كتاب : الرياضة والسياسة والفلسفة.. الفلسفة في الرياضة ( 30

كتاب : الرياضة والسياسة والفلسفة.. الفلسفة في الرياضة ( 30

- ‎فيرياضة
2053
6

 

بلاتر

3- الرياضة والديمقراطية الانتخابيـة
ليست الرياضية أُلهْيةً أو إهدارا مجانيا للطاقة، وليست كذلك فرجة استعراضية للمواهب مثل السيرك والألعاب اليونانية. إنها مؤسسة ذات قواعد وقوانين صارمة جدا، بل وذات ذاكرة (الأرقام القياسية التي يجب تحطيمها). ومن المعلوم أن المعارك الرياضية مقننة بكيفية عالية جدا، وأي خرق للقانون يلغي اللعبة. فالكرة داخل الشباك تعتبر ملغاة إذا كان اللاعب شاردا أو متسللا، أو إذا كانت هناك ضربة خطأ، ومع ذلك، فقد رأى الجميع الكرة في الشباك وهي هناك ماديا. ولكن، لا. إنها لست هناك، ففي الرياضة تنتصر القاعدة على الواقع. وفي الرياضة ينتصر ما يجب أن يكون على ما هو كائن.
يوجد في الرياضة تعارض بين مطلبين. يقول أَوَّلُهما بضرورة الانتصار، الانتصار بالضرورة لأن الخسران والانكسار مهزلة والانتصار مفخرة شبه قدسية: تشجعوا يا شباب! غير أن المطلب الآخر يقول بضرورة احترام قواعد اللعبة وقوانين الاتحاد الدولي واللجنة الأولمبية: مرحى بالـحَكَم! وهذا تعارض مبدئي، لأن الانتصار بأي ثمن، لا يحترم شيئا. و”تشجعوا يا شباب” و”مرحى بالحَكَم” أمران لا يجتمعان. ومع ذلك، إذا أردنا أن نتذكر جيدا أن الرياضة تنتمي للثقافة الشعبية، فلا يمكن الامتناع عن ملاحظة أن هذا المطلب المزدوج كثير الشيوع في مجتعاتنا الغربية، الربح بأي ثمن واحترام القواعد، هذا هو عمق الديمقراطية الانتخابية.
ما الديمقراطية؟ قبل أن تكون الديمقراطية أسلوب حياة وطريقة في العيش أو أداة للدعاية، فهي شكل من النِّزال السياسي، شكل من الصراع من أجل الحصول على السلطة (سلطة الدولة). وهذه المعركة السياسية تمنع اللجوء إلى الأسلحة والمواجهات و الهجومات، بل وتمنع الرؤى الصوفية. تجري هذه المعركة بطريقة غريبة جدا،كانت لتدهش جول سيزار وكيوم دورانج، جان دارك وروشيليو، ذلك أن هذه المعركة تجري في يوم محدد معروف مسبقا من لدن الجميع، في أمكنة وأزمنة محددة وهناك، يُسْتَدْعَى الشعب إلى وضع ورقة صغيرة داخل صندوق؛ وفي نهاية اليوم، يتم حساب وتعداد هذه الأوراق الصغيرة والشخص أو الحزب الذي حصد أكبر عدد من الأصوات يحصل على السلطة العليا: إذ يقرر في السلم والحرب، يقرر في شأن الضرائب، وإعداد التراب الوطني، يتحكم بالشرطة والجيش، يوقع معاهدات واتفاقيات مع قوى أجنبية، وغير ذلك. إن الديمقراطية هي أعجوبة قصاصات الورق الملون، هي الورقة الصغيرة التي تتمخض فتلد جبلا! وهذا النظام المفارق تقبل به حضارتنا. ومن النادر،أن يحمل الخاسرون السلاح أو يحركون ثورات أو يستنهضون الجيش بعد فشل انتخابي. وإذا تناسينا قليلا بعض الانقلابات وبعض الاغتيالات، يمكن القول إن الأمور تسير بشكل جيد وهذا يسمح بِسِلْم مدني دائم ومستمر. وأحب من أحب، وكره من كره، فإن هؤلاء الرؤساء القادمين على محف الأوراق الصغيرة يستقرون فوق العرش تماما مثل ملوك الحق الإلهي الأقدمين.
وماذا بعد! إن الرياضة هي إعادة إطلاق هذا الشكل السياسي، هذا المنطق القائم على شرعية الحساب والتعداد، إذ هي حقا وصوابا معركة بين فرق (أو أفراد) تجري في مكان وزمان محددين سلفا، مثل الانتخابات، ويتم تعيين الرابحين بواسطة الحساب والتعداد (النقط، الدقائق، الأمتار، المكاييل، والأوزان) كما في الانتخابات، وقواعد اللعب تلغي كل صنيع خارجي (يقوم التزوير الانتخابي مقام الخطأ المقصود، يلغي النتيجة) وأخيرا فإن الثأر للكأس أو للسلطة يجب أن ينتظر الاستحقاق المقبل، أي المبارة القادمة أو الانتخـاب الآتي. إن الرياضة تبسيط وتطهير للنظـام الديمقراطي الانتخابي.
ولا يجب القول، انطلاقا من هذا، إن الرياضة انعكاس للديمقراطية، لأن الانعكاس سلبي وينشغل بإعادة الإنتاج السطحية للواقع متعدد الأبعاد، وليس هذا ما قصدنا إليه. فالرياضة لا تعيد إطلاقا إنتاج السياسة عبر تسطحيها، بل على النقيض من ذلك، تشكل أحد أبعادها وتساهم فيها بفعالية، وهي ترسـخ في الأدهان عوائد التفكير وأشكـال البداهـة التي لا تستقيم الديمقراطية الانتخابية إلا بها. والدليل على ذلك أن رجال السياسة حينما يستنفدون حججهم وبراهينهم، يغادرون حقل اللغة السياسة في اتجاه حقل اللغة الرياضية. تكرس الرياضة السياسة الليبرالية داخل الرؤوس مثلما تستعمل الوشيعة فوق الجدار لتثبيت أشجار الورد.

يتبع

ألفـــــــه: إيف فارگاس

تــرجمــــة : عبد الجليل بن محمد الأزدي / بلعز كريمة

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،