( قصة قصيرة) . دموع عيد العرش .. في ذكرى 3 مارس

( قصة قصيرة) . دموع عيد العرش .. في ذكرى 3 مارس

- ‎فيفن و ثقافة
269
6

 

يزداد غور الألم في قلبي كلما حل عيد العرش، ومعه يغور الإحساس باغتصاب حقي في طفولتي، فقد كان جميع الأطفال يغادرون ” الدوار ” إلى مراكش رفقة آبائهم، يستمتعون ببهجة المدينة و زينتها، و بالحفلات التي يحكون عنها بعد عودتهم في العشي بالكثير من الزهو و الإعجاب، خصوصا حينما يكون الملك في المدينة بموكبه الفخم و هيلمانه السلطاني.
لقد كان اصطحاب والدي أخي الأكبر دوني أنا مبعث ذلك الألم والإحساس بالدونية و النقص، ومع ذلك لم أحقد عليه يوما ولا على أخي، فقد كنت دائما ألتمس لهما العذر، و أقول إنني لا أعرفهما حقيقة، لأن مشاعرهما تجاهي أحسن بكثير مما يظهر كل عيد عرش، ولم يكن بكائي حنقا مما فعلاه، ولكن بكائي من غياب القيمة التي سلبت مني دون بقية أقراني من أطفال ” الدوار “، ومما يتجاذبني من الرغبة في الإنعتاق و التحرر مما أنا عليه و من إكراهات الطفولة و الواقع، و ما كانت مواساة أمي و جدتي لتخفف عني من أمري شيئا.
لم أتوقف يوما عن التساؤل من أنا؟ هل ذلك الطفل البريء الذي حفظ جزءا من القرآن و”سيرة سيف ذو يزن” و “قصص الأنبياء” و عشرات الكتب الصفراء من حقيبة والده؟ أم أنني ذلك الطفل الصغير الذي جاء في غير موعده، لا تتجاوز تجربته حدود “دواره” و “الدواوير المجاورة”، و لا يرى سيارة إلا إن جاد بها الزمان و مرت كالبرق من تلك الطرق الملتوية بين الحقول؟
تاريخ طويل ذلك الذي يحمله ذهني، وقصير ذلك الذي شهدته عيناي، ففي ذهني زمن يمتد من “آدم” حتى خروج ” ياجوج وماجوج” و “دابة الأرض”، بل حتى ينفخ إسرافيل في الصور مثلما حفظت من كتاب” بدائع الزهور”، فكنت أحاول جهد المستطاع أن أغير مجرى تاريخي الضيق و الصغير حدود جسدي النحيف بذلك التاريخ الطويل الذي أحفظه، بل أكثر من ذلك صار مصدر الدريهمات حينما يتحلق حولي الكبار في ” حانوت الدوار” أحكيه بالكثير من الفخر و العنفوان، دريهمات كنت أدخرها لحدثين اثنين في السنة حيث يقام ” موسم سيدي احمد الكامل” على غير بعيد من الدوار، إنهما حدثا “الزيارة” في عاشوراء وفي اليوم السابع والعشرين من رمضان، وكنت اقتني لعبة و بعض الحلويات التي لا وجود لها في “حانوت الدوار”.
مضت الأيام و توارت الطفولة الأولى، و غادر أبي هذه الدنيا وقضم الدهر أحوالنا، فصار ما حفظته مصدر رزق زهيد في بعض الأسواق التي أقيم فيها “الحلقات” كلما سمح الأمر بذلك، و كثيرا ما كان الناس يرمونني بالقطع النقدية كأنما يرجمون شيطانا، فيتمثل أمام عيني رجم الأطفال لي بنظراتهم و هم يغادرون “الدوار” إلى المدينة في “عيد العرش”، بينما أنا أجري باكيا خلف دراجة والدي التي يردف عليها أخي حتى تتعب قدماي الصغيرتان وأسقط على الأرض، ثم أقفل عائدا إلى الدوار، ففساحة هذا العالم لم تكن في واقعي و إنما في ذهني فحسب…
إبراهيم الفتاحي

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،