمرض والفوضى… لذلك، فما دام “الزعيم”مصابا بسعار الاستبداد، ولا يدرك معنى الإنسان ولا مفهوم الحرية، فإنه لن يقدر على القيادة، ما يستوجب رحيله.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،