وداعــــــــا غـــالــــــوي كـيـنـيـل1927-2014: ســـيــبــعــــث الـمـيــــت طــاهـــــــــرا

وداعــــــــا غـــالــــــوي كـيـنـيـل1927-2014: ســـيــبــعــــث الـمـيــــت طــاهـــــــــرا

- ‎فيرأي
327
6

شاعر امريكيغـــالــــــوي كـيـنـيـل

 

الحبيب الواعي

توفي شاعر المنظر الطبيعي، شاعر مناجاة النفس، شاعر النصف الخفي من المدينة، الشاعر الذي يمثل اللصوص وباعة العربات اليدوية والحطابين. مات الشاعر غالوي كينيل . وأكدت زوجته بربرا بريستول أن سبب وفاته يعود إلى مرض اللوكيميا الذي كان يعاني منه. وقد قضى كينيل حياته الحافلة بالإبداع منتقلا بين ولاية فيرمونت ومانهاتن حيث كان يعمل أستاذا ومديرا لقسم الكتابة الإبداعية في جامعة نيويورك.
ولد الشاعرغالوي كينيل عام 1927 في بروفيدانس بولاية رود أيلاند لأب و أم مهاجرين ونشأ في بوتكيت حيث سينكب هذا الشاعر المنعزل على الاستماع إلى تراتيل و مواعظ الكنيسة المحلية كما سيتشبع بقراءة ما خلفه كتاب أمريكيين انطوائيين من أمثال إدغار ألان بو وإميلي ديكنسون. في عام 1948 التحق بالبحرية الأمريكية وبعد سنتين من الخدمة العسكرية عاد إلى الدراسة بجامعة برنستون ليحصل على الباكالوريوس بميزة مشرف و كان من أبرز زملائه في القسم أنداك الشاعر المشهور ويليام ستانلي مروين الذي سيعرفه على أعمال ويليام باتلر ييتس. لم يكتفي كينيل بالبكالوريوس فقد واصل دراسته بجامعة روتشستر و حصل على درجة الماجستير ثم أمضى سنوات عديدة خارج وطنه الأصلي على نفقات منحة فولبرايت في الشرق الأوسط وباريس حيث ستعرف على أعمال الشاعر الفرنسي فرانسوا فيلون. وبعد عودته إلى الولايات المتحدة سنة 1960 انضم كينيل إلى كونغرس المساواة العرقية (CORE)و أسندت له مهمة تسجيل الناخبين الأمريكيين السود في الولايات الجنوبية مما عرضه للسجن. في سنة 1968 وقع على عريضة الكتاب و الناشرون الذين رفضوا دفع الضرائب تعبيرا على نبذهم للحرب على الفييتنام.
شرع كينيل في كتابة الشعر خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية و انضم إلى جيل من الشعراء كانوا يحاولون تجاوز تقنيات التيار الحداثي لكل من ت س إليوت و ازرا باوند وذلك بكتابة شعر يمكن فهمه دون الحاجة إلى شهادات الدراسات العليا. و تتناول كتابات كينيل تجارب سفره في العالم، تصوراته للحياة في المدينة، معاناته كمتظاهر وعضو كونغرس المساواة العرقية ، ومعاداته للحرب على فيتنام. ويعتبر كينيل أحد الأصوات الأولى التي دعت إلى الاحتفال بالتغيير في الشعر الأمريكي و تحريره من الكياسة الزائدة التي تميزت بها فترة الخمسينات وطالب بإدماجه في حقل العمل السياسي المتحرر لفترة الستينات.
و بالرغم من أن كينيل عاصر كل من مؤسسي جيل البيت وأتباع النقد الجديد- الذين كانوا يركزون على التحليل الموضوعي للبنية والمعنى- فانه ابتدع طريقته الخاصة وذلك بتطوير أسلوب شعري غنائي يستمد مادته الخام من الماضي. و بنشره لقصيدته الموسومة ب “الشارع الذي يحمل حرف المسيح إلى العالم الجديد” سيلتحق كينيل بجماعة الشعراء المرموقين من أمثال والت ويتمان و ويليام كارلوس ويليامز. في هذه القصيدة يصور كينيل الحياة على الشارع C في الجانب الشرقي السفلى لمدينة نيويورك متأثرا ب” أرض الخراب”. وتدور الأجزاء العشرة من كتابه “كتاب الكوابيس” حول لحظتين من لحظات حياته كأب كما أنها تدرس علاقته مع المجتمع من خلال نظام رمزي يعتمد على استعارات كونية. و يتناول شعر كينيل في مجمله قضايا لها علاقة بالحياة اليومية للطبقة الوسطى وهو في ذلك لا يقتصر على موضوع واحد. وقد أشار بعض النقاد إلى أهمية الأبعاد الروحية في شعره. و عن تصوره لمهمة الشعر و الشعراء يقول كينيل: “الشعر هو أن يقف شخص ما، إذا جاز التعبير، ويعبر، مع إخفاء أقل قدر ممكن، عما يعنيه في نظره أن تكون موجودا في هذه اللحظة.”
حصل ديوان كينيل “قصائد مختارة” على جائزة بوليتزر للشعر سنة 1982 كما أنه تقاسم الجائزة الوطنية للكتاب في صنف الشعر مع تشارلز رايت. وفي الفترة الممتدة من 1989 إلى 1993 تقلد منصب شاعرولاية فيرمونت. نشر كينيل أزيد من عشرين كتابا و من أهمها كتاب الكوابيس و بعد ممارسة الجنس نسمع الخطوات و الشارع الذي يحمل حرف المسيح إلى العالم الجديد، بالإضافة إلى دواوين ترجمها عن الفرنسة و الألمانية مثل حول حركة و سكون دوف لييف بونيفوي و قصائد فرانسوا فيلون و قصائد رينر ماريا ريلك.
سيبعث الميت طاهرا
قصيدة غالوي كينيل
ترجمة الحبيب الواعي

1
قطعة من اللحم تلفظ
دخانا في الميدان

جيفة،
أشلاء،
بقايا طعام،
نقود،
غائط،
طرامة،
شحم مرمي في سلال مهملات من المستشفى

أيها الملازم!
هذه الجثة لا تتوقف عن الاحتراق!

2
“أهذا أنت يا كابتن؟ بالتأكيد،
بالتأكيد أتذكر، ما زلت أسمعك
تحاضر في وجهي على جهاز الاتصال الداخلي: برنسي، ارفع بندقيتك!
! ثم تصرخ: برنسي، توقف عن إطلاق النار
إنهم مسالمون! لكن يا كابتن
قد فات الأوان فقد أطلقت النار، انفجار
يعقبه انفجار، منامة سوداء صغيرة تطير في الهواء
تم تسقط. . . وهل تذكر ذاك الطيار
الذي قفز من الطائرة في النصف الشمالي،
كيف مزقته إلى أشلاء؟
إحدى عينيه الزائغتين، وقطعة
من ابتسامته،
تبحر بجانبي

كل ليلة بعد تناول الحبوب المنومة. . .

“كل ذلك فقط
لأني أحب الصوت
الذي يصدرونه. أعتقد أني أحب فقط
ذاك الشعور الذي يتولد عنهم عندما يندفعون من بين يدي “.

3
على شاشة التلفزيون:

هل لك جسم يعرق؟
عرق ذو رائحة ؟
أسنان زائفة تصدر جلجلة عندما تتناول فطورك؟
حالة خوف؟
صداع دائم قد يعمر أكثر منك؟
إبطين ينبتان شعرا؟
أكوام ضخمة بحيث لا تحتاج إلى كرسي كي تجلس إلى المائدة؟

لا ينبغي أن ننام كلنا، و لكن يجب علينا أن نتغير. . .

4

في القرن العشرين من اكتساحي للأرض،
بعد إبادة مليار كافر،
مهرطق، يهود، مسلمين، سحرة، مريدين متصوفة،
سود، آسيويين، إخوة مسيحيين،
كل واحد لسببه الخاص،

قارة كاملة من أناس حمر لأنهم يعيشون في مجتمع غير طبيعي
وفي الوقت نفسه يرتبطون بالأرض،
مليار نوع من الحيوانات لأنها لم ترقى إلى مستوى الإنسان،
وعلى استعداد لاحتضان المخلوقات المتعطشة للدماء من كواكب أخرى،
أنا الإنسان المسيحي أتأوه شهادة إرادتي الأخيرة.

أقدم دمي خمسين جزءا من البوليسترين،
خمسة وعشرين جزءا بنزينا و خمسة وعشرين جزءا غازا،
لأخر طيار يقود طيارة قنابل في السماء، على أن يكون هناك فدان واحد
في العالم الممل حيث قد تتفتح زهرة التقبيل،
زهرة تقبلك طويلا حتى تكاد عظامك تنفجر تحت شفاهها

لساني ينصرف إلى أمين الموتى
ليقول للجثث، “أنا آسف أيها الزملاء،
كان القتل مجرد واحد من تلك الأشياء
التي من الصعب تصورها مسبقا مثل بقرة،
مثلا، يصعقها البرق “.

معدتي، التي هضمت
أربعمائة معاهدة منحت الهنود
الحق الأزلي في أراضيهم، أقدم للهنود،
أرمي رئتي اللتين قضيتا أربع مائة سنة
في مص أنابيب السلام على حسن نية.

روحي أتركها للنحل
كي يلدغها ويموت، وعقلي
للذباب، ظهره ذو اللون الأخضر الهستيري من الوحل،
كي يمصه ويموت، وجسدي لرجل الدعاية،
المضاد للعاهرات، الذي يحتقر الجسد البشري من أجل المال.

أعهد بعمودي الفقري الملتوي
لصانع النرد، ليفرمه إلى قطع نرد،
كي يرمي النرد بشأن من سيرى دمه
على مقدمة قميصه ومن سيراه على قميص أخيه،
لأن السباق ليس باتجاه السريع ولكن إلى الملتوي.

لآخر رجل على قيد الحياة فوق هذه الأرض
أقدم أجفاني التي أضناها الخوف، كي يلبسها
في لياليه الطويلة من الإشعاع والصمت،
حتى لا يغلق عينيه، لأن الندم
مثل الدموع تتسرب من خلال الجفون المغلقة.

أعطي الفراغ يدي: الخنصر يتوقف عن نقر الأنوف،
الأوساخ تلتصق بساق البنصر،
قليل من اللهب ينبثق من الوسطى،
السبابة تتهم القلب الذي اختفى،
على جدع الإبهام ذؤابة من الدخان تطلب الركوب إلى الفراغ.

في القرن العشرين من كابوسي
على الأرض، أقسم على خصيتي الكروميتين
بهذه الشهادة
و أخر وصية
لإرادتي الحديدية، خوفي من الحب، لهفي على المال، و جنوني.

5
في الخندق
الثعابين تزحف على الطرق الباردة
فوق الفخذ النتن، عظام أصبع القدم
تتشنج من رائحة المطاط المحترق،
البطن
تنفتح مثل زهرة الليل المسمومة،
اللسان تبخر،
شعرات
الأنف ترش نفسها بالغبار الأصفر والأبيض،
الشعلات الخمسة في نهاية
كل يد قد انطفأت، وبعوض
يرشف أخر وجبة من طبق الصفاء هذا.

والذباب،
آخر كابوس ، يفقس بيضه.

6

ركضت
رقبتي منكسرة، ركضت
ممسكا رأسي بكلتا يدي، ركضت
معتقدا أن اللهيب
اللهيب قد تحرق المزمار
ولكن اسمع صديقي الصبي لا يمكنهم أن يلمسوا النوتات!

7

عظام قليلة
ترقد حول دخان العظام

أغشية، و
دمى ضغطت في العشب،
تعاريج مومياء،
تقشرات،
مفارش مرتخية و محترقة تعيد للعالم
ذكريات تركت في المرايا على سقوف دور الدعارة
أجنحة الملاك
أوقفت في ثلوج السنة الماضية

اركع
فوق الأرض المحروقة
علي شاكلة الرجال والحيوانات:

لا تدع هذه الساعة الأخيرة تمضي،
لا تزل كأس السم الأخير هذا من شفاهنا

وريح تحتجز
من كل ليالينا وأيامنا صرخات ممارسة الجنس
تتحرك بين الحجارة و هي تبحث عن
اثنين من الهياكل العظمية المبرومة كي تفجر آخر صرخاتها الماضية في جميع الأنحاء.

أيها الملازم!
هذه الجثة لا تتوقف عن الاحتراق!

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،