الحكاية 29 من حكايات أبي زيد الهلالي: الخلاف بين ذياب و حسن بن سرحان

الحكاية 29 من حكايات أبي زيد الهلالي: الخلاف بين ذياب و حسن بن سرحان

- ‎فيفن و ثقافة
497
6

 

د محمد فخرالدين

أما ما كان من أمر أبي زيد فقد أمر بتجهيز العساكر و الفرسان ، و دق طبول الحرب و نزل إلى الميدان، فبرز إليه الامير كامل، و ما زالا في عراك و قتال ، و اتصال و انفصال ، حتى كلت منهما الزنود ،و ما زالا في عراك شديد يشيب الطفل الوليد ،مدة عشرة أيام، حتى ضجر الأبطال من ذلك الحرب و القتال..

و عندما جاء الصباح و وأضاء بنوره و لاح على الروابي والبطاح ، نزل أبو زيد إلى الكامل و اشتبكا من جديد في القتال و ما زالا على هذه الحال و هما في اتصال و انفصال ، إلى أن قرب الزوال، فغافله أبو زيد بضربة من سيفه البتار فأرداه قتيلا في الحال..

و فر الباقي هاربين لا يقر لهم قرار ،و طاردهم بنو هلال في البراري و الجبال و الوديان و القفار ..

ثم جلس أبو زيد على كرسي قلعة زوارة ،و حاز جميع الأموال وحملها على الجمال ،و سار ببني هلال يقطعون الفيافي و القفار، حتى وصلوا إلى عين توزر فجلس للراحة و الفرجة و الاحتفال، وأمر بذبح الأغنام و إعداد الطعام و شرب المدام، و طاب الحديث مع الكرام ..

و بينما هم على هذه الحال إذ وصل الأمير ذياب ،فهنأوا بعضهم بعضا بالسلامة ، و تخابروا بجميع الأخبار و حمدوا الله على الانتصار ، و جلسوا مدة ثلاثة أيام و هما يتبادلان السلام و طيب الكلام و موائد الطعام نسأل الله حسن الختام ..

و في اليوم الرابع جدوا بالمسير إلى أن وصلوا إلى تونس فالتقاهم حسن بن سرحان، و دخلوا بموكب عظيم و دارت البشائر في نجوع بني هلال ، و بعدما استراحوا سألهم حسن عن الأحوال ،وتداولوا في أمر البلدان ، فقسموا بلاد المغرب بينهم بالسوية بين أبو زيد و حسن و ذياب، كل واحد الثلث، فكانت تونس لذياب و القيروان لحسن و الأندلس لأبي زيد ..

و بعد أن استقرت الأمور و هدأت، كتبت سعدة إلى الأمير حسن تشكو له من ذياب كما ذكرنا، فاتفق حسن و أبوزيد على الذهاب إلى تونس لإنقاذها ، لكن ذياب لم يرض أن يسلمها لهما ،و خاصم حسن بن سرحان أشد خصام ، و كادا يقتتلان بسبب سعدة ، فاقترح عليهما أبو زيد السباق إليها فمن كان الأسبق ظفر بها،فقبلا بذلك و قاما بتنظيم السباق بينهما فسبق ذياب و قتل سعدة عن طريق الخطأ فحزن عليها كل الحزن..

لكن الأميرة زعيمة أخت الزناتي لم يرضها هذا الحال ، و ما حدث لقومها من أهوال على يد بني هلال ، و أحنقها مقتل أخيها على يد ذياب و أرادت الانتقام ، فجمعت عشيرتها و أعوانها وقررت أن ترمي بين بني هلال الفتن و الفساد ..

ثم إنها سارت إلى بني هلال متنكرة في صفة شاعرة تمدح الحكام بجميل الكلام ، حتى دخلت على الأمير ذياب و سلمت عليه و قدمت اليه فروض الطاعة و الاحترام، و أظهرت أنها من أعداء الزناتي و أنها فرحة بمقتله على يد ذياب الهمام، و قالت له أنها تريد أن تعطيه بلاد الغيط جزاء له على ما فعله في تخليص البلاد من الأعداء اللئام ..

و ركبوا مع العجوز، و جدوا في السير إلى أن وصلوا إلى الغيط فانبسط الأمير لما نظر إلى تلك الغدران التي تدهش النظر وتبهر الأذهان ، و تلك القصور العامرة التي تحير الأبصار ، و الأشجار الباسقة و الطيور الناطقة فسبحان الملك الخلاق ، و صار ذياب في غيظ البرجان و عين السلوان يتجول في المكان و يجني الأثمار ويقطف الأزهار و الريحان ..و يحمد الله و بشكره على نعمه والإحسان ..

أما العجوز فقد جمعت أفخر الفواكه و سارت إلى حسن بن سرحان و أبي زيد و قالت له :

ـ لقد حاز ذياب على أفخر ارض العرب و هي كروضة من رياض الجنة، فوقع الحسد في قلبهما و قررا الذهاب في الحال إلى تلك الأرض من اجل الفرجة عليها و لما وصلوا تعجبوا غاية العجب ..

و قال أبو زيد:

ـ يا أمير ذياب نحن ماسكين البقرة من ذنبها و أنت تحلبها ..

فقال أبو زيد لذياب :

ـ إن شئت تعطي هذا الغيط إلى الأمير حسن و تعودا أحباب و من أعز الأصحاب ..

فرفض ذياب ذلك ،فهجمت جماعة حسن على المكان و أفسدت ما كان في البستان ، أما ذياب فقد رد الفعل بالمثل ،وأحضر ثلاثمائة ثعلب و ذهنهم بالزفت و الكبريت و أشعل النار في أذيالها و أطلقها في مزارع بني هلال ،و كان الوقت وقت حصاد فاشتعلت النار في الحقول و حرقت المحصول ، فغضب حسن بن سرحان غضبا شديدا لما عرف أن ما كل ما جرى هو من فعل ذياب..

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،