الحكاية الحادية عشرة من حكايات أبي زيد في بلاد العجم

الحكاية الحادية عشرة من حكايات أبي زيد في بلاد العجم

- ‎فيفن و ثقافة
806
6

د.محمد فخر الدين

 

فلما شهد رجال الدبيسي ما حل و صار ، هربوا في الحال إلى البراري والتلال ، و ابتلعتهم الوديان و القفار ،فتبتعهم بنو هلال بالسيف البتار، حتى ألقوا السلاح ،و لم يعد لهم لا مقادم و لا جناح، فسبحان الملك الفتاح الذي يحول الليل إلى صباح، ففرح بنو هلال بما صار،واحتفلوا كل الاحتفال ، وجعلوا يشربون القهوة و الأقداح، و يسمعون الأناشيد والأمداح، من الليل حتى الصباح ..

و كانت الغنائم التي غنموها كثيرة عظيمة ، فوزعها أبو زيد بالعدل و الإنصاف على الرجال ، فرضوا بذلك كل الرضى وشكروه على الاهتمام ،ثم أصدر أبو زيد أمره للجميع بالاستعداد للرحيل في الحال،فساروا في طريقهم وجدوا في السير، تزينهم البيارق والرايات و الأعلام، و تسبق زحفهم الطبول و السناجق و الخدام ، و ساروا مدة ثلاثة أيام حتى وصلوا إلى رياضات زاهرة ووديان فسيحة و ماء منهمر و مراعي واسعة ، فسـأل أبو زيد عن المكان و أرسل من يأتيه بالأخبار، فسار الغلام بسرعة ثم عاد و أخبرهم بأنهم وصلوا إلى بلاد العجم ..

و كان يحكم بلاد العجم في تلك الأيام سبعة ملوك عظام ،وهم خرمند وعلي شاه و الصلصيل و المغل و منذر و المنذر والنعمان،ولما نزل بنو هلال في أرض العجم ،ضربوا الخيام و أعدوا كوانينهم للطعام ، و ذبحوا مواشيهم و الأغنام ، وأطلقوا مواشيهم في المراعي الخضراء و في التلال والآكام، و كان الأرض كما ذكرنا خصبة كثيرة الأعشاب والأزهار و الخيرات الحسان ..

فلما علم أصحاب الأرض بالأمر و أن بنو هلال قد اجتاحوا مراعيهم بالنوق و الجمال ، ضاقت صدورهم و اجتمعوا عند ملكهم الخرمند يتداولون أمرهم بينهم، و ما يجب أن يفعلوه مع بني هلال ..

فقال أحدهم الرأي أن نبادرهم بالقتال و نسبي حريمهم والعيال و ننهب نوقهم و الجمال قبل أن يتكاثر عددهم نسقيهم كأس الوبال ..

و كان الملك النعمان حاضرا في الديوان فصعب عليه ذلك ، و خاف على بني هلال من العطب لان أصله كان من العرب، فقال للملك الخرمند:

ـ يا مولاي ،إن كان لا بد من حرب بني هلال طمعا بالغنائم والأموال فأرسل إليهم تطلب منهم عشر المال، فان امتثلوا لأمرك نلت المطلوب بدون قتال أو حروب ، و إن امتنعوا فلهم عليك القتال و شدة النزال و تنهب منهم الأموال وتعدمهم الأنفس و الأرواح،و تفني منهم الفرسان و الرجال و هذا كلامي وكل ما عندي الأقوال ،و الأمر لكم على كل الأحوال ..

فلما سمع منه الخرمند هدا الكلام رآه عين الصواب و الأمر الذي لا يعاب ، فرضه على المجلس و الديوان فوافق عليه الجميع من السادات و الأكابر والأعيان، و الأبطال و الفرسان..

ثم ان الخرمند أمر بقلم و قرطاس و كتب إلى بني هلال كتابا يطلب منهم عشر المال او يرحلوا عن بلاده في الحال و لا سيسقون كأس الوبال ..

فلما فرغ الخرمند من كلامه طوى الكتاب و أعطاه إلى النجاب، و أمره أن يسير بالتعجيل إلى مضارب بني هلال و يسلم الكتاب يدا بيد إلى أبي زيد دون تعطيل ..

فامتثل النجاب في الحال،و سارع إلى مضارب بني هلال وكأنه هبة ريح الشمال ، و لما وصل إلى الديار أرشدوه إلى مضارب أبي زيد، فدخل و سلم عليه تمام السلام ، و أعطاه الكتاب كما يقتضيه المقام ، وطلب منه كما قال له الخرمند سرعة الجواب..

فلما تسلم منه أبو زيد الكتاب فتحه وعرف ما فيه من المرام ظهر عليه الغضب ومزقه و رمى به إلى الأرض ، و كتب إلى خرمند الجواب يرفض ما جاء فيه من الأقوال و يهدده بالحرب و القتال …

و لما وصل إلى الخرمند صار الضياء في وجهه ظلام ، وقال له:

ـ هل بلغ من قدر بني هلال أن يخاطبوني بهذا الكلام، و أنا ملك بلاد العجم ..

ثم انه استدعى قادة العساكر و الأبطال و الفرسان طلب منهم أن يستعدوا للقتال و النزال، فامتثلوا لآمره في الحال وتسلحوا بالسيوف و النبال ، وجمعوا بالأبطال والفرسان،وأرسل إلى باقي البلدان ليمدوه بالرجال و الفرسان ..

أما ما كان من أمر أبي زيد فإنه لما بلغه هذا الخبر ركب في جموع بني هلال واشتبك بين الفريقين و حمى القتال و طلبت الفرسان النزال ،و ماجت بنو زحلان و بنو هلال وانقضوا على الأعجام كليوث الآجام ، و عملوا فيهم السيوف والسهام،و قدامهم الفارس أبو زيد البطل الضرغام لا يبالي بالأخطار و الأوهام ، و هو يضرب بالسيف البتار ، و يطعن بالرمح،ويسقيهم الموت كالأمطار ، فلم تمض إلا ساعات من القتال ،و النزال إلا و العجم في انهزام ، و قد فتك أبطال بني هلال بالعجم فتك الذئاب بالغنم، حتى ولوا هاربين يعضون أصابع الندم ، و هم للنجاة طالبين ، و قد تفرقوا في البراري و القفار ،وخلص من بين أيديهم النساء و البنات و رجع بالنصر و الإقبال إلى المضارب و الخيام مع باقي الأمراء والسادات الكرام …

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

واش فراس الوالي شوراق.. مقهى تبتلع الملك العام بسويقة باب دكالة و السلطات فدار غفلون

لا حديث بين سكان باب دكالة و زوارها،