الرجاء عدم التشويش على قائد أمرشيش

الرجاء عدم التشويش على قائد أمرشيش

- ‎فيمجتمع
205
6

للوهلة الأولى، ظننا في (كلامكم) أن الأمر يتعلق بقصة قصيرة لكاتب مغربي موهوب، لولا أن الشكاية تتحدث عن قائد مقاطعة أمرشيش بمراكش، وهي مقاطعة حقيقية وليست فضاء أدبيا متخيلا. وظننا أن المواطن سين مجرد اسم مستعار لولا أن الرجل بعث رفقة هذه الورقة صوراً لمكان حميمي من بيته وهو غرفة نومه التي لم يشتك من حالها إلا بعدما بلغ السيل سريره ولم يجد حتى من يمنحه وصل إيداع لشكايته.

 

الرجاء عدم التشويش على قائد أمرشيش

   المواطن سين لا يقطن بيتا طينيا ولا حيا صفيحيا ولا يقيم في مجرى واد قديم… ومع ذلك، فحِصّته من الأمطار تصله حتى غرفة نومه. فقد مُنِيَ بجار وَرَدَ ذِكره في إحدى المعوذتين، جار يسكن في الشقة التي فوق بيته، وهي شقة ذات سطح أضيفت إليه ذات غفلة مرافق بصرف صحي في منتهى المرض، وبه حدائق غير مُزَفَّتة… ما يجعل المياه على اختلاف مصادرها تتسرب إلى سقوف المواطن سين لتتحول إلى بِرك صغيرة تمنع عنه وعن أسرته جزءًا من البيت.

    المواطن سين أطلع جيران السوء على أضرار السنة الماضية وقام بإصلاحها مع ما يكلف ذلك من جهد ومال ووقت، دون أن يطلب تعويضا يستحقه بقوة القانون، وكل ما طلب هو أن يَكُفّوا عنه مياههم القذرة، وهو خير صغير لم يستطعه شر ما خلق.

مواطن سين

     المواطن سين فوجئ مع أول أمطار هذه السنة بالسيل وقد وصل السرير(العبارة من شكاية للمواطن سين)، فنادى على حارس العمارة وعلى مقدم الحي الذي كان في الجوار وكذلك فعل مع جارة السوء. الجميع شاهد كيف أن بيت المواطن سين أصبح بغرفة ناقصة (وقد يصبح بأكثر مع توالي الأمطار). السيد المقدم تحدث مع الجارة في مسعى حميد منه، بينما هذه الأخيرة اختفت لا يعرف المواطن سين هل خجلًا أم نعامةً أم أنها جارة الوادي التي لا تضيرها البِرَكُ في بيت الجيران؟

    المواطن سين كتب شكاية في الموضوع، ووضع نسخة منها في الولاية وأخرى في مقاطعة كيليز، وتسلم وصلا عن كل منهما في دقائق معدودة وبسلاسة مشكورة تحسب للإدارة المغربية، وهي السلاسة التي لم يجد لها أثرًا في ملحقة أمرشيش، لا لأن هذه أكبر من الولاية (حاشا معاذ الله) ولا لأن لها نصيبًا من اسمها (فمن ذا الذي يغمز من هذه القناة؟) وإنما لأن دهاء قائدها جعله لا يتسلم الشكايات حتى وإن تسلمها، وإلا كيف يفهم المواطن سين وغيره من السينات أن أمرشيش، بأمر من قائدها، لا تُسلِّم أي وصْل عن الشكاية، ومن أراد وصلا عليه انتظار أن يتجلى القائد شخصيا، وهي لحظة لا ينعم بها إلا الراسخون في الانتظار.

مواطن سين1

    المواطن سين تردد على أمرشيش (المقاطعة طبعا) أكثر من مرة خلال عشرة أيام دون أن يحظى بوصل إيداع عن شكايته أو يلمس بادِرة لتفعيلها. وهو يهم بمغادرة المقاطعة (إلى غير رجعة كما يتمنى) انتبه إلى فرمان معلق عند باب القائد، فرمان يسمح للسينات برؤية جنابه يومي الثلاثاء والخميس من العاشرة صباحا إلى الثانية عشرة زوالا. ما يعني أن على الواحد منهم أن يتقدم إلى إدارته بشهادة طبية مدتها ثلاثة أيام، حتى إذا لم يحالفه الصف لملاقاة سيادته يوم الثلاثاء عاد إليه يوم الخميس، إذ لا يعقل أن يكون قد تعافى تمامًا من الانتظار يوم الأربعاء. وفي ذلك ضياع أكيد لمصالح المواطنين التي كان سيقضيها أولئك السينات أيام تمارضهم الإجباري. فأيهما أيسرعلى السيد القائد، أن يقرأ الشكايات في الوقت الذي يريد فيما أصحابها في أعمالهم، أم أن يستقبل مواطنين بعدد تلك الشكايات وقد انصرفوا عن أعمالهم (وهي من مصالح الناس) إلى مكتبه وكأننا لم ندخل بعد عصر التدوين؟ وأيهما أيسر، رؤية القائد أم رؤية مُذنَّب هالي؟

   المواطن سين رأى فيما يرى الجاهل، أنه في طابور طويل من الأسلاف الذين لا يعرفون الكتابة، ينتظر دوره للمثول بين يدي قائد لا يعرف القراءة، في أربعينات القرن الماضي كما يقدم ذلك أحد الأشرطة المغربية، فاستيقظ وهو يستعيذ بالله، ويعزي نفسه بتلك الأحلام التي قرأ في الجرائد عن الإدارة الرقمية، والقائد بوان كوم وغيرها من الأضغاث التي قد يموت المستقبل نفسه قبل أن تتحقق.

    المواطن سين لا ينتظر من القائد جيمًا على شكايته ولا وصلا ولا تفعيلا… بل يتمنى عليه فقط أن يحترم الكتابة والقراءة اللتين أوصلتاه إلى مركزه وأن يحترم وقت المواطنين الذين هو قائد لأجلهم (هل هم مواطنون لأجله؟)، مثلما يتمنى عليه أن يحترم المنطق ، فالإسكندر الأكبر، أشهر قائد في التاريخ كان تلميذاً لأرسطو، المعلم الأول ومؤسس علم المنطق.

    المواطن سين يسحب رمزيا شكايته من عند القائد، وبذلك فهو يشكوه إلى نفسه.

 

المواطن سين

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،