وجهة نظر. نائب مراكش : توقيف أم طلب إعفاء؟

وجهة نظر. نائب مراكش : توقيف أم طلب إعفاء؟

- ‎فيرأي
443
6

 

بلمختار11الوزير بلمختار

 

كمال رفيق

لا حديث في الأوساط المراكشية هذه الساعة إلا عن “عزل” النائب الإقليمي لوزارة التعليم بمراكش سمير مزيان عن مهامه. وقبل التدقيق فيما إذا كان الأمر يتعلق بعزل أم توقيف أم إعفاء أم مجرد استجابة من الوزارة لطلب إعفائه حسب الرواية التي أُرِيدَ لها أن تروج، وجب التذكير أولاً بأن هذا الرجل أوصل الساحة التعليمية المراكشية إلى تخبّط شامل واحتقان غير مسبوق لم تعشه هذه النيابة حتى حينما كانت بدون نائب أصلا في بعض فترات الفراغ الإداري التي مرت منها. فقراراته المزاجية الانفرادية ظل يفاجئ بها حتى أقرب مساعديه، وعلاقاته كانت متوترة على الدوام مع رؤساء المصالح، أما تعامله مع موظفي النيابة فمتعجرف، هذا دون الحديث عن المشاكل التي ظلت تتكرّر بالجملة في عهده مع كل دخول مدرسي، ومع كل موسم امتحانات. دون أن ننسى نجاح سمير مزيان الباهر في توحيد صفوف النقابات الخمس الأكثر تمثيلية ضده في إجماع لم تعرفه الساحة النقابية منذ مدة، خصوصا بعد اندلاع فضيحة اعتقال المعلمة نعيمة رجاح التي أوقفها النائب “توقيفا احترازيا” غير مسنود بأيّ ملف لا تربوي ولا إداري قبل أن يستعدي عليها الأمن ليتمّ اعتقالها من داخل المؤسسة التعليمية التي تشتغل بها في مشهد لم يعشه المغرب منذ سنوات الرصاص والجمر حينما كان اعتقال رجال التعليم المحسوبين على المعارضة وعلى اليسار من داخل مؤسساتهم وأقسامهم ومن وسط تلاميذهم أمر شائعا في ذلك الزمان.

هذا النزوع الغريب إلى طلب تدخل القوات العمومية ضد كل من لم يرُق سعادة نائب مراكش أو أقلقته مطالِبُه صار مُتواترا حيث تكرر مثلا خلال الأسابيع القليلة الماضية مرتين: مرة ضدّ أساتذة سدّ الخصاص والثانية ضد المعلمة المذكورة، حتى أن بيانات الجمعيات الحقوقية المحلية وعلى رأسها الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الانسان ظلت تتوالى ضد نائب التربية الوطنية في مراكش أكثر مما تصدُر ضدّ الأمن ومسؤوليه بعاصمة المرابطين.

سمير مزيانسمير مزيان

هو “إعفاء” مفهوم ومبرّر إذن، بل هناك من يرى بأن الإعفاء قد تأخر أكثر مما يجب طارحا أكثر من سؤال عمّن كان “يستمتع” بتأجيج الاحتقان داخل نيابة مراكش وبأية خلفية ولأي هدف غير مُعلَن؟ لكن عموما يبدو أن القرار الحكيم جاء من قلب الوزارة ليعيد الأمور إلى نصابها. ليصير السؤال المطروح شكليا فقط: هل عُزِل سمير مزيان من منصب أثبت بوضوح أنه فوق طاقته وإمكاناته التدبيرية، أم أنه هو من طلب إعفاءه من منصبه؟

 

العارفون ببواطن الأمور يؤكّدون أن الاجتماع الأخير الذي احتضنته أكاديمية مراكش الجهوية يوم الخميس 30 أكتوبر وترأسه مدير الأكاديمية شخصيا بحضور نواب الجهة والذي عرف رفضا مطلقا للنقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية لأي حوار مع سمير مزيان الذي أوصل الحوار معهم إلى الباب المسدود. بل إن النقابات ستطالب بمغادرته قاعة الاجتماعات لولا توسط مدير الأكاديمية الذي ترجّاهم أن يقبلوا بقاءه في الاجتماع على أن يحضر بصفة ملاحظ ودون أن يُعطاه حق التدخل لا ليشرح ولا ليوضح. الذين حضروا هذا الاجتماع من إداريين ونقابيين خرجوا منه مقتنعين بأن النائب يعيش بداية النهاية. أيضا تأكيد مدير الأكاديمية على رؤساء المصالح بنيابة مراكش بأن يهيئوا له كل الملفات العالقة بالنيابة ليتولى النظر فيها بنفسه والحسم فيها بشكل مباشر كان مؤشرا مهمّا آخر. بل إن مدير الأكاديمية وعد بإلغاء التكليفات “المثيرة للجدل لكي لا نقول المشبوهة” التي أصدرها سمير مزيان، كما وعد مدير الأكاديمية رجال التعليم بحركة إدارية محلية ستجرى قريبا وفق مذكرة منظمة ووفق رغبات هيئة التدريس والأطر التعليمية.

 DSCN2962النقابات تحتج على النائب

ومباشرة بعد اجتماع الأكاديمية، استُدعي نائب مراكش على عجل إلى الوزارة. وما إن عاد من الرباط حتى بادر إلى تقديم طلب إعفائه. وهو ما يؤكد أن طلب الإعفاء هذا ليس بريئا. بل هو صيغة تم الاهتداء إليها لتلطيف القرار. فالظاهر أن الرجل قد اُمِرَ أمراً بأن يقدم طلب الإعفاء هذا مباشرة إلى الوزارة لكي ييسِّر على المسؤولين أمر عزله، خصوصا وأن إبعاده بشكل مباشر قد يجعل المشهد النقابي والحقوقي المراكشي يعتبر العزل انتصارا له. وهناك من لا يريد أن يسجّل هذا الانتصار في صحيفة النقابات والجمعيات الحقوقية المراكشية. لذلك تم اللجوء إلى صيغة طلب الإعفاء: أو بالأحرى أمر النائب بأن يقدم بنفسه طلب الإعفاء.
وإلا، وإذا ما كان العكس هو الصحيح وكان سمير مزيان هو من بادر من تلقاء ذاته إلى طلب إعفائه، وهو ما يبقى مستبعدا جدا، لكن حتى لو افترضنا جدلا أنه هو من تقدم فعلا بهذا الطلب من تلقاء ذاته، فهل يعفيه تخليه عن منصبه من تحمل مسؤولياته؟ فالمعلمة نعيمة رجاح تطعن في قرار التوقيف الاحترازي الذي اتخذه سمير مزيان في حقها وتعتبره شططا في استعمال السلطة وتجنيا عليها ولقد قررت متابعته أمام كل من المحكمة الابتدائية بمراكش وكذا أمام المحكمة الإدارية؟ ؟ فهل ستسقط المتابعة عنه فقط لأنه طلب إعفاءه؟ أم أن مسؤوليته الشخصية ثابتة في هذا القرار الذي يُلزِمه هو ولا يُلزم المؤسسة التي اتخذ قراره المطعون فيه باسمها؟ أيضا نعرف أن الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بمراكش أحال شكاية رئيس المركز المغربي لحقوق الانسان بخصوص قضية المعلمة نعيمة رجاح على والي أمن مراكش من أجل فتح تحقيق شامل مع كل الأطراف التي تتهمهم الشكاية باستباحة الحرم المدرسي والضلوع في اعتقال المعلمة وتعنيفها وفي مقدمتهم نائب وزارة التعليم سمير مزيان، ومدير المؤسسة الابتدائية التي تشتغل بها المعلمة، ورئيس الدائرة الثامنة للأمن. فهل سيصير نائب مراكش معفى من هذه المتابعة فقط لأنه تقدم بطلب إعفائه من منصبه أم أن المسطرة التي أمر بها الوكيل العام لمحكمة الاستئناف يجب أن تأخذ طريقها ليتم التحقيق مع الجميع دون استثناء؟

DSCN2969المعلمة نعيمة برفقة زميلاتها احتجاجا على النائب

وإذا كان إعفاء أو عزل أو حتى الاستجابة إلى طلب الإعفاء الذي تقدم به سمير مزيان يُعتبر بداية لمسار تصحيحي تحتاجه نيابة مراكش، فالكل يتمنى أن يعاد الاعتبار لهذه المدينة وأطرها من أجل ضمان تدبير حازم عميق وشفاف يوقف النزيف ويبدأ بتصحيح الاختلالات الكبرى التي سبّبها التدبير المزاجي الانفرادي لسمير مزيان، ولعل أول ما يجب العمل عليه هو إعادة نخبة من خيرة أطر النيابة إلى العمل بعدما همشهم النائب وجعل أغلبهم في وضعية موظفين أشباح هم الذين كانوا في قمة العطاء قبل مجيء هذا النائب. والشغيلة التعليمية بالمدينة تتمنى أن تحظى بمسؤول يحل مشاكل النيابة بالتوافق مع موظفيه ومعاونيه ومع ممثلي الشغيلة والمفتشين وغيرهم، بدل الوصول بكل الملفات إلى الباب المسدود و”تصدير” مشاكله إلى أطراف خارجية على رأسها القوات العمومية وولاية أمن مراكش التي وجدت نفسها مطالبة بإجابة الوكيل العام حول تدخلها الأخير الذي ورطّها فيه سمير مزيان والذي أسفر عن اعتقال معلمة من داخل مؤسستها التعليمية، وهي القطرة التي أفاضت كأس نائب التعليم بمراكش وعجّلت بإبعاده.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،