الحكاية السادسة من السيرة الظاهرية

الحكاية السادسة من السيرة الظاهرية

- ‎فيفن و ثقافة
315
6

د محمد فخرالدين
أما ما كان من الخليفة المقتدر فانه رجع الى الديوان، و جلس على سريره و إذا بغبار قد ثار، و انكشف الغبار عن عبد يزيد و معه عسكر جرار و كأنه البحار ، و كان قد التقى مع اخيه هلاوون في هربه و حكى له ما جرى و صار ، و كيف لحقهم العطب ..
قاله أخوه عبد يزيد :
ـ سر معي حتى أريك العجب و أبلي المسلمين بالويل العطب ..
ثم إنهما ساران يقطعان البراري و القيعان إلى أن وصلا إلى مشارف مدينة بغداد..
فامر الخليفة المقتدر بإغلاق أبواب البلد فقال له صلاح الدين الكردي :
ـ لا تغلق أبواب ديارك فنحن لها ..
و قام من وقته و ساعته و ركب هو و عشيرته، و هاجموا جيوش عبد يزيد و هلاوين ، و لعب السيف من جميع الجهات و سال الدم مثل الفوارات و انتصر المقتدر و عساكره و فرسانه …
و صاحوا بالتهليل و التكبير و الصلاة و السلام على البشير الندير، فخيل للأعداء كان السماء قد انطبقت عليهم، و لم يزالوا على ذلك حتى انتصف النهار و هديت الحرب ، و أمر الخليفة بجمع الأسلاب و أرادوا الدخول إلى المدينة..
و إذا بالغبار قد ثار عن جيش الملعون منكتم وصحبته ألف فارس فلما رأى أصحابه ممدودة على الرمال صعب عليه ذلك و نادى بالنار ذات الشرار، فالتقاهم الإبرار بكل سيف بتار، و حجب الغبار ضوء الشمس حتى غاب و ناح الغراب ، و لم يزل السيف يعمل و الرجال تقتل و النار تشعل حتى ولى الليل بالارتحال و اقبل الليل بالانسدال، و أرادوا الانفصال فما تمكنوا من ذلك الحال ، و زادوا عليهم في القتال و بطل القيل و القال، و أخذ يوسف صلاح الدين منكتم اللعين و هو ذليل مهان، فانحلت عزائم الأعداء وولوا الأدبار، و غنم الخليفة غنائم كثيرة، و أمر أن تزين مدينة بغداد احتفاء بالنصر، و شكر صلاح الدين على معروفه و أثنى على شجاعته ، تم إنهم دخلوا بغداد فكان يوم كالأعياد و جلس الخليفة على كرسي مملكته، و أمر بإحضار الاسرى فحضروا وكان منهم المنكتم وولديه و طلب فداهم بالأموال و أطلق سبيلهم و رد عليهم خيولهم و سلاحهم ..
و لما استقر الأمر قال الخليفة لصلاح الدين انك تستحق الحكم أكثر مني فاعتذر منه صلاح الدين ، و اخبره عن سبب قدومهم في الأصل ، في سبيل ارض أخصب من أرضهم فقال الخليفة : ـ ـ منحتكم ارض مصر و الشام و لك الخطبة و لك السكة و العزل و التولية و ان أردت شيئا غير ذلك أعطيتك إياه ..
فلما سمع يوسف صلاح الدين ذلك الكلام أدركه الابتسام و دعا له بطول العمر و الدوام، و فرح الفرح الشديد الذي ما عليه من مزيد …و أخد يمدح الخليفة بهذه الأبيات :
أدام الله عزك بين الدهور …….و عشت مؤيدا طول الدهور
وزادك المولى كريم مهابة ……. و نصرا و تأييدا و لطفا هصور
فكتب الخليفة الحجج بما قر في الأمر بينهما، وودع الأمير صلاح الدين الخليفة ، و سار في قومه من الاكراد الى مصر، و ساروا طالبين ديار مصر ،و قد زال عنهم القهر و الهم ..
فوصل الى حلب و عين واليا عليها من قبله ثم وصل دمشق فقام بمثل ذلك و كذلك غزة ولى عليها و سار حتى وصل الى وادي النيل فولى على بلدانها من قبله حتى أتى إلى مصر ففرح به اهلها الفرح الشديد ، و جلس على الكرسي و صار يحكم و يعدل ، و قد جمع العلماء و أكرمهم فدعوا له على المنابر و أطاعته مصر و الشام و قد رزقه الله بولدين، أحدهما يقال له العادل و الثاني يقال له الكامل ..
و أمر بإحضار الخراج و بنى قصرا عاليا شاهق البنيان بقلعة الجبل ، و انعم بإتمامه على الجميع الرفيع و الوضيع..
و في يوم من الايام اقبل عليه سائر و معه كتاب من الشام يخبره بموت من ولاه عليها، فولى مكانه ولده العادل و قال له :
ـ إني و ليتك على ارض الشام فإياك و ظلم الأنام
ثم انه و صله خبر و فاة المقتدر بالله فحزن عليه حزنا كبيرا ..و سار إلى بغداد لنصرة أولاده و عاد بعد ذلك إلى بلاده ..
و توالت الأيام بينما كان في مجلسه إذ أتاه خبر وفاة ولده العادل فسقطت دموعه عل خده و انشد وقال :
كم للدهر من نائبات …..و كم آيلا جيوشا بالشتات
و كم فرق من جموع ….. و مزق جمعهم بالعاديات
وكم بجوره أصاب قلبا…. و كم رماه لذوي الرماة
تم قال :
ايها الدهر الخؤون……. كم رميتنا بكل المحون
و كم فينا فعلت فعلا ……..و كم أخذ منا ن مصون
و كم أهرقت دماء قوم……. و كم أتلفت لهم من عيون

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،