الرسالة الشباطية من الزيارة المراكشية

الرسالة الشباطية من الزيارة المراكشية

- ‎فيرأي
155
6

 

ابراهيم الفتاحي

جرأة كبيرة تلك التي برز بها الأمين العام لحزب الإستقلال حميد شباط رفقة قياديين استقلاليين آخرين، وهو يزور المدانين ابتدائيا في قضية كازينو السعدي، وعلى رأسهم الكاتب الجهوي لحزبه بمراكش تانسيفت الحوز عبد اللطيف أبدوح. يتحدث البعض عن سعي السيد شباط إلى إبراز تضامنه معهم، وبعثه برسالة إلى جهات ما، ومفاد الرسالة أن حزب الإستقلال لا يتخلى عن مناضليه أبدا، بل حتى عمن ناضلوا في صفوفه ذات زمن ثم هاجرو إلى أحزاب أخرى. لكن السيد شباط ليس مجرد شخصية عادية في حلبة السياسة المغربية، وإنما زعيم أعرق حزب في البلاد، وقائد قوة سياسية ضاربة محكمة التنظيم، ولحزبه القدرة على تحديد موازين الصراع ومعاييره، زد على ذلك تمترسه في صفوف المعارضة ضد “بنكيران” من جهة، وضد الأوليغارشية السياسية بالمغرب من جهة ثانية، وهو الذي اجثت آل الفاسي من الهيمنة على الحزب، ويساهم بشكل كبير في كسر قيود العائلات الأرستقراطية على السياسة والإقتصاد. السيد شباط شرس في مواجهاته، موجع في ضرباته وصنديد في نزالاته، يحسب له ألف حساب، وهو أنموذج لأبناء الشعب من الطبقة الدنيا الذين تمكنوا من إثبات ذواتهم وإنهاء أسطورة الأرستقراطيات والمصاهرات الكبرى في العائلات المخزنية الأخطبوتية التي تعز من تشاء في عالم السياسة والإقتصاد وترمي من تشاء في غياهب النسيان، عائلات كانت حتى الأمس القريب صاحبة الحل والعقد في المناصب الكبرى ذات التأثير في عالم السياسة والإقتصاد بالمغرب. المدانون في قضية كازينو السعدي، هم إخوان شباط في الأصول المقهورة والانتماء لطبقات شعبية، ولكنهم تمكنوا أيضا من رسم مسارهم السياسي، من خلال العمل الحزبي والإنتخابي لسنوات طويلة، وجميعهم خرجوا من عوالم الفقر ومن “الحومات” الشعبية حتى بلغوا ما بلغوه، لذلك فالسيد شباط يريد من خلال هذه الزيارة ذات الهيلمان أن يبعث برسالة على جريد النخل المراكشي وعلى طلحه المنضود، مفادها أن أبناء الشعب ليسوا غنما شاردة يمكن تصيدهم بسهولة وتقديمهم للمحاكمات بينما هناك مسئولون كبار ممن لهم نصيب من الأرستقراطية سواء بالدم أو بالمصاهرة، تغاضى عنهم الجميع، بل وتمت تزكيتهم بمناصب أخرى أو تثبيتهم في مناصبهم ضدا على العدالة وعلى منطق المساواة أمام القانون، ومثال ذلك وزير المالية السابق والخازن العام للملكة اللذين تبادلا العلاوات “بالعلالي” ولم يقترب منهما قضاء ولا محكمة، وعوقب الموظفان المسكينان اللذان فضحا الفساد بتسريبهما للوثائق، بينما تقلد الأول منصب وزارة الخارجية، وبقي الثاني خازنا لبيت المال. “العدل صورة واحدة، والجور صوره كثيرة” كما يقول ابن الجوزي، لذلك فمن المحال الحديث عن العدل ومحاربة الفساد حينما يتعلق الأمر بذوي الأصول “المكحكحة” بينما يتم تزيين “النبلاء” بمناصب أرقى وبروباغندا إعلامية والتجاوز عنهم. رسالة أخرى يمكن قراءتها من الزيارة الشباطية، ومفادها دعم السياسة والسياسيين ضد التقنوقراط المعينين، حيث يتم محاكمة المنتخبين وحدهم والتطبيل لمحاربة الفساد على جلودهم، بينما لا يقترب أحد من المعينين، رغم أن الجميع يعلمون أن الوثائق التي أدانت أبدوح ومن معه تحمل لوحا من التوقيعات وأنها نتيجة تنسيقات تمتد في مؤسسات كثيرة، وعلى رأسها السلطات المحلية. وأن هذا النوع من المحاكمات ذات البعد الواحد تهدد السياسة بالبوار، حيث المنتخبون يكونون تحت رحمة تلك المؤسسات الوصية، ويضطرون لتنفيذ العديد من المقررات تحت مسميات متعددة: منها تشجيع الإستثمار أو دعم القطاع السياحي، ثم يجدون أنفسهم عرضة للجرجرة في المحاكم، ولست أبرئ أحدا، ولكني أتساءل ما إن كان التقنوقراط المعينين يأكلون الشوك بأفواه السياسيين المنتخبين، ثم ينزوون بعيدا، وهو الأمر الذي يضر بالسياسة أكثر مما ينفعها. قد يتفاعل الناس اليوم مع الأحكام والمحاكمات إيجابا، وهو أمر عادي في ” سيكولوجية الجماهير”، ولكن للزمن وقعه، فبمجرد ما يزول الحماس وينقشع غبار الإندفاع، وتتعب الحناجر من التهليل بمحاربة الفساد، سيبدأ التفكير والتحليل وتتناسل الأسئلة عن سر تورط المنتخبين وحدهم، مع علم الجميع أن هناك سلطات وصية على الجماعات المحلية، ترجع إليها الأمور في معظمها، بل هناك متذمرون من تحكم الداخلية في شئون الجماعات، وهو أمر واضح في الميثاق الجماعي، فهي ليست مجرد مراقب فحسب، وإنما فاعل أيضا، تحال عليها الملفات وينتظر منها التوقيعات، ومع ذلك لا ذكر لها حينما تغلي “طنجرة” المتابعات، ويبقى من جالدوا في الساحات الإنتخابية وصارعوا في الميادين الإقتراعية هم المسئولون دون غيرهم، والأغرب من كل هذا وذاك هو أنه لا يتم حتى استدعاؤهم للإدلاء بأقوالهم وشهاداتهم ومعلوماتهم في الموضوع. إن محاربة الفساد ومحاكمة المتورطين والمشبوهين خطوة في المسار الصحيح لترسيخ مبدأ اقتران المسئولية بالمحاسبة، وتكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ولكن المسئولية عندنا متعددة المصادر، فهناك مسئولية تأتي بالإنتخاب والإقتراع، ومسئوليات أخرى تأتي بالتعيينات والمباريات، ويجب إرفاقها بالمحاسبة أيضا، حتى لا نضر بالعمل السياسي من حيث نريد الإحسان إليه، وأن مكاييل المطفيين في المحاسبات والمتابعات فتنة أشد من الإختلاس نفسه، ويسهم في هذه المكاييل المغشوشة حتى الحقوقيين بتناقضاتهم، وسأقف عند هذه التناقضات في مقال آخر. إن السيد شباط متقن “للميساجات” على ما يبدو، لكن فعله ذاك لا يخلو من صواب، حتى وإن تم إدراكه بعد حين من الزمن، وإنقاذ السياسة من العزوف لا يتم “بدكدكة” عظام المتورطين من المنتخبين فقط، وإنما “خاصنا نسربوا الكبة كلها” ونعيد لفها، وهنا يجب عدم التمييز بين جزء من الخيط وجزء آخر، وكل رسالة شباطية والفساد ملعون ملعون ملعون….

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،